توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوميات روسيا..4

  مصر اليوم -

يوميات روسيا4

بقلم - يونس الخراشي

حاولنا منذ البداية أن نتأكد من جدية الأمر. لم يعد ليدا وقت نضيعه في مزيد من البحث. غير أننا سرعان ما اصطدمنا بجهل المساعدة، في وكالة الأسفار، باللغة الإنجليزية.

ابتسمت، وقالت لنا بلغة الإشارة إن علينا الانتظار لبعض الوقت حتى تفرغ صاحبة الشأن من خدمة سيدة عجوز كانت تستريح بكل جسدها على كرسي، في مكتب قريب منا.

وبينما نحن ننتظر، كنا نسترجع الأنفاس جراء يوم متعب جدا. لم نكن نمنا سوى ساعين أو أقل منذ ثلاثة أيام اقتضتها عملية الاستعداد للسفر، ثم الوصول، والبحث عن تذاكر سفر جديد. وكنا أيضا نحدق في الأشياء من حولنا. هذه وكالة أسفار عجيبة للغاية.

عبارة عن غرفة صغيرة جدا، من حوالي 5 أمتار متر مربع، وفي جوف فندق. هناك أشياء كثيرة معلقة على الجدران تشير إلى حضارات متنوعة.

وثلاث شابات يشتغلن مع بعضهن. فقط، لا غير. والكثير الكثير من الوثائق، بعضها فوق بعض.

في لحظة ما، اقتربت منا المسؤولة وسألتنا عن مرادنا، كي تدقق. وما أن شرحنا لها مجددا ما نريده، حتى وافقت بحرة من رأسها، وابتسامة. وهنا شعرنا بأن ثقلا أزيح من على ظهورنا.

ولو أننا تذكرنا شيئا مهما للغاية، وهو أننا قد نحتاج تحويلا آخر للعملة، وهذا ربما يتطلب وقتا طويلا، بما أننا لم نكن نتوفر على بطاقات بنكية تصلح للغرض.

لاحظنا أن المسؤولة الرئيسية على الوكالة تحدثت بلباقة كبيرة مع السيدة العجوز، وقدرنا أنها طلبت منها حق الانصراف لتهتم بنا. ثم أخذت مكان المساعدة على مكتبها، وراحت تدقق الطلب. قالت لي:"هل تريدون رحلات بثمن عال أم ثمن بخس؟".

كان الجواب واضحا في عينيها حتى قبل أن أجيبها. وسبقتني إليه بالفعل وهي تقول:"أظن أنكم تبحثون عن ثمن بخس". ثم ابتسمت، وهي تراني أكاد أضحك موافقا.

لم تكتف تلك الشابة البشوشة، في حدود الأربعين، بأن راحت تبحث لنا عن الثمن البخس لرحلتينا نحو كل من سان بتيرسبورغ وكالينينغراد، بل راحت أيضا تنهض، في كل مرة من مجلسها، لتدير الحاسوب كليا نحوي، وتريني الساعات الأفضل للسفر بالنسبة إلينا، وكذا الأثمان، وتبتسم. كان عملا تجاريا ممتازا. هناك صدق، ومصداقية، وكسب للزبون.
استمر الوضع كذلك حوالي ساعتين. مللنا ولم تمل الشابة المسؤولة. أما وقد صارت الحجوزات أمرا شبه محسوم، وشعرنا براحة تسري في الأجساد، ولو نسبيا، فقد انشغلنا بمتابعة مباراة روسيا والسعودية على شاشة الشابة الثالثة التي لم تنطق ولو بكلمة، بقدر ما ظلت تبتسم، وتشتغل.

كنت أسترق النظر من النافذة، بين الفينة والأخرى، فأجدني إزاء طقس جميل يحثني على المغادرة بسرعة كي أعيش اللحظة، وأكتشف المكان.

غير أن الحاجة إلى الصبر كانت ضرورية. فقد تطلب تأكيد الجز وقتا معتبرا. بل وقادنا إلى مفاجأة؛ فقد كان علينا بالفعل أن نحول المزيد من المال.

وهو ما بخر، نسبيا، حلم السفر، وجعلنا نشعر بخزي كبير لبعض الوقت.

قالت الشابة المسؤولة:"لا أملك لكم شيئا". ثم بعد لحظات من الصمت، تحركت كل عضلة في وجهها، ومسدت بيدها على شعرها، كما لو أن أمر سفرنا صار قضيتها الأولى والمصيرية. طلبت مني أن أتبعها.

ورحنا نعود أدراجنا إلى أسفل الفندق. كنت أكتشف أشياء أخرى مجددا. الطريق هذه المرة أكثر اختصارا.

 وهناك درج رائع وواسع، وبمقابض حديدية مصبوغة بأصفر مذهب، وتحت القدمين سجاد أحمر فريد، ومريح، تمنيت ساعتها لو نمت عليه، حتى أذهب ما بي من إرهاق.

مع الأسف. حين نزلنا إلى الأسفل، تبين بأن كل وكالات تحويل الأموال مغلقة. عرفت بذلك من تلك الحركة التي ندت عن الشابة المسؤولة.

 فقد أمسكت بشعرها، وضمت شفتيها بقوة إلى بعضهما. وظننت حينها أن كل شيء قد ضاع، وأن رحلة أخرى من البحث والتعب ما تزال في انتظارنا.

ثم إذا بها تقول لي مجددا:"إتبعني". وعدنا أدراجنا إلى المكتب، حيث وجدنا زملائي والشابتين الأخريين ينتظرون الخبر السعيد، الذي لم نأت لهم به.

هل تعلمون ما فعلت الشابة؟ لقد تكفلت شخصيا بمدنا بالمبلغ الطي ينقصنا كي نحصل على سبعة تذاكر لرحلتينا.

أي نعم، فعلت ذلك. ثم راحت تمر إلى العلمية الأخيرة، وهي عملية البعث في الحين بالروبل الروسي إلى المعنيين، عبر آلى خاصة، كي نحصل منهم على التأكيد النهائي، ونضمن حقنا في التذاكر.

كانت تلك العملية أشبه بحرب مع الآلة. وقفت الشابة ومساعدتها، التي اقتادنا بداية إلى الوكالة، جنبا إلى جنب. وراحتا تدفعان بالروبل في الآلة، وتنظران الرد الإيجابي.

 أما نحن، فكنا نفطر ساعتها، بعد أن بغلت الساعة التاسعة ليلا؛ أي بزائد ساعتين عن ماوقيت عمل الوكالة؛ ما يعني أن الشابات الثلاث زدن ساعات عن عملهن الاعتيادي كي يطمئنن على أننا سنسافر، ونعمل. يا سلام.

تعطلت الآلة للحظات. وتعطلت معها لغة الكلام للحظات أيضا. رحنا نسأل، ونحن نضحك، حتى نخفف الضغط الرهيب.

غير أن المسؤولة قالت لنا إن هذا يحدث أحيانا. أما وقد انتهى الأمر بلاسم، فقد كادت السيدة تبكي من شدة الفرح. كما لو أنها هي من سيسافر. أما زميلتاها فسررن بدورهن للنهاية السعيدة.

ماذا وقع بعدها؟ طلبت منا المسؤولة أن نعذرها على كل هذا التأخير الذي كنا ضحيته. مع أن الذي ضحى لم يكن سواها ومن معها في المكتب.

 وأمدتنا برقمها الهاتفي، لعل وعسى. ثم شكرناهن جميعا شكرا جزيلا جدا، والتقطنا صورة جماعية تؤرخ للحظة، وانصرفنا إلى حال سبيلنا. في رحلة جديدة، لا ندري إلى أين ستقودنا.

كان الهم الكبير قد انزاح من على ظهورنا. هناك تذاكر بأسمائنا إلى سان بتيسبورغ وكالينينغراد. والبقية تأتي. فمباراة المغرب وإيران في اليوم الموالي؛ الجمعة، الذي هو يوم عيد الفطر. هيا إذن نمضي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوميات روسيا4 يوميات روسيا4



GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 12:59 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 12:32 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الأبطال أمانة

GMT 12:33 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

إنه زمن الفنون

GMT 20:10 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الدرس الألماني

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon