توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اليوم ننعى إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا

  مصر اليوم -

اليوم ننعى إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا

بقلم : الحبيب عكي

اليوم ننعى إليكم لغتنا العربية الجميلة يا تلاميذ فعزونا، بهذا الخبر بدأ الأستاذ حصته الأولى في علوم الحياة والأرض في الصف الأول الإعدادي، من الآن فصاعدًا غير مسموح لنا أن نتحدث وندرس بالعربية لغتنا القومية الجميلة، من هذه السنة وعلى غير المعتاد سنكف عن تدريس كل المواد العلمية من رياضيات وفيزياء وعلوم الحياة والأرض والتكنولوجيا والإعلاميات بالعربية، وسندرسها فقط بالفرنسية، لغة الآخرين، اندهش التلاميذ وهم يتساءلون عن حيثيات الخبر القرار ويقولون ولكن العربية سهلة وجميلة يا أستاذ، والفرنسية صعبة ومعقدة ولا نحسن نطقها ولا كتابتها، نعم نحن نفهم جيدًا بالعربية ونتحدث بها أفضل، اليوم ننعى إليكم لغتنا العربية الجميلة يا تلاميذ فعزونا،أجاب الأستاذ بعد سلسلة من تساؤلات التلاميذ، ولكن في الحقيقة ربما أنتم ألفتم فقط لهجتكم المحلية ولا تحبون الحديث بالعربية؟، قال التلاميذ بالعكس، وربما ستفهمون جيدًا بالفرنسية؟، وربما آباؤكم اشتكوا من العربية إلى المؤسسة وطالبوا بـ"فرنستها"؟، وربما المؤسسة أصبحت خصوصية لبعثة ما "مُفرنسة" ولم تعد عمومية معربة؟، وربما بعض المفتشين التربويين؟، وربما بعض الأحزاب والنقابات؟، وطوال أسئلة الأستاذ كان التلاميذ يجيبون صادقين  لا، لا، بالعكس، بالعكس. وأردف الأستاذ يضيف أو ربما أصبحنا ملحقة من ملاحق فرنسا وإن لم نكن على أرضها، وربما فقط عقدنا معها شراكة وتوأمة سنستفيد منها ماديًا لتغطية بعض مصاريف تعليمنا الباهظ، وإن كانت كل تكاليف تعليمنا والحمد لله على البلد المقاوم المسكين، ولكن بعض المسؤولين يأبون إلا تقديم خدمات مجانية لماما فرنسا دون جزاء ولا شكور.
اليوم ننعى إليكم لغتنا العربية الجميلة يا تلاميذ فعزونا، لا تذهبوا بعيدا يا أبنائي الأعزاء، فكل ما في الأمر إذن هو أن السيد المدير قد قرر، لأن السيد النائب قد قرر، لأن السيد الأكاديمي قد قرر، لأن السيد الوزير قد قرر، و أمر وأرغد وأرعد و أزبد، لأن المجلس الأعلى وقيامًا بدوره الاستشاري قد قرر، وإن لم يأمر فقد أشار، لأن التقارير الدولية قد قررت وضمنيًا ربما قد أمرت، وإن كانت تنفي على الدوام التدخل في الشأن الداخلي لأي بلد، ولا أدل على ذلك من أن كل بلدان العالم تدرس بلغاتها القومية وإن كانت "بيزنطية"، ولهذا ربما لا ينبغي الإكثار من لأن ولأن ولأن، فقط لأن ما لا نعرف من التماسيح وما لا نرى من العفاريت هي التي قررت وصممت عن قصد وإصرار على إهانة لغتنا العربية الجميلة في عقر دارها وبين أهلها، فأرادت باسم الانفتاح وتعلم لغة الآخرين وغيرها من المسميات استبدال تأثيث مستقبل أجيالنا بلغة فرنسية ترتب عالميًا في الرتبة 7 وراء لغتنا العربية التي تتقدمها في الرتبة 5.

اليوم ننعى إليكم لغتنا العربية الجميلة يا تلاميذ فعزونا، فالمهم يبقى الرأي حرًا والقرار ملزمًا، ولا خيار لنا جميعًا إلا أن نجرب وإن كان الأمر لم يعد في إطار التجريب، بل تعداه إلى إطار الإلزام والتعميم على كل المواد العلمية وعلى كل المؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية وعلى كل الخيارات وروافد الباكالوريا الدولية وغير الدولية، بل حتى المسالك الإنجليزية والشرق أسيوية، ولكن السادة المسؤولون ربما قد رأوا في "الفرنسة" الحل السحري لإصلاح التعليم وتحقيق مصلحة التلميذ والانطلاق من مبدأ المبادئ التربوية الأصيلة بيئة التلميذ ومستواه ولغته الوطنية الهوية والمرجعية والكونية، ربما أدركوا كل هذا فقالو فقط جربوا ثم احكموا، وكأننا لم نجرب شيئا قبل 30 سنة مضت، أو كأنهم قد قيموا العربية تقييمًا موضوعيًا فخلصوا إلى ضرورة إعادة التجريب و"الفرنسة" فقالوا من جديد جربوها وسترون أن الأمر مفيد وممتع، جربوا وسترون أن الأمر مبدع ومجدد، مغامرة وليست مقامرة، جربوا وعلى الأقل يبقى لنا ولكم شرف التجربة والمغامرة.

اليوم ننعى إليكم لغتنا العربية الجميلة يا تلاميذ فعزونا، اليوم أحبتي التلاميذ إذا قيل لكم جربوا فجربوا، وقد قيل لنا الكلام فلنجرب فلنجرب، اليوم والآن، وبدأ الأستاذ مقدمة درسه يعلن فيها بعض الأهداف العامة والمفاهيم البسيطة، فلا سؤال ولا جواب ولا مشاركة ولا معرفة الكتابة، قال الأستاذ: "ما بكم يا تلاميذ أليس فيكم جاك الصغير أوجاكلين، أليس فيكم ميشال أوميشلانة، لا تقولوا هذا فنحن الأساتذة أيضًا لم تندرب على الموضوع، ولكن كما ترون نتحدث فرنسي وعرنسي على كل حال"، ورغم تشجيع الأستاذ وتبسيطه للأمر فلا زال الصمت الرهيب هو السائد في الفصل ولا سؤال ولا جواب ولا مشاركة ولا معرفة الكتابة، ولا شيء غير تمتمة الأستاذ المسكين إذ يقول:"كنت أقول كل هذا في نفسي، ولكن أعمال العابثين غير منزهة عن العبث".
اليوم ننعي إليكم لغتنا العربية الجميلة يا تلاميذ فعزونا، ويبقى الإشكال والمعضلة اللغوية مطرحة وبشكل حاد على مؤسستنا التعليمية إلى درجة أن التلميذ قد يحصل على شهادة البكالوريا بعد ما لا يقل عن 18 أو 20 سنة دراسة، ولا يتقن مع الأسف أي لغة بما فيها اللغة العربية، لذا لا ينبغي بحال من الأحوال دعم اللغة الأجنبية على حساب اللغة الوطنية، بقدر ما ينبغي إعادة النظر في تنظيم تعلم اللغات عامة وتركها على قدم المساواة، إن لم يكن تفضيل اللغة الإنجليزية، لغة البحث العالمي والتواصل العالمي وغيرها من اللغات الحية ولغات المستقبل للسوق الأفريقي والشرق الأسيوي والنمور والتنانين الصاعدة، ودعم كل هذا عبر تكثيف دروس التعبير والتواصل وأنشطة القراءة والكتابة والأندية التربوية، وأكثر من ذلك ربط تعلم اللغة، أي لغة، بالمشروع الخاص، فوحده ما يجعل الطلبة يتعلمون لغة أي بلد في ستة أشهر،لا لشيء إلا لأن بلدها يحمل مستقبل دراساتهم الجامعية وربما حياتهم المهنية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليوم ننعى إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا اليوم ننعى إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا



GMT 20:54 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

بين الريسوني وبنكيران من يكسب الرهان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon