توقيت القاهرة المحلي 10:37:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن «فوضى» وأخواتها: هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري

  مصر اليوم -

عن «فوضى» وأخواتها هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري

بقلم : ندى حطيط

لم يكتفِ الإسرائيليون باستضافةِ فرق التصوير لأعمال الدراما الأمريكيّة مستفيدين من تنوع البيئات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل هم اندمجوا في المنظومة الهوليوودية ضمن عمليات التأليف والتصوير والإخراج والمونتاج جميعها، فتعلموا «الصنعة» وأصبحوا الآن قادرين على إنتاج أعمال دراميّة إسرائيليّة مؤثرة، ذات تقنيات متقدمة، لا تقل أبداً عن مستوى الأعمال التي تقدمها هوليوود نفسها.

يعلم الإسرائيليون تماماً خطورة أدوات تشكيل الرأي العام، وهم بنوا عبر السنوات خبرات متقدمة في صناعة البروباغاندا والسيطرة على العقول، وهم لذلك تنبهوا قبل غيرهم إلى الدّور الخطير الذي يمكن أن تلعبه شبكات بث الأعمال التلفزيونية والسينمائية عبر الإنترنت مثل( نيتفليكس) (وإتش بي أو) وغيرهما في الوصول إلى أعداد غير مسبوقة من المشاهدين عبر الكوكب وتغيير كيفية تلقيهم لهذه الأعمال، وهم بدأوا في نسج علاقات عمل وثيقة مع الشبكات، فكانت البداية من الدراما السيكولوجيّة «تحت العلاج» التي بثتها (إتش بي أو)، ثم دراما الجاسوسيّة «سجناء الحرب» التي تحولت على (شوتايم) إلى منافس للمسلسل الأمريكي «هوملاند» الشديد الشعبيّة والذي كان يعرض على قنوات أخرى. لكن الاختراق الأهم كان مؤخراً للشبكة الأهم – نيتفليكس – من خلال مسلسلين عن عمل المؤسسات الأمنيّة الإسرائيليّة: الموساد – من خلال مسلسل «موساد 101» – والشين بيت من خلال مسلسل «فوضى».

لأول مرةٍ في عيونِ العبران تنبتُ مشاعر للفلسطينيين

«نيتفليكس» قررت شراء حقوق الموسم الأول لمسلسل «فوضى» وصنفته تحت الأعمال الأصليّة التي تنتجها نيتفليكس بنفسها (وهي أعمال تتسم عادة بنجاح واسع و قبول عريض من المشاهدين كما كان الحال في مسلسل «بيت من ورق» الأمريكي المعروف مثلاً)، وهي ستتولى إنتاج الموسم الثاني الذي يتم تصويره الآن في الأراضي العربيّة المحتلة بنفسها، مما يعني التزاماً كاملاً بإنجاح المسلسل على مستوى عالمي.

لا شك أن الإسرائيليين يتمتعون بعلاقات فوق العادة مع المؤسسة الهوليووديّة بكافة قطاعاتها وهذا ممكن دائماً توظيفه لعرض وجهة النظر الإسرائيليّة دون صعوبات تذكر، لكن هذا الاختراق لمنصة التوزيع الأهم في الكوكب من خلال مسلسل «فوضى» بالذات يبدو أكثر من مجرد نجاح علاقات عامة فعالة. فالمسلسل الذي يحكي بطولات فرق المستعربين سيئة الذّكر التي تعيث فساداً في الأراضي العربيّة المحتلّة يقدّم معالجة لامعة مختلفة ومتميّزة سواء على مستوى الدراما أو على مستوى التقنيات، على نحو يؤهلها في واقع الأمر لتشاهد عالميّاً.

المسلسل حاز شعبيّة هائلة عند عرضه في الدّاخل الإسرائيلي عام 2015 وفاز حينها بست من جوائز «أوفير» التي هي بمثابة أوسكار محلي في (إسرائيل)، بل ولاحظت المؤسسة الأمنيّة الإسرائيلية – التي تراقب استعمال قنوات التواصل الاجتماعي من قبل الفلسطينيين بدقة – اهتماما استثنائيا بمتابعة المسلسل ومناقشة ما يطرحه من أحداث وقضايا في الأوساط العربيّة. ومع ذلك فإن المنتج يبدو في هيكليته موجهاً أكثر لاستهلاك المشاهد الأجنبي في السوق الأمريكيّة أولاً والسوق العالمي ثانياً. فلأول مرّة على الإطلاق في تاريخ الدراما الإسرائيليّة يتم تقديم الشخصيات العربيّة على نحوٍ متوازن نسبياً من ناحيّة الوقت على الشاشة وأيضاً لناحية مدى تعقد الشخصيات الدراميّة وهكذا ولأول مرة على شاشة عبرية يظهر (الإرهابيون) الفلسطينيون بشراً لهم مشاعر ومخاوف وعائلات وغراميّات.

لكن بالطبع فإن هذه العدالة الشكليّة في توزيع الثقل الدرامي بين الجانبين لا تعني مطلقاً أن المسلسل يسعى لتقديم صورة متوازنة عن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فالقصّة في النهاية وكما هو متوقع دائماً ما هي إلاّ صراع بين الخير «الإسرائيلي» والشر «الفلسطيني»، بين الأبطال العبران والمخربين العرب أي ذات الثنائيّة المقيتة للأبيض – أسود التي تُسهل للمستهلك المُجَهَّل تلقي الأفكار مستلقياً على أريكته دون إعمال العقل ولو لثوانٍ. وتنتهي بالتأكيد بانتصار(حتمي) للمؤسسة الأمنية الإسرائيليّة مكرساً حالة الاطمئنان بين الجمهور العبري ومهدئاً أعصاب مناصري «الخير» اللطفاء حول العالم.

فوضى عرض واقعي

المسلسل الذي أخرجه أساف برينستاين كان من بنات أفكار شخصيتين إسرائيليتين لهما باع طويل في متابعة بل والانخراط في صميم عمل فرق المستعربين داخل الأراضي العربيّة المحتلة. أولهما ليور راز – وهو ضابط سابق في فرق المستعربين خدم عدة سنوات في الأراضي العربيّة المحتلّة وقد لعب أيضاً دور البطل الإسرائيلي في المسلسل ، وثانيهما آفي إسخاروف – الصحافي المتخصص في الشؤون الفلسطينية ومراسل صحيفة «هآرتس» من الأراضي العربيّة المحتلة لعدة سنوات – وهو معروف بقربه الشديد من شبكات الأمن والاستخبارات الإسرائيلية العاملة هناك ويقال إنه الصحافي الذي نشر قصة مصعب حسن يوسف ابن قائد حماس الذي تبين أنه كان طوال الوقت جاسوساً لإسرائيل.

لذا فكاتبا العمل يعلمان بالتأكيد أكثر من غيرهما دواخل العمل المعقد للجهد الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين وليس عبثاً أن علقت إحدى الصحف الإسرائيليّة العبريّة على النص الافتتاحي – الذي يعرض في بداية كل حلقة من توجيه المشاهدين إلى «ان هذا عمل درامي خيالي وأن الأحداث والشخصيات فيه لا تمت للواقع بصلة»- بأنه أقرب للسخريّة، إذ يعلم المتلقي أن ما يشاهده يحمل كل جذور الحقيقة وأنه جزء لا يتجزأ من العمل اليومي للمؤسسة الإسرائيليّة في الأراضي العربيّة المحتلة، بل إن كلمة «فوضى» نفسها مأخوذة من كلمة رمزيّة كانت معتمدة عند المستعربين للتواصل في ما بينهم عندما ينكشف أمرهم ويصبح سحبهم ضرورياً من الموقع أو الدّخول في مواجهة مسلحة. بل ويعتقد أن أحد مصادر الإلهام للعمل كانت شخصية الفلسطيني إبراهيم حامد الذي أتهم بتدمير مقتل عدة عشرات من الإسرائيليين بداية العقد الماضي وطارده المستعربون عدة سنوات قبل اعتقاله في 2006، وهو كان طوال فترة مطاردته على اتصال بزوجته وأرسل لها دائماً رسائل غراميّة مما يتطابق كثيراً مع شخصية أبو أحمد – النمر – البطل الفلسطيني للعمل، والذي يركّز الموسم الأول على أحداث مطاردته.

نقل جبهة الهجوم الثقافي إلى الفضاء السيبري

من المعروف أن الصهاينة استخدموا تقنية التخفي والاندماج في التجمعات العربيّة حتى منذ ما قبل قيام الدولة العبريّة رسميّاً عام 1948، لكن الشكل الحالي لقوات المستعربين تكرّس منذ منتصف التسعينات كأداة الهيمنة الأمنيّة الأهم للأجهزة الإسرائيليّة على الفلسطينيين. تتكون هذه القوات من متطوعين هم كوادر في قوات النخبة الإسرائيليّة يتقمصون شخصيات عربيّة وتصنع الاستخبارات لهم سير حياة ملفقة وأسماء عربيّة ويتقنون الحديث باللهجات المحليّة وحتى ثقافة الشارع وطريقة التصرف وأيضاً طريقة ارتداء الملابس وتسريحات الشعر وينتهون بمثابة خلايا نائمة لمراقبة الأمور والتصرف حين تستدعي الأمور.

المسلسل الذي جاء موسمه الأول في 12 حلقة، تم تصوير معظمه في قرية كفر قاسم الفلسطينيّة التي شهدت فيما مضى مذبحة بشعة بحق السكان الفلسطينيين الأصليين.

كل الشخصيات الفلسطينيّة في المسلسل لعبها ممثلون فلسطينيون (ولذا فمعظم الحوارات هي بالعربيّة أكثر من العبريّة وترجمتها نيتفليكس إلى الإنكليزيّة كتابة). كان تصوير المسلسل عام 2014 أثناء عدوان إسرائيلي على غزّة وقتها. سارعت الطواقم الأمريكيّة التي كانت تصور هناك أعمالاً دراميّة أخرى للمغادرة خوفاً من ردود أفعال سكان كفر قاسم.

لكن فريق «فوضى» بقي، بل وتحدث إسخاروف لاحقاً عن حسن ضيافة استثنائي من قبل السكان المحليين. هذا يلّخص عندي كيف نجح الإسرائيليون في العمل الدؤوب الممنهج من الهيمنة الفكريّة على قطاعات واسعة من سكان الأراضي المحتلة، وهم الآن بنقلهم جبهة هجومهم الثقافي إلى الفضاء السيبري ربما سينجحون في مدّ هذه الهيمنة على نطاقات أوسع بكثير.

نقلا عن القدس العربي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «فوضى» وأخواتها هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري عن «فوضى» وأخواتها هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري



GMT 15:32 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تحديات تحولات الكتابة للطفل في العصر الرقمي

GMT 15:22 2023 الأربعاء ,23 آب / أغسطس

سأغتال القصيد

GMT 11:37 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

البشر تصبح كالخرفان في مجتمعاتنا التي يحرّم فيها التفكر

GMT 12:46 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 12:57 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 16:19 2023 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

فلسطين بين رمضان والفصح المجيد

GMT 12:09 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon