بقلم جمال علم الدين
عندما كنت صغيرًا نشأت على حب الأوطان والأماكن التي تحتوي على أصغر الذكريات حتى وإن كانت مؤلمة وقاسية لم أشعر في يوم من الأيام برغبة ما كالهروب منها بين أفكاري رغم الأحداث الكثيرة التي تمر علي في حياتي إلى أن كبرت، لم أشعر يومًا أني أود التمرد على وطن قد كان ملجأً لي حين اشتدت علي عثرات الحياة وظلامها الدامس ففي كل ثانية كنت أتنفس بها كانت من هواء أحد الأوطان بعضًا منها بين أحضان والدتي والبعض منها على أكتاف والدي وأخرى على أتربة إحدى شوارع المدن التي أعيش بين جنباتها.
وبعضًا من الأوطان قد تكون على هيئة بشر كانو لنا كل شيء، هواء نتنفسه ويتنفسنا، طين نشتم رائحته حين يختلط بالرذاذ صباحًا، قطرات من المطر تلتصق بزجاج النوافذ، موسيقى مرتبطة بلحظات ما، أرض لعبت بها يومًا، مدرسة تعلمت بين فصولها ومراحلها ، صداقة لم تنتهي حتى بالانتقال من دولة إلى أخرى أو ربما مواقف غيرت ما في داخلنا.
لم أنسى يومًا وطن قد ضمني إليه حين بكيت وفرحت، وتألمت وضحكت، لن أنسى شخصًا أهداني السعادة وهو يفتقدها وأهداني الراحة وهو يحتاجها، لن أترك أرضًا سرت على طرقاتها، ولن أرحل عن أماكن تنفست من نسائمها.
حتى وإن غاب جسدي فلن تغيب عن مخيلتي وذاكرتي لأنني أشعر وكأن تلك الأوطان تحن إلى وتشتاق إلى مجيئي وعودتي وربما تحتاجني فلن أخذلها يومًا.
لذا ينتابني الشعور بالحزن والأسى حين أجد أن هناك شخصًا تجرد من الشعور تجاه مكان ما قد ينتمي إليه ذاتيًا أو كان هناك رابط معنوي يربطه بتلك الأماكن.
حنَوا إلى أوطانكم فهي أيضًا تحِنْ وتئِنْ إليكم وتودَ أن تبوح لكم بما في داخلها فالشعور بالانتماء اتجاه مكان ما جزء لن يتجزأ من حياتنا وربما يكون متنبئًا لما سنمضي إليه مستقبلاً.