بقلم : هاني أبو الفتوح
ما زالت نار الأسعار تكوي الجباه وكأنها حديد من صهر يصب فوق رأس المواطن المصري تذيقه عذاب لا ينقطع، فأصبح يعيش أسوأ كابوس بفعل جنون الأسعار واللهث وراء توفير ضروريات الحياة في مواجهة أمواج التضخم العاتية التي تضرب مصر بلا رحمة.
أعلن البنك المركزي المصري عن تراجع التضخم السنوي الأساس يإلى 33.26 % في سبتمبر من 34.86% في أغسطس السابق له، وتراجع معدل التضخم الأساسي الشهري ليصل إلى 0.19% في سبتمبر 2017، مقابل 0.31% في أغسطس السابق له.
على الرغم من انخفاض معدل التضخم، إلا أن هذا المعدل ما زال مرتفعًا، وبغض النظر عما إذا كانت الأسباب ترجع إلى تداعيات تعويم العملة ورفع الحكومة لأسعار بعض السلع والخدمات في إطار إجراءات إصلاحات قاسية، يعاني المواطن تحت وطأة ارتفاع الأسعار المصحوب بجشع بعض رجال الأعمال والتجار والحرفيين وأصحاب المهن الحرة الذين انتهز بعضهم الفرصة لكي يفرضوا أسعار جديدة بادعاء تأثير ارتفاع سعر الدولار والعملات الأجنبية، على الرغم من ثبات سعر الدولار في البنوك وانخفاض سعر الدولار الجمركي إلى 16 جنيهًا.
من المعلوم أن مصر تستورد أكثر من 60% من احتياجاتها من المواد الغذائية وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، إلى ارتفاع أسعارالسلع الغذائية العالمية في شهر سبتمبر مع استمرار هذا الارتفاع لعدة أشهر على التوالي، لذلك يرجع سبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مصر إلى ارتفاع الأسعار العالمية، حيث بلغ هذا الارتفاع نحو 10% على مدار عام.
للأسف الشديد استغل بعض المستوردين وكبار التجار الجشعين زيادة الأسعار العالمية والتحجج بارتفاع سعر العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري لكي يرفعوا الأسعار بشكل كبير وبدون ضوابط لكي يحققوا مكاسب خرافية دون اعتبار لمعاناة المواطن في الحصول على احتياجاته من السلع بأسعار معقولة.
من الناحية العملية، لا تستطيع الحكومة فرض سيطرتها والرقابة على الأسعار إلا في حدود ضيقة وباستخدام آليات غير محكمة يصعب تنفيذها في شتى محافظات مصر بشكل منتظم. لذلك أرى أنه يمكن للحكومة أن تضع تسعيرة استرشاديه للسلع كحل مؤقت مع بذل مجهود أكبر في ضبط السواق، وأحبذ أن تتقدم الحكومة إلى مجلس النواب بمشروع قانون للتسعير الجبري، وخصوصًا أنه كان لدينا القانون رقم 163 لسنة 1950 بشأن شؤون التسعير الجبري وتحديد الأرباح، ولا علم لي هل هذا القانون ما زال ساريًا أم تم تعديله أو إلغاؤه، وبالبحث على شبكة الإنترنت اكتشفت أن قانون التسعير الجبري وحماية المستهلك قد أصدر في عدة دول مثل قطر سورية.
تعتبر الممارسات الاحتكارية من أسباب ارتفاع الأسعار والإضرار بالسوق فهل يساهم القانون رقم (3) لسنة 2005 الخاص بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في ضبط السوق؟ أتمنى ذلك خصوصًا بعد أن تم تعديل القانون بموجب قرار من الرئيس عبدالفتاح السيسي في يوليو 2014، بأن تكون العقوبات بفرض غرامات نسبية بدلًا من فرض غرامة ثابتة على من قام بممارسة احتكارية.
وفي الختام، أود أن أشير إلى أن اللجوء فقط إلى إلقاء كامل العبء على الدولة لم يعد حلًا وحيدًا لحماية مصالح المواطنين من غول الأسعار، فمؤسسات المجتمع المدني ودور المواطن أصبح قوة إضافية للضغط على التجار الجشعين من أجل الالتزام بالأسعار العادلة ومنع الاحتكار.