شهدت مصر العديد من التحولات السياسية و الاقتصادية المحلية، فضلا عن تغير بيئة النظام الاقتصادي الدولي و تغير مراكز القوي العالمية، وهو ما اقتضي تغيراً في التوجهات، واعادة مركزة العلاقات الاقتصادية بما يتناسب مع هذه المعطيات، مما انعكس في تغير الهيكل الجغرافي لتجارة مصر الخارجية.
ومن ثم فان البعد الاقتصادي لزيارة السيد الرئيس لكل من كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية كان واضحا، وعكست هذه الجولة مدي حرص القيادة السياسية على دعم الدبلوماسية الاقتصادية، و تعزيز العلاقات الثنائية في مجال التعاون الاقتصادي.
فبالنسبة لليابان تتسم استثماراتها في مصر بالمحدودية ولا تتجاوز نحو 1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي بقيمة 257 مليون دولار، من خلال حوالي 60 شركة . وذلك على الرغم من نجاح مصر في استعادة النشاط الاقتصادي والدفع بالمؤشرات القومية وهو ما أسفر عن ارتفاع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 6.4 مليار دولار بنسبة 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2014-2015 مقارنة بنحو 4.1 مليار دولار بما يمثل 1.4% خلال العام المالي السابق.
وبالنسبة لنمط توزيع الاستثمارات فهي تتركز في القطاع الصناعى باستثمارات تقدر 128 مليون دولار بإجمالي 18شركة، يليه قطاع الخدمات باجمالى 39 مليون دولار من قبل 22 شركة، على حين يحتل القطاع التمويلي المرتبة الثالثة باستثمارات تقدر 33 مليون دولار وحوالى 3 شركات ، ثم القطاع الانشائى باستثمارات تقدر 14 مليون دولار و 8 شركات مؤسسة، ويأتى القطاع الزراعى فى المرتبة الخامسة باستثمارات 10 ملايين دولار و4 شركات، كما ان هناك 7 شركات يابانية الجنسية شاركت في انشاء التفريعة الجديدة لقناة السويس. على حين تتضاءل الاهمية النسبية لكل من قطاعى السياحة و تكنولوجيا المعلومات .
ومن ثم فانه مازال هناك فرصا للمناورة مستقبلا، من خلال عدة مجالات للتعاون مع اليابان خاصة في مجالات البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحظي باهتمام القيادة السياسية سواء على المستوى التمويلي أوعلى المستوي التنظيمي والرقابي ، بجانب الاهتمام بتنمية التعاون الفنى بين الجانبين، و تعزيز بناء الطاقات البشرية من خلال برامج التدريب والتأهيل.
وبالنظر الى الهيكل السلعي للتجارة مع اليابان تتمثل الصادرات المصرية في الغاز الطبيعي المسال والمنتجات البترولية والقطن والسجاد وأغطية الأرضيات والنباتات والخضر والملابس ومنتجات غذائية ونباتات طبية وعطرية وسيراميك، وهي ما تعد مجالات واعدة، الا أن التوسع فيها يتطلب العمل على تعزيز المزايا التنافسية. بينما تمثلت أهم بنود الواردات المصرية من السوق اليابانية في السيارات والجرارات والمراجل والآلآت والأجهزة الكهربائية والبلاستيك ومصنوعاته والكيماويات العضوية، بما يمثل نحو 9% من حجم الوارادات السلعية لعام 2015 ويدعم فائض الميزان التجاري في صالح اليابان.
وبالنسبة لدولة كازاخستان، فان التوجه اليها حاليا يتفق مع طبيعة التحديات التنموية التي تواجهها مصر في المرحلة الراهنة والتي يأتي على رأسها تحقيق أمن الطاقة حيث تعد كازاخستان من أهم الدول النفطية، بالإضافة إلى القدرات النووية المستخدمة بالمجال السلمى. وتمتلك أيضاً مستودعات من العديد من المنتجات التعدينية الأخرى المستخدمة في إنتاج الطاقة.كما يصب التعاون الثنائي مع كازاخستان في خدمة الأمن الغذائي وتنويع مصادره والاستيراد من الدول الأقل سعراً حيث تعتبر كازاخستان أحد أكبر منتجي و مصدري الحبوب في العالم ، وتلائم التربة و المناخ إنتاج العديد من السلع التي منها القمح و الشعير و الأرز و الذرة مما يساعد في سد الفجوة الغذائية في مصر.
كما تتشابه ملامح النموذج التنموي المصري حاليا مع مراحل التنمية في كازاخستان من حيث تبني استراتيجيات تنموية طويلة الاجل "كازاخستان2050"اعتماداً على تطوير آليات السوق الحر، و الاندماج في مسار التجارة العالمي و النفاذ إلى السواق السلع والخدمات العالمية، فضلا عن انشاء عاصمة ادارية جديدة حديثة، كما كانت كازاخستان الأولى من بين بلدان رابطة الدول المستقلة في اعتماد إستراتيجية تطوير " الاقتصاد الأخضر".
على صعيد اخر تفرض التوجهات الدولية نحو احياء طريق الحرير البحري ضرورة التعاون الدولي و التنسيق المشترك بين مصر وكازاخستان، التي تحتل موقعا جغرافيا فريدا فى ملتقى طرق حركة التجارة والنقل على مسار طريق الحرير الأوروآسيوي، بالتالي فقد بادرت بالاستثمار في البنية التحتية فى قطاع الطرق البرية، وانتهت من إنشاء أربعة ممرات نقل دولية تربط بين الصين وأوروبا، أهمها طريق «تراسيكا» الذى يربط بين آسيا والقوقاز وأوروبا، مما يؤهلها لان تكون لاعبا هاما في حركة التجارة العالمية . ومن ثم تعد المشروعات المرتقبة في اطار محور تنمية قناة السويس من المجالات الواعدة للتعاون حيث تترقب كازاخستان إقامة مناطق خاصة لها بمنطقة التجارة واللوجيستى بمشروع تنمية محور قناة السويس .
كما يتطلب تحقيق الاهداف التنموية الاستفادة من الخبرات الدولية خاصة التجربة الكورية التي نجحت في أن تصبح دولة صناعية تحتل المركز الثالث على مستوي آسيا ، والعاشر على مستوى العالم، فضلا عن ارتفاع ترتيبها في العديد من المؤشرات الدولية.
كما تحتل كوريا الجنوبية وزنا نسبيا هاما في هيكل التجارة الخارجية لمصر، حيث تمثل الصادرات السلعية نحو 15% على حين تبلغ الواردات السلعية 10% مما يعني ان الميزان التجارى لصالح مصر. كما شهدت الاستثمارات الكورية في مصر تجاهًا تصاعديًا منذ عام 2013، حيث ارتفعت بنسبة 64٪ في عام 2015 ، كما توفر الاستثمارات الكورية دعما للعديد من الصناعات في مصر منها الإلكترونية، والمنسوجات، والصناعات البتروكيماوية.مما ساهم في توفير المنتجات للسوق المحلى فضلا عن دعم قطاع التصدير. كما كان الحضور الكوري قويا في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، من خلال التركيز على قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة والصناعات الهندسية والإلكترونية.