توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التدين المصري اللذيذ!

  مصر اليوم -

التدين المصري اللذيذ

أ. محمد رفعت

المصريون شعب متدين بالفطرة، ولكن الدين عند المصريين ينفصل تماماً عن السلوك وعن العمل، ويختلط ببدع وعادات وأعراف وطقوس منها ما له علاقة بالدين، وما له علاقة بالرغبة المصرية القديمة والعريقة في التباهي والتفاخر، وتحويل ما هو روحي إلى ما هو مظهري ودنيوي وأحياناً سلطوي.. وقد حضرت مؤخراً مناقشة حامية بين مجموعة من أقربائي يتبارى فيها كل واحد منهم بحصر عدد "العمرات – جمع عمرة" التي قام بها للأراضى المقدسة.. وأحدهم قام بـ 27 عُمرة، والثاني بعشرين، وأقلهم قام بعشرة عمرات فقط.. وحين ذكرت لهم الكلام المعتاد عن أفضلية توجيه نقود العمرة المقبلة لعمل الخير أو مساعدة محتاج أو التبرع لمستشفى، هبوا فيّ جميعاً، واتهمونى بأنني عميل للسلطة ومن الأبواق التي تردد هذا الكلام الفارغ وتريد أن تحرم الناس من زيارة الأماكن المقدسة، لتوفير العملة الصعبة، حتى يتمكنوا فيما بعد من سرقتها وتحويلها إلى البنوك السويسرية.

ولأننى ليس لى حساب في أي بنك سويسري، ولا أعرف أحداً في السلطة ، فقد دافعت بشدة عن موقفي، واضطررت تحت الإحساس بالظلم والاستفزاز أن أواجههم بأشياء أخرى، لم أكن أنوي الخوض فيها من أجل اعتبارات القرابة.. لكن البادي أظلم.. ولأننى عشت سنوات في السعودية، اختزنت فيها الكثير من الصور الكاريكاتيرية عن سلوكيات المصريين في الأراضي المقدسة، فقد أحببت أن أطلعهم على بعض ما رأيت من مواقف تدخل في نطاق المضحكات المبكيات..

وحكيت لهم أننى تدخلت ذات مرة لفض خناقة بين معتمرين مصريين أمام الحرم بسبب "بطانية" مورا إسبانى، أصر الأول أن "ينكت" المملكة مدينة مدينة وشارع شارع حتى يعثر عليها، وأراد الثانى إقناعه بأن البطانيات الكوري، خصوصاً التسعة كيلو أفضل وأرخص.. لكن هيهات..وسألت أقربائي المعتمرين المتنافسين عن السر في إصرارنا كمصريين على اصطحاب "البطانيات" من السعودية، رغم شهرتنا العالمية بصناعة الغزل والنسيج، ثم تذكرت أن "الألحفة" الماليزي والكوري والصيني المحشوة بالإسفنج هي الموضة في السنوات الأخيرة فبلعت لسانى وسكت قليلاً، لأعاود الهجوم بنفس المنطق، وهو هذا الهوس المصري بشراء ملابس وبطاطين وفساتين وسبح وطواقي شبيكة وسجاجيد صلاة، وأحياناً مكانس وكاميرات فيديو وموبايلات.

وقل ما تشاء عما يحمله المعتمر خلال عودته من الأراضي المقدسة لأهله وأصدقائه ولنفسه بالطبع، لدرجة أن الأمر تحول عند البعض إلى تجارة، وبعد بوار المنطقة الحرة في بورسعيد، أصبح البعض يتسوق بضائعه في موسم العمرة.. وحتى يكون كلامى مقنعاً ذكرت لهم أسماء يعرفونها جيداً لجيران ومعارف لنا يسافرون سنوياً لهذا الغرض، للتجارة وليس لأداء الفريضة وكان هذا هو مربط الفرس، الجهل يا عزيزي، والتدين المصرى اللذيذ، فأنا أعرف بعض الناس يؤدون العمرة كل سنة ولا يصلون ورأيت بنفسي آخرين يتبادلون الأحاديث التافهة وهم يسعون بين الصفا والمروة، وكثير منهم لا يعرف مغزى المناسك، أو لماذا يفعل ذلك؟ ولماذا يقول ذاك؟ وما هي الحكمة الدينية من أداء تلك الطقوس؟

أما حجة التدين بالفطرة والإيمان الذي هو في القلب، والنوايا التي هي أفضل من العلم، فلا محل لها من الإعراب في عصر الراديو والتليفزيون ودروس المساجد وأشرطة الكاسيت، التي تشرح لمن يهتم أو يريد أن يكون متديناً حقيقياً، أو يعرف أبسط وأهم قواعد أداء مناسك الحج أو العمرة، لكن الحقيقة غير ذلك، وليست هناك إحصاءات دقيقة أو دراسات مفصلة عن نسبة من يولون وجههم شطر المسجد الحرام بالفعل وينوون أداء فريضة الله، ولا يريدون التجارة أو التظاهر أو التقليد، أو شراء الهدايا، أو إنفاق بعض المال، أو "الفسحة"، لكنهم بالتأكيد نسبة ليست قليلة، وهؤلاء يجب أن يتحدث إليهم أحد، وأن يقول لهم إن العبرة ليست بعدد "العمرات"، ولكن بما يتقبل الله منها!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التدين المصري اللذيذ التدين المصري اللذيذ



GMT 15:32 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تحديات تحولات الكتابة للطفل في العصر الرقمي

GMT 15:22 2023 الأربعاء ,23 آب / أغسطس

سأغتال القصيد

GMT 11:37 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

البشر تصبح كالخرفان في مجتمعاتنا التي يحرّم فيها التفكر

GMT 12:46 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 12:57 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 16:19 2023 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

فلسطين بين رمضان والفصح المجيد

GMT 12:09 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon