أحمدعبدالله
تؤرق الشارع المصري حاليا إشكالية تطلّبت سجالات لا تتوقف في الدوائر الرسمية وغير الرسمية، تدور حول تساؤل عما إذا كان الشعب حاليا "ضحية" ويئن تحت وطأة المشكلات، أم "جاني" لايتوقف عن المطالبات والشكاوى المستمرة، ولايقوى على تحمُّل الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد.
ينقسم حول تلك الجدلية معسكرات الإعلاميين والسياسيين والنوّاب، البعض يدافع عن متطلبات الشعب ويراها عادلة وأن سقف طموحاته لايعلو عن "العادي والطبيعي"، وآخرين تبنوا وجهة النظر الأخرى لدرجة وصلت من لوم الشعب إلى "تعنيفه والإساءة إليه" والتأكيد على أنه لايتسحق القيادة السياسية الحاكمة له الآن.
بقليل من التروي والتدبُّر وتوسيع الرؤية بشكل أفقي طوال السنوات الماضية، سيتضح أن الشعب المصري في حالة "انتظار" دامت عشرات السنوات، يتحصّن بـ"الصبر" ويجيد "مسايرة أموره" طوال تعاقُب الحكومات والوجوه عليه طوال العقود الماضية، لايفعل شيئا سوى "العشم" في غد مشرق يحمل أحوال أفضل، وهو مايظهر في موروثاته الشعبية والجمل الدارجة بين دوائره، والتي دائما ما تركز على "الحمد في كل الأحوال"، والصبر على البلاء، والثبات عند المحن، حتى باتت أجيال كاملة لاتعرف سوى تلك النغمة.
وعلى الصعيد العملي لا تلمح للشعب – حال تقرّبت منه- أي نوازع للتكاسُل أو الخمول والتقصير كما هو شائع، وتستطيع أن تستدل على ذلك عن طريق منتجاته الفنية والسينمائية والأدبية، والتي وثّقت بالصوت والصورة حالة من الدأب المتواصل والسعي المستمر لكسب لقمة العيش، والمحاولات التي لا تتوقف لعدم حجز كرسي وسط "العاطلين" عن العمل.
فضيلة العمل عرفها المصريون منذ بزوغ فجر تاريخهم، وفي أحلك فتراتهم تجد من يروي لك لجوئه للعمل "فترة وإثنان وثلاثة" لمدد زمنية تكاد تقارب الـ 18 ساعة يوميا لسدّ احتياجات العيش، وباستثناء "شرائح ثرية" معتاد تواجدها في أفقر دول العالم، ستجد أن الأغلبية العظمي لاتحتاج أية إرشادات لطرد مظاهر الرفاهية من حياتها، يتكيفون بأقل الإمكانات ويتعايشون بالكفاف من العيش.
وفي المقابل فإنك حال وجدت أحد الفصول الدراسية في حالة فوضى أو عدم انتظام للإملاءات فعلى من يكون اللوم "المدرس" المباشر عن الفصل وإدارة المدرسة، أم تلوم الطلاب اللذين لم يلتزموا في غياب أي "ضابط أو رابط"، وبالمثل حال المجتمع ككل، فلا تطالبه بأقصى آيات الإلتزام ومظاهر الانضباط وضرب أروع الأمثلة في التحضر والرقي دون أن تتولي الحكومات مسؤولية تعليمهم وتهذيبهم، وزرع القيم الإيجابية فيهم، وهي أشياء "لاتُفنى ولاتستحدث من العدم".
وبالتالي في وجهة نظري المتواضعة أن على الأجهزة التنفيذية للدولة والمنابر الإعلامية والسياسية التابعة لها أن تركّز مجهوداتها على توفير "الحد الأدنى" من متطلبات الشعب بدلا من صبّ اللعنات عليه لمجرد أنه "يئن ويشكو"، ويدركوا أن "خامته" أصيلة وتستطيع أن تتحمّل أشد أنواع المشكلات والأزمات شريطة أن يجد "بادرة أمل" في نهاية النفق.