واحدة ولا حاجة يا دكتور».. والرأى العام يهيئ له ويخيل له ويصور له أن من يشارك يجب أن يفوز بميدالية
الفارق بين «الفضيحة الرياضية» وبين الميدالية فى مجتمعنا يبدو أحيانًا مثل رمية زهر فى مباراة طاولة
مجلس العموم البريطانى لم يشكل لجنة تقصى حقائق حول نتائج لندن كما تفعل لجنة الشباب والرياضة فى مجلس الشعب فى كل دورة تقريبًا
هذا هو التمثيل المشرف.. تأهل منتخب كرة القدم للمونديال لا يكفى.. والمهم كيف يلعب «ولا نلبس» عشرة أهداف فى مباراة؟
** قبل أن تقرأ:
** هذا تعقيب على مقال د. عبدالمنعم عمارة فى المصرى اليوم.. وهو شكل من أشكال الحوار الرياضى والموضوعى، والعلمى، والفنى. فأنا أقدر وأحترم الوزير السياسى، بقدر ما أحترم وأعتز بالحوار معه كاتبا له أسلوبه وأفكاره التى تستحق النقاش.. اختصارا: هذا حوار فى مجتمع بات لا يتحاور، فصنع جيلا يتساءل: يعنى إيه حوار؟!
** تحت عنوان: «فلسفة المستكاويزم والعبرة فى الدورات الأوليمبية» كتب د. عبدالمنعم عمارة تعقيبا على تعقيبى، على مقاله حول المشاركات المصرية فى الألعاب الأوليمبية.. وكنت أظن أننا بيننا اتفاق فى الموضوع، فهو يرى أن المشاركة فى الألعاب الأوليمبية مرتبطة بالنتائج فى أذهان الرأى العام وليس بمجرد المشاركة. وأنا أرى من زمن أن الرأى العام يهيئ له، ويخيل له، ويصور له، أحيانا أن من يشارك يجب أن يفوز بميدالية.. وأوضحت فى تعقيبى أن دورة لندن شارك بها أكثر من عشرة آلاف رياضى ورياضية وفاز 900 فقط بميداليات ولم يفز تسعة آلاف.
** العبرة زمان يا دكتور كانت فى سؤالك: تأهل أم نتائج؟ وأصبحت فى سؤالى: تمثيل مشرف أم ميداليات؟ فمن يشارك من المصريين فى دورة أوليمبية ولا يفوز بميدالية يصبح متهما، ومتسببا فى فضيحة، ويحاسب الوزير المسئول على ذلك، فتعقد لجنة الشباب والرياضة فى مجلس الشعب اجتماعا لمناقشة أسباب تردى نتائج البعثة الأوليمبية.. وأذكر أنه بعد دورة بكين 2008 شكلت لجنة تقصى حقائق، بسبب نتائج البعثة المصرية.. وحتى الآن لم تقل لنا اللجنة حقيقة واحدة توصلت إليها، لأن الحقيقة الوحيدة فى الموضوع أنه صدر أمر بتشكيل لجنة. إلا بالمناسبة أخبار التقرير إيه باللجنة.. أم أن الحقيقة انتقلت إلى الرفيق الأعلى؟!
** الفارق بيننا وبين العالم الآخر أنهم يملكون أدوات الفوز بميداليات، وأن من ضمن هذا الفارق، أن عدم فوز تسعة آلاف رياضى ورياضية بالذهب والفضة لم يدفع إعلام دولهم ولم يقل أحد فى بلادهم إنها فضيحة وكارثة، ولم تعقد لجنة الشباب والرياضة فى مجلس العموم البريطانى مثلا اجتماعا لمناقشة أسباب عدم فوز 300 رياضى بميداليات!
** يقول د. عمارة إن مقاله كان سياسيا يدور حول تأثر الرأى العام المصرى ببعثة طويلة عريضة تسافر ولا تعود بالتمثيل المشرف أو النتائج التى يتحدث عنها وكيف تتحول مصر إلى مناحة.. وتعقيبى يا دكتور كان سياسيا وليس فنيا فقط، إذ يدهشنى أن الرأى العام بتأثير الإعلام وبعض الاتحادات، يتوقع ميداليات أوليمبية، بالوعد، وبالأمنية، وبالحلم، دون إدراك للمستويات العالمية، ودون فهم لمعنى المشاركة فى تلك الدورات، ولا ما هو التمثيل المشرف كما سألنى د. عمارة.. والإجابة كانت واضحة فى تعقيبى، حيث قلت: «إذ يجب أن يعى الإعلام، وأن يدرك من له فى الرياضة ومن ليس له فى الرياضة أن المركز الرابع مثلا فى سباق 1500 متر سباحة حرة بالدورة الأوليمبية يعد إنجازا بشريا، وليس خيبة، كما يظن بعض الخائبين.. وأزيد بأن التأهل إلى نهائيات (ب) فى السباحة يعد إنجازا رياضيا. وقد فصلت هنا بين الإنجاز البشرى وبين الإنجاز الرياضى.. ولعل الفارق يكون واضحا؟».
** كانت إجابتى دقيقة وواضحة على سؤال التمثيل المشرف، فقلت أيضا: «إذن هناك أرقام ومستويات، ومن الضرورى أن يحللها من يتعرض للنقد الفنى للنتائج، فكيف تنتقد نتيجة، بينما من ينتقد لا يعرف المستويات ولا الأرقام ولا معنى هذا التحدى الأزلى بين الإنسان وبين المسافة والزمن والثقل..؟
واضفت: «من يهزم قبل أن يلعب، ومن يكتفى بالسفر إلى الألعاب الأوليمبية، ومن يهزم دون مقاومة، ومن يحتل مراكز متأخرة لا تعبر عن المستويات يستحق أن يحاسب من قبل الإعلام والكتاب، وحتى أقلام السياسة والاقتصاد».
** إذن التمثيل المشرف أن تتأهل رانيا علوانى للنهائى (ب). وأن يحرز أى رياضى مصرى مركز من المراكز الثمانية الأولى، فى أى مسابقة. وأن يلعب ويواجه الرياضى منافسه بكفاح وشرف ونضال.. وأن يدرك الجميع أن هناك لعبات تؤثر فيها قرعة المواجهات، فيكون لاعبا مرشحا لمركز متقدم أو ميدالية فيواجه ببطل عالم ويخرج.. ثم علينا أن نتابع أبطال دول وجزر صغيرة يحققون ميداليات، مثل جامايكا، وكوبا وكينيا، وكيف أن منهم من يتدرب خارج بلاده، ومنهم من يمارس لعبات منتقاة تخضع لقانون انتقاء المواهب كما العدو فى كينيا وإثيوبيا، فهل لاحظتم أن ابطال السباحة المصريين المتأهلين إلى ريو دى جانيرو يتدربون فى أمريكا..؟
** بالطبع شاركت مصر فى دورات أوليمبية وعادت بخفى حنين، لا وكمان بدون خفى حنين.. وكانت النتائج مخزية. ومخجلة. لأن الأداء كان سلبيا، لكن كم كان مؤسفا أن يحاسب رياضى لأنه لم يفز بميدالية.. والقضية أولا وأخيرا ليست مجرد التأهل، ورأيى الذى رددته كثيرا بأن التأهل لنهائيات كأس العالم لكرة القدم على سبيل المثال ليس كافيا، فالمهم كيف نلعب فى المونديال، و«لا نلبس» عشرة أهداف فى مباراة.
** فى تعقيبى على مقال د. عبدالمنعم عمارة قلت إن سؤاله يعبر عن إشكالية رياضية مصرية قديمة، والواقع أن المجتمع بات يطالب بميداليات قبل المشاركة، وأن المجتمع بتأثير الإعلام لا يعرف حدود التمثيل المشرف، فرابع الدورة «عمل لنا فضيحة».. والثالث «عمل لنا الهرم».. والفارق بين الفضيحة الرياضية وبين الهرم كبناء، مذهل فى الإنسانية وفى التاريخ والجغرافيا والعلوم، لكنه فى مجتمعنا يبدو فارقا صنعته رمية زهر فى مباراة طاولة.
** لقد تأهل لدورة ريو دى جانيرو 86 أو 87 رياضيا ورياضية، فى مختلف اللعبات، ولا توجد ميداليات مضمونة مائة فى المائة، وربما بالأرقام أمامنا احتمال الفوز بأربع أو خمس ميداليات فى رمى الرمح، والمطرقة، والرماية، والتايكواندو.. لكن هناك وجهة نظر سياسية فى البعثة هذه المرة، وهى أن تكون كبيرة فى طابور العرض، وأن يكون زيها مصمما بأحسن صورة عند مصمم عالمى، وأن تكون مصر حاضرة بقوة فى هذا الطابور الذى يعد استعراضا حضاريا وثقافيا وسياسيا أيضا فى سياق أكبر حركة سلام عرفتها البشرية.
** يبقى أن د. عمارة يقول : «رأى حسن أن رأيى خطأ. ياريت قال يحتمل الصواب».. وبالطبع لم أقل إن رأيك خطأ ولكنى قلت بالنص: «إلا أن صيغة السؤال الذى طرحه د. عمارة خطأ.. والصحيح: فى الدورة الأوليمبية.. التمثيل المشرف أم الميداليات ؟! ».. فالصيغة التى تعبر عن ردود فعل الرأى العام هى التى عرضتها.. ويقول د. عمارة أيضا: «أبو على مبيهزرش وخدنى واحدة على الماشى».. وطبعا مقدرش، ولا يمكن، يا دكتور، فلا واحدة ولا حاجة!