بقلم : د. طارق الأدور
لم أتحدث مرة واحدة رياء عن أي جهة خارج مصر ولكنني اجد نفسي مبهورا بأداء قناة أبوظبي الرياضية خلال حفل قرعة كأس الأمم الأفريقية، تغطية إعلامية يمكن أن نعتبرها نموذجا لإستغلال الحدث من أجل فائدة الدولة المنظمة للحدث.
وللأسف لم تقم أي قناة محلية داخل مصر بتسليط الأضواء على مصر قلب الأمة العربية مثلما قامت قناة أبوظبي، ومذيعها العاشق لتراب مصر "يعقوب السعدى" فنالت إحترام كل المصريين، ومنحت إعلامنا درسا في فن الإعلام، وكيف يمكن إستغلاله الإستغلال الأمثل من أجل الوطن الذي هو أوسع وأرحب من مجرد لعبة أو رياضة تقام على ارض المحروسة.
وبداية يجب ان يعلم إعلام مصر ان حدث مثل قرعة كأس الأمم والذي إستضافه أبهى مسرح تاريخي ووجداني في العالم وهو سفح الأهرامات، لا يمكن أن تصب عليه الأضواء كحدث رياضي فقط من خلال التركيز على النقاط الفنية والكروية وموازين القوى المعتادة في مثل هذه الأحداث، بل يجب أن يتجاوز الأمر ذلك إلى التغلغل في ما يملكه الوطن من تراث حضاري وتاريخي لا يضارع، وما يملكه الشعب المصري من قدرة على التحدي والإبهار بما يملكه من موروثات ثقافية وإجتماعية تجعله يصنع المعجزات في الوقت المناسب.
قناة أبوظبي قررت التخلي عن أولويات التغطية في مثل هذه الأحداث لإعلامنا، وهي الإهتمام بالجوانب الفنية وموازين القوى الفنية والمميزات البشرية لكل منتخب والأبرز والأقوى في المنافسة على اللقب، لتتحول الى تقديم حفل كبير في حب مصر.
القدير يعقوب السعدى قرر ان يخرج من تلك البوتقة إلى الدخول في وجدان المصريين وحياتهم الإجتماعية ومشاعرعم وعاداتهم وتقاليدهم، بداية من العلاقة المصرية بطبق الفول والكشري والتنزه على كورنيش النيل أو شاطئ الأسكندرية بما تحمله ذكريات كل مواطن مصري بهذه الأماكن، والإنتقال إلى الأماكن التي تحمل عبق التاريخ مثل الأزهر والحسين والمقاهي في تلك الأماكن والتي إستضافت على مدى التاريخ كبار الكتاب والفنانين والمبدعين، ثم التحول إلى الحديث عن الحضارة المصرية القديمة وإرتباطها بآثارنا التي تبهر العالم بداية بالأهرام وأبو الهول التي إستضافت الحدث ويتمنى مشاهدتها أي مواطن في العالم، ومرورا بنهر النيل اطول أنهار العالم الذي تعتبر مصر هبته كما وصف المؤرخ هيرودوت مصر بها فى الفصل الخامس من الجزء الثانى من كتابه
السعدي إنتقل برشاقة بعدها إلى النهضة الحديثة على مستوى الإنشاءات والطرق وكانت النقلة الكبيرة من الأماكن الشعبية إلى الطراز المعماري الحدث بالعاصمة الإدارية الجديدة، ثم وهو الأهم عرضا لتطوير الملاعب المصرية لتواكب نظيرتها في أوروبا ومعدن الشعب المصري في التعامل مع التحديات لدولة تنظم بطولة بمشاركة 24 منتخبا لأول مرة وكيفية إعداد البنية التحتية كاملة في اقل من 5 شهور
إسمحوا لي أن أنقل بعضا مما قاله السعدي وفريق إعداده من المصريين: "من الهرم الأكبر في مشهد رائع..لقاء استثنائي بين مجد ومجد.. بين بطولة وتاريخ..ننشد إشراقة شمس تنساب كالمعجزات لتهبط على الكأس في لحظة ميلادها، أهلاً بكم على أرضكم.. كأس أفريقيا تستأذن حراس الحضارة كي تكون هنا."
كلمات تشعرك بقيمة وطنك في عيون الأشقاء برؤية قد لا يدركها من يعيشون على أرض الوطن وينعمون من خيره، وتخرج بهم من حالة إحباط وقتي نتيجة صعوبة الحياة، إلى آفاق جديدة من الأمل بغد أفضل. شكرا لمدرسة ابوظبي الإعلامية !!!