بقلم - ماجد عثمان
لا شك أن الزيادة السكانية ضرورة للحفاظ على الجنس البشرى ومن ثم بقاء الأوطان وذلك باعتبار أن التراجع الحاد فى أعداد السكان يؤدى بالضرورة إلى تراجع القوة البشرية التى تدافع عن الدولة التى تعمر الأرض. والزيادة السكانية فى أى مجتمع هى ضرورة لإحلال الوفيات التى تحدث سنويا ولتجديد شباب هذا المجتمع وبقائه، ومن ثم يصبح السؤال الملح: ما معدل الزيادة السكانية المناسبة؟ الإجابة البديهية هى أن تتساوى أعداد المواليد والوفيات وبالتالى يظل عدد السكان ثابتا، ولكن إذا فاق عدد المواليد عدد الوفيات فما تأثير هذه الزيادة فى مستقبل الوطن؟
للإجابة عن هذا السؤال نقول: إن الزيادة السكانية تؤدى إلى تقدم الأمم إذا واكبها تغير فى خصائص السكان بحيث يصبح الفرد أعلى إنتاجية وأكثر إبداعا ومن ثم يُشكل قيمة مضافة إلى الرصيد الحضارى والعلمى والتقنى للمجتمع، ومن ثم يتحرك المجتمع إلى نوعية حياة أفضل ودرجة أعلى من الرفاهة. ويجب أن يتناسب حجم الزيادة السكانية مع حجم الموارد الطبيعية المتاحة والقدرة على زيادتها دون إضرار بالبيئة واستنزاف للموارد الطبيعية ولاسيما المياه والأرض الزراعية ومصادر الطاقة، وإذا لم يتحقق هذا التوازن يجور جيل على الأجيال القادمة ويحرمها من التمتع بأساسيات الحياة.
يضاف إلى ذلك أن الزيادة السكانية التى لا تقابلها قدرة على توفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة بجودة عالية تتسم بالشمول والإنصاف، وقدرة على توفير سكن لائق وبنية أساسية من طرق وكهرباء ومياه وصرف صحى يحكم على القادمين الجدد بحياة بائسة تضيف إلى المجتمع بشرا ليس لديهم ما يقدمونه وليس لديهم ما يخسرونه، يتحولون بسهولة إلى فريسة يتنافس عليها دعاة الفكر المتطرف وزعماء العصابات الإجرامية.
كما أن الزيادة السكانية تؤدى إلى خفض درجة الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية مثل السلع الغذائية ومصادر الطاقة وبالتالى إلى تزايد الاعتماد على الخارج، الأمر الذى يحد بلا شك من استقلال القرار الوطنى فى عالم لا يتحقق البقاء فيه إلا للأقوى.
لا شك أن أى عاقل يعرف أن عدد سكان مصر يزيد سنويا بأكثر من 2 مليون نسمة لا بد أن ينظر بقلق للمستقبل، وهذا القلق مبعثه تأثير هذه الزيادة فى كل من: الموارد الطبيعية – العبء على الخدمات الأساسية والبنية الأساسية – الاستقرار السياسى والأمن الإنسانى. وهناك العديد من الأرقام والمؤشرات التى تبرر هذا القلق ولكن يكفى أن نشير إلى أن حصة مصر من مياه نهر النيل ثابتة منذ الخمسينيات عندما كان عدد سكان مصر 20 مليون نسمة، والآن وقد شارفنا على المائة مليون نسمة، فإن أقصى أحلامنا - فى ضوء تحديات تشييد سد النهضة – ألا تتراجع هذه الحصة. وتزداد الصورة قتامة فى ضوء تزايد متوقع للطلب على السلع الزراعية نتيجة للزيادة السكانية فى الوقت الذى تقل فيه الموارد المائية وتتآكل فيه الأرض الزراعية نتيجة للبناء عليها وهو ما يرفع فاتورة الواردات من السلع الغذائية ولاسيما القمح والفول والزيوت ويكبل الموازنة العامة بمزيد من القيود فى توجيه مزيد من الموارد لرفع كفاءة الخدمات الأساسية لأعداد متزايدة من السكان.
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنه بداية من عام 2006 اتجه عدد المواليد السنوى للزيادة التدريجية من مليون و850 ألف مولود ليصل عام 2012 إلى 2 مليون و600 ألف نسمة، وهى زيادة نسبية أظنها لم تتكرر كثيرا فى التاريخ البشرى فى مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة. وبالتالى أصبح الفارق بين أعداد المواليد وأعداد الوفيات نحو 2 مليون نسمة سنويا.
ولعله من الأهمية بمكان أن نشير إلى انعكاسات الزيادة السكانية على التعليم ولاسيما أن مصر مقبلة على مشروع عملاق لإصلاح التعليم ربما هو الأول أو الوحيد خلال العقود الماضية سواء من حيث الطموح أو من حيث حجم التغيير الذى من المتوقع أن يُحدثه. وهنا نشير إلى أن الدولة أضافت خلال السنوات الخمس الماضية نحو 16 ألف فصل إلى فصول المدارس الابتدائية الحكومية بتكلفة لا تقل عن 4 مليارات جنيه، وهى زيادة من المفترض أن تحد من مشكلة ارتفاع كثافة الفصول التى تؤدى بلا شك إلى تردى جودة التعليم، ولكن هذا الإنفاق الهائل لم يلاحق الزيادة السكانية التى أدت إلى زيادة تلاميذ المرحلة الابتدائية من 9.8 مليون تلميذ إلى 11.6 مليون تلميذ، أى إن عدد الفصول فى المرحلة الابتدائية زاد فى السنوات الخمس الأخيرة بنحو 7%، أما عدد التلاميذ فزاد بنحو 18%. والمحصلة زيادة متوسط كثافة الفصول فى التعليم الابتدائى من 43.3 تلميذ عام 2012/2013 إلى 47.5 تلميذ عام 2017/2018. وهو ما يشكل عبئا إضافيا على عملية إصلاح التعليم التى نتوق جميعا إلى نجاحها.
فى ضوء ما سبق، وإذا كنا صادقين فى الانشغال بالمستقبل وبالتفكير فى كيفية بنائه وفى التعامل مع تحدياته، يجب أن تصبح ضبط الزيادة السكانية على قمة الأولويات حتى يكون هناك أمل فى مستقبل أفضل لأبنائنا وأحفادنا.
نقلاً عن الأهرام الاقتصادي
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع