بقلم : حسن المستكاوي
** أحب مصر، وتراب مصر، وأغلى اسم عندى هو اسم مصر.. ويظهر هذا الحب فى العمل، وفى الضمير المهنى والإنسانى، وفى احترام القانون والقواعد، وفى تشجيع كل ما هو مصرى، سواء فريقا أو فردا، أو إنجازا، أو جائزة.
لكن لا يجوز أبدا إقحام اسم مصر فى مباريات رياضية وفى فوز وانتصار، كما حدث من معلق كرة اليد على مباراة منتخب مصر مع الأرجنتين الذى يلعب كرة اليد أقل بكثير مما يلعب منتخب الأرجنتين لكرة لقدم. وحين انتهت المباراة بفوز فريقنا الوطنى، هتف المعلق قائلا: «النصر لمصر».
فهل كانت الخسارة أمام السويد مثلا هزيمة لمصر؟
** أتذكر أنه فى مباريات كرة القدم وفى مختلف اللعبات والبطولات كانت الصحف تقول فى عناوينها: «فازت مصر على الكاميرون (أو أى فريق )».. بينما فى الحالة العكسية يكون العنوان: «خسر منتخب مصر أمام الكاميرون». والحقيقة أن الذى يفوز أو يخسر هو الفريق وليس الوطن.
** الوطن له أشياء كثيرة وله كل الأشياء. فنحن نريد أن ننظم الأحداث الرياضية ونخرجها فى أحسن صورة من أجل مصر الوطن. فنجاح تنظيم كأس الأمم الإفريقية ينسب لمصر ولكل المصريين. لأن هذا التنظيم من نتاج أعمال وزارات وهيئات وشخصيات وجماهير وشعب يتعامل مع ضيوفه على أحسن ما يكون.. لكن ما يحدث فى الملاعب من مواجهات هو أمر خاص بفرق وبمنتخبات.. حتى لو كانت المشاعر فى المدرجات وفى غرف التعليق ومعلقة بالوطن وبعلم الوطن.
** المهنية شىء آخر. فلا يجوز أن يصرخ المعلق، ويوجه اللاعبين، ويصيح: «العب.. شوط.. حاسب.. يا ساتر..». وهذا بخلاف لوم الحكم، ولوم المنافس، ولوم جماهير المنافس. ويصل اللوم إلى مستويات عالية وبايخة. وليس من مهام المعلق التشجيع، وليس التشجيع من جانب المعلق دليلا على الوطنية وحب الوطن، فهو من المؤكد يحب وطنه، ويتمنى انتصاره، كما نتمنى نحن أيضا فى كل مناسبة، لكن لحظات الانفعال بأداء منتخب مصرى لا يجب أن تخرج أثناء ممارسة المهنة بالكتابة أو بالتحليل، أو بالتعليق..
** معلق مباراتنا مع الأرجنتين، كان متحمسا جدا، وفى أحيان غاضبا جدا من الفريق الوطنى، وفى لحظة تالية سعيد جدا من الفريق الوطنى.. ولا اعاتبه على قفشاته، فقد يختلف عليها الناس. لكننى أعتب عليه على خروجه عن قواعد المهنية. فلم أسمع أبدا معلقا إنجليزيا يصرخ على منتخب بلاده وهو يلعب مع ألمانيا، وقد عاش البلدان والشعبان حروبا عالمية سقط فيها ملايين القتلى.
** معلق قديم فى كرة السلة كان يعلق على مباراة فى بطولة الأمم الإفريقية وحين انتهى اللقاء بفوز منتخب مصر أخذ يغنى نشيد «الله أكبر فوق كيد المعتدى» وكادت تحدث أزمة سياسية.. فمن يواجهنا يلعب معنا ولا يحاربنا. وتلك التعليقات، وتلك الممارسات فى التعليق ترسخ فى أجيال جديدة الاحتقان، والكراهية والعنصرية والعنف.
** من حق المعلق أن يكون متحمسا قليلا، وأن يجعل المباراة «صاحية وصحية».. ولكن ليس من حقه أن يشجع بصوت عال، ولو كان محللا أو كاتبا، فمن حقه أن يشجع خلف الكاميرا والميكروفون، وقبل أن يسطر حرفا، وحين يبدأ عمله عليه أن يخلع حماسه وتشجيعه، ويتحدث ويكتب بالمهنة وبقواعدها.
نقلًا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع