توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ختامها معاناة

  مصر اليوم -

ختامها معاناة

بقلم :حسن البصري

تعلم محمد حيلين مداعبة الكرة في الفضاءات الفارغة لعين السبع، كان يعزف على أوتارها في زمن كان رفاقه يجيدون العزف على العود، وحين اشتد عوده أصبح مدربًا يؤمن بمبدأ القرب، لا يدرب إلا فرق عمالة عين السبع الحي المحمدي، وكلما طرق بابه فريق خارج المدار الحضري، اعتذر بلباقة لمفاوضيه بدعوى عدم قدرته على مواجهة الاغتراب حتى ولو كان في مدينة المحمدية.

توسّل إليه المرشحون للانتخابات وطالبته الأحزاب بالانضمام إلى صفوفها، لارتباطه الوثيق بالمنطقة وتعلقه الشديد بأهداب الحي، وركضه وراء كرة محشوة بالهواء الفاسد، كما عرض عليه الحكام وظيفة حكومية في مقاطعة تعيسة قرب شاطئ السعادة لكنه رفض لأنه لا يجيد العزف على القانون.

عشق حيلين التناوب الكروي حتى الثمالة، بل كان من واضعي الحجر الأساسي للتدريب التناوبي رفقة المرحوم الصحراوي وباكو، حين تناوبوا على تدريب الاتحاد البيضاوي والرشاد البرنوصي ثم دفاع عين السبع.

حين ضاق الحال بحلين ولم يعد في عالم الكرة مجال للتناوب الديمقراطي، وآمن أن المواهب أشد محنة في هذا البلد الجاحد، لبى نداء الهجرة إلى كندا، وهو الذي لم يكن يجرؤ على مغادرة عين السبع إلا بتأشيرة من والديه، في كيبيك نصحه الراسخون في الغربة والعشق الكادي بصرف النظر عن الكرة، وأقنعوه بالهجرة كدورة استدراكية لتجاوز رسوب في امتحان الحياة الجهوي.
عمل بنصيحة السابقين وبدأ مساره من جديد، أشفق عليه الرياضيون ومد له أبناء الحي المحمدي وعين السبع والبرنوصي يد المساعدة، ولقنوه دروسا في التقشف وهو الذي كان يعاني من داء السخاء. تقشف المدرب على نحو غير مسبوق حتى في تقديم سيرته الذاتية حيث كان يكتفي بصفة مدرب، وفي مأكله حيث يراوغ أمعاءه وفي صلاته لا يتوضأ ويكتفي بالتيمم، أما القهوة السوداء والسيجارة الدكناء وحب الوطن فقد ظلوا خارج نظام التقشف.

انتفض يوما ضد زوجته ورفع في وجهها بطاقة الطلاق، اعتقادًا منه أن الشقاق الكندي أكثر ديمقراطية من نظيره المغربي، فوجد نفسه في كرسي البدلاء، خارج بيت الزوجية مكسور الوجدان، لجأ لرصيده الكروي وقرر إجراء تغيير تكتيكي على حياته، وممارسة الضغط العالي على زوجته، لكن القضاء سحب منه رخصة “زوج” بدعوى نقص حاد في الأهلية، وحين خاض مباراة فاصلة في محكمة كندية خسر القضية بضربات الترجيح، وتحول من مدرب شهير إلى متسكع سخيف مدمن للكحول ومشتقاتها، قاطع الملاعب وانضم إلى التشكيلة الرسمية للمدمنين، وبات هدفه الوحيد الحصول على قبر مجاني في مجتمع استهلاكي يعتبر المجانية مساهمة في تكريس التواكل.

عقد مغتربون مغاربة اجتماعا طارئا لبحث إمكانية مساعدة الإطار الوطني على تجاوز محنته، وتدارسوا سبل حجز سرير له في مركز خصوصي لمحاربة الإدمان، واقترح واعظ إحالته على أقرب مسجد ومنحه كتاب “قواعد الصلاة”، تعددت المقترحات إلى أن استقر الرأي على تنظيم مباراة استعراضية في مونريال، يشارك فيها لاعبون سابقون للمنتخب الوطني المغربي، ويخصص ريعها لعلاج المدرب من الإدمان.

لكن اللجنة المنظمة وجهت الدعوة لأشخاص يعانون بدورهم من الإدمان، وكلفتهم بجمع أشلاء فريق في مهمة ظاهرها إنساني وباطنها ترفيهي، ولأن اللجنة تؤمن بالقول المأثور “وداويها بالتي هي الداء”، فقد تقرر أن يكون للمباراة رعاة من شركات العقاقير الطبية.

ليس حيلين هو اللاعب الوحيد الذي يعاني من الإدمان، فكثير من نجوم الكرة انضموا لفريق المدمنين فور اعتزالهم، ومنهم من يحمد الله لأن مصيبة الإدمان ضربته وهو خارج الوطن، في بلد يعتبر المدمن شخصا يعاقب الذات بسادية، لا متسكعا يعاقبه المجتمع بالإقصاء والتنكيل ومصادرة الرغيف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ختامها معاناة ختامها معاناة



GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 14:27 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تفسدوا فرحة ”الديربي“

GMT 12:40 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

خواطر التدريب والمدربين

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 23:17 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

١٠ نقاط من فوز الاهلي على سموحة

GMT 23:41 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

كيف قاد فايلر الاهلي للسوبر بمساعدة ميتشو ؟

GMT 06:22 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

وحيد .. هل يقلب الهرم؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon