توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حقيقة الكذب (2)

  مصر اليوم -

حقيقة الكذب 2

آن الصافي

صوته هلامي، ونبرته باهتة المعالم، بأنفاس متقطعة تحدث، 
-    ياصديقي، ما جدوى أن أنخرط في مجتمع يفضل القشور الزائفة على الجواهر النقية!
-    هل إنسحابك عن الحياة العامة، سيجلب لك السعادة؟
-    كلهم يستغلوني، يستفيدون مني وينسحبوا بعدها  في صمت، بعد أن يحققوا مطامعهم. آه سؤالك عن السعادة، ما هي السعادة ياصديقي؟
-    أن تكون راضياً عن نفسك، وعن علاقاتك مع من حولك، بشكل يبث الأمان في تفاصيل حياتك.
-    حظي عاثر. ومن حولي لا يفهموني، كلهم كائنات محدودة التفكير.  لن أضيع وقتي معهم!
-    حسب علمي أنهم يحترمونك، الأصدقاء والزملاء وأفراد أسرتك أيضاً، يعتبرونك مكان ثقة لهم أجمعين. أرى تأثيرك في من حولك يتحقق بشكل طيب. لا يوجد سبب لإنعزالك.
-    يا صديقي، أنت تجاملني فيما تقول. أعلم جيداً بأني أعني لا شيء لكل من حولي. أسبب عادة الشقاء لكل من يقترب مني. إنني ألوم نفسي على كل المصائب، التي لحقت بهولاء الأبرياء، الذين تعاملوا معي ككائن طبيعي مثلهم. لقد تعرضت زوجتي للمرض بسبب عدم فهمي لها وسوء تصرفاتي التي طالما أزعجتها، لذا هجرتني وإنفصلت عني. كما تعرض صغاري للبؤس بسبب محدودية دخلي، وحالياً  يتجنبوني لكثرة إنتقاداتي لسلوكياتهم، وأصبحت أمثل لهم مصدر إزعاج، شخص يأمر وينهي ولا يساند. وذات يوم تعرض صديقي للإفلاس، لأنه وقف معي في محنتي، حين لم يكن لدي عمل، لمدة عامين متواليين. هناك أمثلة عدة لمن تسببت لهم في آلام ومشقة يصعب حصرهم!
-    لم هذه النظرة القاتمة لذاتك؟ أسمع، أنت من تعقد حياتك بنفسك. من منا لا يخطئ ولا يمر بظروف سيئة، هناك دائما فرصة جيدة للتواصل وإصلاح الأمور. عزيزي هناك دائماً بدايات جديدة، وإلا لتوقفت الحياة منذ نقطة البداية. أتمناك أن تنظر للحياة بصورة أفضل، فقط لا تنزوي في صمت، أرى بوادر الإكتئاب تلفك.
-    نعم أنا مكتئب جداً، وغارق في سوداوية، كما تقول لي أنت، الحقيقة يا صديقي هذا الواقع الوحيد الذي أعرفه.  عدا ذلك أجد الوهم والسذاجة، تملأ الفضاء وعقول البشر. ياصديقي أشعر بالإثم، وأكاد أرى العقاب السماوي،لما سببته من شقاء لغيري، يجلدني في كل لحظة بمصيبة جديدة. 
-    هل لجأت إلى طبيب؟
-    تعني طبيب نفسي أو عقلي؟ لا.. بالطبع لا! أعلم دائي وأعلم دوائي. لا تنسى مجرد لجوئي لطبيب نفسي سيمنحني لقب المجنون. ستكون وصمة عار أمام زملائي وصغاري، وقد أفقد وظيفتي، عدا أن هذا النوع من الاستشارة والعلاج، يكلف مبالغ طائلة، لا طاقة لي بها. لا تشغل نفسك بي. أعلم دوائي في الخمر والإنعزال...
-    وجلد الذات؟! لا لا هذه كلها مشكلات وليست حلول. 
-    علي أن أنهي المكالمة. أشعر بدوار وصداع، ربما من الأرق الذي يسكن ليالي وأيامي دون هوادة.
-    إن لم ترغب في تواصلي معك عبر الهاتف أو مقابلتك، أرجو أن تطمئنني عليك، ولو برسالة نصية مقتضبة من حين لآخر.

أنهى الحديث الهاتفي. أغلق عينيه لبرهة، فتحهما والتفت قائلاً للنادل وهو يضع كأس مشروب أمامه ، 
-    هل كنت تتنصت لحديثي مع هذا الرجل؟ لقد موهته بالحديث..
 ضحِك بملء شدقيه ، وأكمل..
-    إنه عميل لجهة ما ! مثلك تماماً!
(إنتهى)
ملاحظة: هذه القصة القصيرة، حوارية ابتكرت لهذا المقال.
عزيزي القارئ، الحوار في القصة السابقة، هل يذكرك بشخص معين، لديه كل أو بعض ردود الأفعال و الأفكار والآراء للبطل المتحدث بصوت هلامي ونبرة باهتة؟ 
إن كانت إجابتك ب(لا) فأنت في بيئة مثالية، آمل أن تستمر بذات السلام. إن كانت إجابتك بنعم  فأنت أمام شخصية تعاني من أمراض نفسية، تستدعي العلاج أكثر من الشفقة، ويرجح إصابتها مثلاً، بالأمراض التالية:
•    جنون الارتياب/البارانويا  (Paranoia) 
الميزات الأساسية: الخوف من حصول شيء سيىء،الظن أن المسئولية تقع على الاخرين،الاعتقاد والإيمان المبالغ فيه بأوهام في ذهنه فقط وغير مبنية على أسس واقعية.
البارانويا حالة نفسيّة مرضيّة يملك المصاب بها جهازاً إعتقادي  معقّداً وتفصيلياً يتمركز حول أوهام لا أرضيّة واقعية لها . هذه الأوهام تقنعه بأنه مضّطهد من قبل الآخرين. فنجد تفكيره مفعم بالأوهام، وتتزايد  اعتقاداته هذه مع الوقت. يصبح إعتقاده هذا مع الأيام منظّماً للغاية إلى درجة يبدو معها منطقيا ومقنعا. الخطورة التي ينطوي عليها هذا الإضطراب النفسي تكمن في أن المصاب به، يبدو طبيعيّا أثناء الحديث وفي تصرفاته وسلوكه، إلى درجة لاتثير لدى اللآخرين إيّة رغبة لمواجهة المريض، وإحالته إلى الجهات المعنيّة بعلاجه . 
قد تتشكّل لدى المريض قناعة مطلقة، بأنّه شخص مميز وبأنّ الآخرين يسعون لإيذائه، والحطّ من قدره.ويدافع عن قناعته هذه حتى عندما تواجهه بكلّ البراهين، التي تثبت عدم صحّة تلك القناعة . عدم الثقة بالآخرين يدفع المريض لتركيز كلّ حواسه على تصرفات الناس من حوله، وتفسير كل حركة لهم بطريقة تخدم قناعاته. يبني من الحبة الصغيرة جبلا كبيرا، كأن يدّعي عندما يرى ىشخصا مقرباً منه، قد إبتعد لمشاغل أحاطت به، تفسيره المريض يكون أنّ هذا الشخص يتعمد البعد عنه، ولا يرغب في صحبته، وقد يذهب أبعد من ذلك فيدّعي أنه يود أذيته، وربما يخطط لقتله. هذه الأوهام التي يعيشها المصاب بالبارانويا، تجعل منه شخصا شكّاكا عنيدا غاضبا عدوانيّا وناقما، على الآخرين .تؤكّد معظم الدراسات في الطبّ النفسي وعلم النفس، على أن العوامل التي تلعب دورا في الإمراضيّة هي عوامل نفسيّة واجتماعية، تتعلق بنشأة المريض والطريقة التي تربّى عليها والظروف التي عاش بها، أكثر مما هي أسباب بيولوجيّة تتعلق بجسده من الناحيّة التشريحيّة والكيمائيّة والوظيفيّة . 
جدير بالذكر، هناك عدة أنواع للبارانويا منها ما يسمى الهذاء السوداوي: يعتقد المريض في هذه الحالة أن مصائب الناس والكوارث البيئية والحروب، كلها حدثت بسببه، أي أنه يشعر بالذنب والإثم، لذا يرى أنه يستحق أي عقاب ينزل به.
•    الاكتئاب 
وهو مرض نفسي، يتمثل في حالة من الشعور بالقلق والحزن والتشاؤم والذنب، مع انعدام وجود هدف للحياة مما يجعل الفرد يفتقد الواقع، ووجود هدف للحياة.
الكآبة أو الاكتئاب النفسي هو أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً. وهو يصنف ضمن الاضطرابات النفسية التي تتسم بخلل في المزاج. وأهم ما يميز الاكتئاب هو الانخفاض التدريجي؛ أو الحاد والمتسارع أحياناً؛ في المزاج والنفور من الأنشطة. يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على أفكارالشخص، و سلوكه، و مشاعره، ونظرته إلى العالم والرفاهية المادية. قد يشعر المعانون من الكآبة بالحزن، والقلق، والفراغ، وانعدام الأمل والقيمة، وقلة الحيلة، والشعور بالذنب، وتعكرالمزاج، والألم المعنوي، والاضطراب. فقد يفقدون الاهتمام بنشاطات كانت محببة لهم. قد يعانون أيضا من فقدان الشهية أوالإفراط في الأكل. لديهم مشاكل في التركيز و تذكر التفاصيل ؛تشويش؛ واتخاذ القرارات، و قد يقدموا على محاولة الانتحار أو التفكير فيه أيضًا.
تزخر الشبكة العنكبوتية والمكتبات بالعديد من الكتب والمراجع والأبحاث، لنهل المزيد من المعلومات عن الأمراض النفسية والعقلية. أدرجنا هنا نموذجين بإقتضاب قد نستطيع من خلالها الكشف عن نفسية البطل في القصة القصيرة أول المقال. من حواره، نلمس أبعاد  تستحق الدراسة والتحليل. يحسب للكاتب أن يكون ملماً بثقافة مجتمع نصوصه، سابراً لأغوار نفسية وعقلية شخوصه. ففي القصة المدرجة، ربما هذا البطل يستحق الشفقة، أكثر من السخط من قبل القارئ؛ وينتظر تفاصيل أعمق عنه، متتبعاً لدوره وسلوكياته عبر النص والتي يجب أن تأتي بشكل مقبول، علمياً/طبياً. 
عزيزي القارئ، إن سنحت لك الفرصة لإعادة صياغة هذه القصة القصيرة، كيف تتمنى أن يكون تعامل الشخصيات المحيطة مع البطل؟! ماهي النتائج التي ستتأتى؟
الكتابة السردية، فن ومهارة تستدعي مخزون جيد من المعلومات في شتى المجالات، حتى يكون النص أمام القارئ الواعي صادقاً ومقنعاً، فيستحق جهده من القراءة والتحليل والإستيعاب. 
أستحضر في هذه اللحظة صورة الموسيقار اليوناني (ياني)، أمام فرقته الموسيقية، وهو يعزف البيانو، وتجانس عزف فرقته خلفه، كأنها تحتفي بجوهر أنامله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقيقة الكذب 2 حقيقة الكذب 2



GMT 11:37 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

البشر تصبح كالخرفان في مجتمعاتنا التي يحرّم فيها التفكر

GMT 12:46 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 12:57 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 11:30 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم في العصر الجاهلية

GMT 04:18 2023 الإثنين ,06 آذار/ مارس

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon