أصدر البنك الدولى مؤخرا تقرير «فيندكس 2018» الذى يتضمن أهم المؤشرات العالمية المقارنة عن مدى إتاحة الخدمات المالية وتحقيق الشمول المالى للأفراد. ويتعرض التقرير لسلوكيات الادخار ومدى توافر حسابات بمؤسسات مالية واستخدام وسائل الدفع الإلكترونى إضافة إلى وسائل تحويل الأموال وذلك فى 140 دولة.
وتشير الأرقام إلى أن المتوسط العالمى لنسبة من لديهم حساب بمؤسسة مالية أو حساب نقدى على الهاتف المحمول، أو الاثنين معا، يبلغ فى الدول ذات الاقتصادات الناشئة نحو 48% من السكان. أما فى مصر فإن النسبة تهبط إلى نحو 32% من المصريين، وتشهد تفاوتا بين الذكور والإناث حيث تتدنى حصص النساء بصورة لافتة. ويأتى ذلك رغم مبادرات الحكومة والبنك المركزى والهيئة العامة للرقابة المالية فى مصر لتشجيع إتاحة الخدمات المالية، ونشر آلات الصرف الآلى، وإتاحة صرف المرتبات ومعاشات التقاعد من خلال حسابات البنوك وهيئة البريد. وقد أسفرت تلك الجهود فى السنوات الأخيرة عن الوصول للنسبة المشار إليها عام 2017 مقارنة بنحو 10% فقط عام 2011.
وتشير التجارب العالمية ولاسيما فى عدة دول بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وفى مقدمتها كينيا والبرازيل والمكسيك أن تبنى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطبيقات الرقمية يساعد على تيسير نشر الخدمات المالية وتخفيض تكلفة تقديمها، بما يعزز من الشمول المالى فى الدولة. فهذا التزاوج بين الخدمات المالية والتكنولوجيا أو ما يعرف بالتقنية المالية (FinTech) أحدث طفرة عالمية فى تقديم المنتجات المالية المصرفية والتأمينية والاستثمارية والتمويلية. وأسفر عن زيادة استفادة شرائح أكبر من الأفراد من خدمات المؤسسات المالية بما تتيحه التقنية المالية من سهولة الوصول إلى الخدمة فى جميع أنحاء البلاد ومن انخفاض نسبى فى التكلفة إضافة إلى إتاحتها على مدار اليوم كله، وهو ما لا يتوافر من خلال قنوات التوزيع التقليدية من فروع ومقرات شركات، كما تتيح تلك الآليات المستحدثة كذلك خصوصية لمستخدمها وطريقة آمنة للتعامل المالى غير النقدى.
وأكدت مجموعة العشرين (G20) هذا التوجه فى خطتها للشمول المالى الصادرة عام 2017، التى يعد من أهم محاورها الإسراع بتطوير الابتكارات التكنولوجية والرقمية. وهى موجهة فى الأساس لزيادة استفادة شرائح المجتمع الأقل حصولا على الخدمات المالية ومن ضمنها الفقراء والنساء والشباب وكبار السن إضافة إلى القاطنين بالمناطق الريفية النائية.
ومن كل ما سبق يتبين أن الاهتمام بالتقنية المالية فى مصر لم يعد رفاهية، وهى الآن صناعة قائمة بذاتها برقم أعمال يقدر عالميا بمليارات الدولارات، ومن جانب آخر فإنها أصبحت تمثل تهديدا لا يستهان به للكثير من جهات تقديم الخدمات المالية من خلال نماذج أعمال تقليدية.
ولعلنا ننتهز فرصة تأسيس مجلس قومى للمدفوعات برئاسة السيد رئيس الجمهورية، إضافة إلى حماسة جهات الإشراف على المصارف والخدمات المالية غير المصرفية فى التأكيد على أهمية تحقيق طفرة بمصر فى مجال نظم تكنولوجى المدفوعات وتحويل الأموال من خلال الهاتف المحمول.
كما لا يفوتنا التذكير بضرورة تعظيم الاستفادة من المبادرة العالمية للشمول المالى التى أطلقها البنك الدولى بالاشتراك مع الاتحاد الدولى للاتصالات منذ نحو عام، والتى أعلن أنها سترتكز على ثلاث دول نموذجية من بينها مصر. وتلك المبادرة التى ستستمر لمدة 3 سنوات، ستعمل على تطوير وتطويع نظم الدفع الإلكترونية لنشر الخدمات المالية. واستند اختيار مصر وفقا للإعلان على أنها تتمتع بالتشريعات والقرارات التنظيمية المناسبة للأسواق إضافة إلى بنية تحتية مالية وتكنولوجية ملائمة.
ويحسب لمصر الجهد المبذول فى مجال الخدمات المالية غير المصرفية والذى أثمر عن صدور أول قانون لتنظيم التمويل متناهى الصغر وتلاه استحداث صيغة التأمين متناهى الصغر لأول مرة وإطلاق منظومة إصدار وتوزيع وثائق التأمين إلكترونيا، وكذا موافقة مجلس النواب مؤخرا على قانون جديد للتأجير التمويلى والتخصيم يتضمن استحداث التأجير التمويلى متناهى الصغر والذى ينتظر إصداره من قبل السيد رئيس الجمهورية.
كما تتوجب الإشادة بما أصدره البنك المركزى المصرى خلال العامين الماضيين من قواعد منظمة لتقديم خدمات الدفع باستخدام الهاتف المحمول، بما ييسر الإصدار والتوزيع الإلكترونى لوثائق التأمين ويتيح للجمعيات والمؤسسات الأهلية المرخص لها بمزاولة نشاط التمويل متناهى الصغر، التعامل من خلال تلك الآلية مع عملائها فى تحويل قيمة القرض أو تلقى أقساط السداد منهم بصورة دورية. وهو ما يوفر من مشقة الانتقال ويساعدهم على الانتظام فى السداد إضافة إلى أنه يمثل سجلا إلكترونيا لإثبات السداد يعد أكثر أمنا من الإيصالات الورقية التى يتم الاعتماد عليها حاليا.
وعالميا أخذت جهات الإشراف على البنوك والأنشطة المالية فى الكثير من الدول على عاتقها دراسة التطورات السابق الإشارة إليها ومدى تأثيرها فى الأسواق وآليات تنظيمها تشريعيا والرقابة عليها بما يحقق الحماية للمتعاملين ويحد من مخاطرها من خلال وضع ضوابط التأمين اللازمة لبياناتها للحفاظ على خصوصية المتعاملين بها. وتعمل تلك الجهات على مواجهة إمكان استخدام تلك التطبيقات لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتبحث هيئات الضرائب أفضل الطرق لتقنين كيفية التعامل الضريبى مع تلك المعاملات ولاسيما أن بعضها عابر للحدود.
نقلاً عن الأهرام الاقتصادي
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع