توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"الكاريوكا"

  مصر اليوم -

الكاريوكا

يونس الخراشي
يونس الخراشي

الطقس في "ريو دي جانيرو" مزاجي إلى أقصى حد؛ يلزمك دائما بأن تتأكد جيدا من طبيعته قبل أن تقرر ما سترتدي؛ فقد تكتشف أنه حار جدا دون مقدمات. وقد يفاجئك بأنه معتدل تماما، عكس ما كنت تتوقع، وقد يضطرك إلى ارتداء لباس الشتاء، للاحتماء من مطر بارد وأنت تستعد ليوم جميل. قبل أن نأتي إلى هنا قيل لنا حتى إننا اليوم لم نعد نذكر بالضبط من قال ذلك، فاضطررنا إلى استعمال الفعل المبني للمجهول، بأن "ريو" تعيش فصل الخريف، ويلزمكم أن تستعدوا للبرد جيدا. وحين وصلنا، وقد لبسنا ما يليق بالبرد، خنقنا حر "شرقي" منا من لم يعهد مثله من قبل.

ومع مرور الأيام، إذ كنا مثل المجانين نركض في كل اتجاه ببوصلة شمالها أولمبي بامتياز، اكتشفنا أن من أرشدنا، ونحن في الرباط، بخصوص الطقس، لعله ضغط بالخطأ على اسم بلد آخر في موقع "غوغل"، فنقل إلينا معلومات مغلوطة بـ"صنطيحة" تستحق ميدالية ذهبية من عيار ٢٤ قيراطا. الطقس هنا مثلما "شعب ريو" يشبه حصانا غير مروض، قد يركض فجأة وهو يقف هادئا كما لو أنه مرسوم في لوحة قديمة. وربما تسمَّر في مكانه بعد قفزة شيطانية ماردة؛ فترى البشر وديعين كوردة، ثم إذا هم ينطلقون في ضحكات هستيرية تملأ المكان صخبا، وقد يرقصون دون موسيقى، وكأنهم الموسيقى نفسها، أو كأنما موسيقى ما لاحت لهم خفية دون أن يسمعها غيرهم. وقد يفعلون هذا وذاك في آن واحد بشكل لا يفعله إلا "الكاريوكا". 

ولأنهما يشبهان بعضهما، أو لنقل إنهما توأم، فإن "الكاريوكا"، وهي تسمية أهالي ريو، منسجمون إلى أقصى حد مع طقس المدينة العملاقة، بل قل هما في تماه تام، حتى إنك لا ترى أي ضجر لسكان ريو من مناخها، بحيث يلبَسون ثيابا خفيفة جدا باستمرار؛ فيمشون الهوينى أو بالهرولة وقد تزيوا بقمصان خفيفة وسراويل قصيرة على الأغلب، ولا مشكلة لديهم إن كانت السماء تمطر أسياخ شمس حارقة أو زخات ماء منهمر. 

في كتابه "الأدب في البرازيل" يؤكد الدكتور شاكر مصطفى هذا المنحى، مشيرا إلى أن شخصية الإنسان البرازيلي ذات طابع خاص، ويقول عن "ريو" وأهلها بالتحديد "جوها الأوركيدي المجوني لا ينسجم مع تمثال المسيح المشرف عليها من عَلِ باعثا في النفوس الشجن... إنها في قرارة نفسها وثنية الروح، وثنية السلوك، وثنية الإسراف والمرح والاحتفالات... وبالرغم من شح المياه تارة، ومن فيضان المجاري تارة أخرى، ومن انقطاع الكهرباء ثالثة... فإنها آخر من يأبه لكل ذلك... ففي الجنة ليس ثمة من يسأل عن مثل هذه الأمور... لكنها تقبر في الأعماق مأساتها، وفقرها الزنجي، وتلهو عن مآسيها بأمجاد كرة القدم، وينتظر المعدمون من سنة إلى أخرى موسم الكرنفال".

هذه الشخصية المزاجية المحبوبة على كل حال، ويدل على ذلك أن "ريو" هي عاصمة السياحة العالمية، تظهر تقلبها المثير والجميل كل حين، حتى إن مظهر المدينة نفسه يبرز تلك المزاجية؛ إذ تطالعك "الفافيلات"، وهي العشوائيات، وأنت تحدق في العمارات الشاهقة البديعة، وتشمئز عيناك بما خلف الجبال "الكديات"، من دور فوضوي الشكل كثيرة العدد، وأنت تستمتع بما ينهض أمامك من مبان رائعة، ويقال لك، دون أن تستطيع تصديق ذلك، إن "جيدوكا" فاز لتوه بميدالية ذهبية في الأولمبياد، فإذا به يعود بكدمة في عينه من "كوباكابانا"، بعد أن سرق منه هاتفه، وتلقى ضربة في العين.

إنها بحق عاصمة المزاجية، في المناخ، وطبائع الناس، وعمرانها، وإفرازات المجتمع، بل وحتى في طبيعتها البحرية الجبلية، وبالتأكيد في سائقيها الذين يدهشونك باستمرار وهم "يطيرون" بمركباتهم كأنما هم أطفال وقد اكتشفوا لعبة للتو، مع أنهم بوجوه وديعة ومسالمة لا تتوقع منها تلك السرعة المرعبة التي قد تكون قاتلة لولا أن الناس هنا مع مزاجيتهم الخالصة يحترمون ممر الراحلين حد التقديس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاريوكا الكاريوكا



GMT 06:10 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

"أزيتي.. أزيتي"

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon