توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"الكاريوكا"

  مصر اليوم -

الكاريوكا

يونس الخراشي
يونس الخراشي

الطقس في "ريو دي جانيرو" مزاجي إلى أقصى حد؛ يلزمك دائما بأن تتأكد جيدا من طبيعته قبل أن تقرر ما سترتدي؛ فقد تكتشف أنه حار جدا دون مقدمات. وقد يفاجئك بأنه معتدل تماما، عكس ما كنت تتوقع، وقد يضطرك إلى ارتداء لباس الشتاء، للاحتماء من مطر بارد وأنت تستعد ليوم جميل. قبل أن نأتي إلى هنا قيل لنا حتى إننا اليوم لم نعد نذكر بالضبط من قال ذلك، فاضطررنا إلى استعمال الفعل المبني للمجهول، بأن "ريو" تعيش فصل الخريف، ويلزمكم أن تستعدوا للبرد جيدا. وحين وصلنا، وقد لبسنا ما يليق بالبرد، خنقنا حر "شرقي" منا من لم يعهد مثله من قبل.

ومع مرور الأيام، إذ كنا مثل المجانين نركض في كل اتجاه ببوصلة شمالها أولمبي بامتياز، اكتشفنا أن من أرشدنا، ونحن في الرباط، بخصوص الطقس، لعله ضغط بالخطأ على اسم بلد آخر في موقع "غوغل"، فنقل إلينا معلومات مغلوطة بـ"صنطيحة" تستحق ميدالية ذهبية من عيار ٢٤ قيراطا. الطقس هنا مثلما "شعب ريو" يشبه حصانا غير مروض، قد يركض فجأة وهو يقف هادئا كما لو أنه مرسوم في لوحة قديمة. وربما تسمَّر في مكانه بعد قفزة شيطانية ماردة؛ فترى البشر وديعين كوردة، ثم إذا هم ينطلقون في ضحكات هستيرية تملأ المكان صخبا، وقد يرقصون دون موسيقى، وكأنهم الموسيقى نفسها، أو كأنما موسيقى ما لاحت لهم خفية دون أن يسمعها غيرهم. وقد يفعلون هذا وذاك في آن واحد بشكل لا يفعله إلا "الكاريوكا". 

ولأنهما يشبهان بعضهما، أو لنقل إنهما توأم، فإن "الكاريوكا"، وهي تسمية أهالي ريو، منسجمون إلى أقصى حد مع طقس المدينة العملاقة، بل قل هما في تماه تام، حتى إنك لا ترى أي ضجر لسكان ريو من مناخها، بحيث يلبَسون ثيابا خفيفة جدا باستمرار؛ فيمشون الهوينى أو بالهرولة وقد تزيوا بقمصان خفيفة وسراويل قصيرة على الأغلب، ولا مشكلة لديهم إن كانت السماء تمطر أسياخ شمس حارقة أو زخات ماء منهمر. 

في كتابه "الأدب في البرازيل" يؤكد الدكتور شاكر مصطفى هذا المنحى، مشيرا إلى أن شخصية الإنسان البرازيلي ذات طابع خاص، ويقول عن "ريو" وأهلها بالتحديد "جوها الأوركيدي المجوني لا ينسجم مع تمثال المسيح المشرف عليها من عَلِ باعثا في النفوس الشجن... إنها في قرارة نفسها وثنية الروح، وثنية السلوك، وثنية الإسراف والمرح والاحتفالات... وبالرغم من شح المياه تارة، ومن فيضان المجاري تارة أخرى، ومن انقطاع الكهرباء ثالثة... فإنها آخر من يأبه لكل ذلك... ففي الجنة ليس ثمة من يسأل عن مثل هذه الأمور... لكنها تقبر في الأعماق مأساتها، وفقرها الزنجي، وتلهو عن مآسيها بأمجاد كرة القدم، وينتظر المعدمون من سنة إلى أخرى موسم الكرنفال".

هذه الشخصية المزاجية المحبوبة على كل حال، ويدل على ذلك أن "ريو" هي عاصمة السياحة العالمية، تظهر تقلبها المثير والجميل كل حين، حتى إن مظهر المدينة نفسه يبرز تلك المزاجية؛ إذ تطالعك "الفافيلات"، وهي العشوائيات، وأنت تحدق في العمارات الشاهقة البديعة، وتشمئز عيناك بما خلف الجبال "الكديات"، من دور فوضوي الشكل كثيرة العدد، وأنت تستمتع بما ينهض أمامك من مبان رائعة، ويقال لك، دون أن تستطيع تصديق ذلك، إن "جيدوكا" فاز لتوه بميدالية ذهبية في الأولمبياد، فإذا به يعود بكدمة في عينه من "كوباكابانا"، بعد أن سرق منه هاتفه، وتلقى ضربة في العين.

إنها بحق عاصمة المزاجية، في المناخ، وطبائع الناس، وعمرانها، وإفرازات المجتمع، بل وحتى في طبيعتها البحرية الجبلية، وبالتأكيد في سائقيها الذين يدهشونك باستمرار وهم "يطيرون" بمركباتهم كأنما هم أطفال وقد اكتشفوا لعبة للتو، مع أنهم بوجوه وديعة ومسالمة لا تتوقع منها تلك السرعة المرعبة التي قد تكون قاتلة لولا أن الناس هنا مع مزاجيتهم الخالصة يحترمون ممر الراحلين حد التقديس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاريوكا الكاريوكا



GMT 06:10 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

"أزيتي.. أزيتي"

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon