محمود حساني
خلال الـ 24 ساعة الأخيرة ، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ، بعد قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، ما بين مؤيد ومعارض، أيًا كانت التفسيرات والمبررات التي يرونها، إلا أنه، من خلال اطلاعي على وجهات نظر الجميع، وتعليقاتهم، أرى أن هناك لبسًا كبيرًا في فهم معنى مصطلح "تحرير سعر الصرف"، ومميزاته، وعيوبه، وتداعياته.
في البداية، لم يكن أمامنا حل أخر للقضاء على السوق السوداء، في ظل الارتفاع غير المسبوق لسعر الدولار، الذي تجاوز حاجز الـ 18 جنيهًا، وكان في طريقه إلى 20 جنيهًا،، وهو قرار أراه متأخرًا جدًا، وكان من الواجب اتخاذه منذ شهر تموز/ يوليو الماضي، وعلى أي حال أن يأتي القرار متأخرًا خير من ألا يأتي أبدًا.
وتعويم سعر صرف الجنيه، كما يُدرس لطلاب الفرقة الثالثة في كلية التجارة ، هو أسلوب في إدارة السياسة النقدية، ويعنى أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما، ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقًا لقوى العرض والطلب، في السوق النقدية، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها، تبعًا لمستوى تحرر اقتصادها الوطني، وكفاية أدائه، ومرونة جهازها الإنتاجي.
وينقسم "التعويم" إلى نوعين، الأول هو "التعويم الحر"؛ ويقصد به أن يترك البنك المركزي سعر صرف العملة يتغير، ويتحدد بحرية مع الزمن، بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل البنوك المركزية في هذه الحالة على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير. ويسود هذا النوع من التعويم في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، مثل الدولار الأميركي، والجنيه الإسترليني، والفرنك السويسري.
أما النوع الثاني، وهو "التعويم المدار"، فيقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب، مع تدخل البنك المركزي، كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر، مقابل بقية العملات، وذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات، مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب، في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية، وهذا النوع من التعويم هو السائد في مصر، بعد قرار البنك المركزي الأخير.
بالتأكيد لهذا القرار عيوبه، ولا مجال للحديث عنها هنا، لكن ما يهمنا أن هذا القرار هو الحل الأمثل لمواجهة السوق السوداء، التي توحشت خلال الأيام الماضية، وبالتأكيد لهذا القرار تداعياته على المواطن المصري، في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، ومن المتوقع أن نشهد موجة جديدة من الارتفاع في أسعار السلع الأساسية ، لكن لا حل أمامنا سوى التحمل والصبر، والتكاتف مع الدولة، لمواجهة تلك التحديات، وعلينا كمواطنين أن نحاول، بشتى الوسائل الممكنة، تجاوز هذه الأزمة، والاعتماد على الذات، في تدبير احتياجاتنا المعيشية، والبحث عن مصادر أخرى للرزق، أيًا كان نوع العمل وطبيعته، حتى وإن كان لا يتناسب مع مؤهلاتنا.