بقلم حسن المستكاوي
** فى الألعاب الأوليمبية إنجازات بشرية مذهلة منها ما سيبقى حيا لعقود مثل فوز مايكل فيلبس بخمس ذهبيات وفضية ليرتفع رصيده الأوليمبى إلى 28 ميدالية متفوقا على دول وربما قارات، وقد قالت عنه مانشيتات صحف أجنبية: «تور دى فورس».. على وزن «تور دى فرانس».
وشهدت الدورة أول سباحة أمريكية سمراء تفوز بذهبية كما اقتربت الفتاة الأمريكية سيمون بايلز التى اقتربت من العملاقة ناديا كومانشى. كذلك الظاهرة أوسان بولت الجامايكى ابن جزيرة السرعة الفائز بذهبية سباق 100 متر عدوا للمرة الثالثة على التوالى ليكون أول إنسان يحقق ذلك.. وهو ظاهرة فى بطء انطلاقه وسرعة إنهاء السباق، ففى العشرين مترا الأولى يظل متأخرا ثم يسبق الجميع فى الستين مترا الأخيرة، كما لو كان طائرة نفاثة عملاقة تحلق عند نهاية الممر.
** فى الألعاب ترى تلك الإنجازات البشرية.. وترى الجمال الحركى فى الجمباز، والفروسية فالبطل فارس وفرس. والدقة والبراعة فى الغطس والرماية والقوس والسهم وفى الأداء الجماعى بمختلف اللعبات .وترى أيضا مواقف إنسانية. فالعاطفة منحت سباحا تم استبعاده لخطأ فى البداية عاد وسمح له بالمشاركة لأنه بكى فضغط الجمهور من أجل عودته بالهتاف.. وفارسة أصيب جوادها فرفضت المشاركة من أجل الجواد. وبقدر ما رسمت على الوجوه ابتسامات انهمرت دموع الفشل والإحباط على سنوات مضت فى التدريب والحرمان.. ولكنها الرياضة.
** إن انتصارات فيلبس وبولت وغيرهما تعد أفضل شهادة للانتقاء.. وهو علم من علوم الرياضة، مازلنا نفتقده فى مصر والعالم العربى.. فالولايات المتحدة جمعت من عام 1896 وحتى لحظة كتابة هذه السطور 2477 ميدالية أوليمبية. بينما جمع العرب عن نفس الفترة 102 ميدالية.
** الانتقاء والتوجيه هو قمة العمل الرياضى المحترف السباق وله مراكز متخصصة فى الدول المتقدمة رياضيا، ويعمل بكل مركز أساتذة طب رياضى وأطباء تحاليل، وخبراء قياسات بدنية، ودكاترة كلية التربية الرياضية، لتقديم أحدث ما توصل إليه العلم والتقنية من مختبرات وعلوم رياضية، وصالات لياقة، ومركز طبى وعلاج فسيولوجى.
** الانتقاء والتوجيه يعنى ببساطة ودون التفاصيل اختيار المواهب وتوجيهها وفقا للدراسات الطبية والتحاليل التقليدية والجينات وعلوم الوراثة.. وإجراء قياسات مرتبطة بالسن والطول والوزن، والسرعة العضلية، وقدرات الإدراك السمعى والبصرى، والسيطرة النفسية، والسعة الحيوية وهذا بالإضافة إلى القياسات الطبية المختلفة.
** على سبيل المثال طول الساق يعنى أن الرياضى يصلح لرياضة العدو لمسافات متوسطة، بينما تكون الساق نصف الطويلة والجذع القصير صالحا للجرى لمسافات طويلة ومن نماذج ذلك العداء الأثيوبى هايلى جيبريلاسى فهو يملك المكونات البدنية بجانب التدريب الشاق، فكان يقطع مسافة مائتى كيلومتر عدوا فى الأسبوع لتنمية مهاراته.. وأما الرياضى الذى يتميز بطول القامة مع طول اليدين فإن ذلك يعنى أنه يصلح للرمى. وهكذا.
** فيلبس تكوينه الجسمانى يمنحه هذا التفوق فى السباحة، وكذلك أوسان بولت بطل العدو القصير. وكل أبطال العدو المتوسط والطويل لهم مواصفات واضحة تكشف معنى الانتقاء والتوجيه الذى لا تعرفه الرياضة المصرية، فكثير من أبطال مصر، على قلتهم، حققوا ميداليات وتفوقوا بالصدفة.. من السيد نصير بطل رفع الأثقال الذى كان حمالا لبالات القطن. إلى رشوان لاعب كرة السلة الذى أصبح بطلا فى الجودو، وحتى إيهاب عبدالرحمن ثانى العالم فى الرمح الذى لم يكن رياضيا فى الأصل..!