أنّ أحكام الإفلاس كانت دائما مصدرا للتقييم السلبي لمصر في مؤشرات أداء الأعمال الدولية، واليوم ينتهي ذلك من خلال مشروع القانون الذي بذلت فيه الحكومة جهودا صادقة وجادة. أن أي نظام اقتصادي ذو كفاءة يتميز بأمرين، الأول سهولة الدخول إلى السوق وتوفير الضمانات وسهولة الخروج من السوق،
ولتحقيق الأهداف التي يرمي إليها نظام الإفلاس يرتب المشرع على صدور الحكم بإشهار الإفلاس عدة آثار منها ما يتعلق بذمة المفلس المالية، ومنها ما يتعلق بشخصه، ومنها ما يتعلق بإدارة التفليسة، فتغل يد المدين عن إدارة أمواله والتصرف فيها والتصرفات التي أبرمها المدين في الفترة الواقعة بين تاريخ وقوفه عن الدفع وتاريخ صدور الحكم بإشهار إفلاسه تكون باطلة.
ويترتب على إشهار الإفلاس سقوط بعض الحقوق المهنية والسياسية عن المفلس، ولا يمكنه استعادتها إلا باتباع الإجراءات التي نص عليها القانون لرد الاعتبار. وقد يتعرض المفلس للعقوبات الجنائية في حالة الإفلاس بالتقصير أو بالتدليس.
وتتدرج الأسباب التي تؤدي إلى اضطراب أعمال التاجر في درجات بعضها فوق بعض فتنحدر من حسن النية إلى التقصير حتى تصل إلى التدليس والغش أن إفلاس التاجر قد يرجع إلى عوامل لم تكن في الحسبان ولم يكن في استطاعته توقعها، أو تلافيها، فيستحيل عليه الوفاء بالتزاماته ويقف عن الدفع وهو حسن النية، سليم الطوية، لم تصدر منه رعونة أو خفة، ولم يبتغ المكر بدائنيه أو الإساءة إليهم، فقد تهلك أمواله بسبب حريق أو غرق، وقد يتأذى من انخفاض الأسعار بسبب أزمة، وقد يحجم مدينوه عن الوفاء له بحقوقه فيتعذر عليه الوفاء بالتزاماته، وقد يقوم في سبيله منافس عنيد لا يستطيع مجاراته فيتضاءل أمامه حتى ينهار مركزه المالي.
والاحتراف هو ممارسة العمل بصورة مستمرة ومنتظمة واتخاذ ذلك مهنة للحصول على مورد للرزق ولو كان القائم بالعمل غير موفق فباء بالخسران، وثبوت الاحتراف مسألة وقائع يفصل فيها قاضي الموضوع ولا سلطان عليه في هذا الشأن لمحكمة النقض. ومتى فصلت محكمة الموضوع في مسألة توافر أو عدم توافر ركن الاحتراف، تعين عليها أن تقرر النتيجة التي تترتب على ذلك، أي اكتساب أو عدم اكتساب صفة التاجر،
وهي تخضع في هذا الشأن لرقابة المحكمة العليا، ولا يفلت من اشتراط احتراف العمل التجاري لاكتساب صفة التاجر إلا الشركات التي تنشأ في أحد الأشكال التي ينص عليها القانون إذ يطرح عليها مجرد الشكل صفة التاجر ولو كان موضوعها عملاً مدنيا المادة العاشرة. وقد يكون إفلاس التاجر نتيجة أخطاء ارتكبها أو تقصير صدر منه، فقد يخطئ في احتساب نفقات إنتاجه، وقد يقدم على صفقة من الصفقات برعونة وخفة، وقد يسرف في المضاربات غير آبه بالمخاطر التي يتعرض إليها،
وقد يبالغ في مصاريفه العامة في الدعاية والإعلان، أو في مصاريفه الخاصة فيبسط يده كل البسط ويتعلق بأساليب من الحياة لا تتفق وقدرته المالية. وأقر مجلس النواب قانون الاستثمار الذي يوفر سهولة الدخول إلى السوق والضمانات والتيسيرات اللازمة، واليوم يحسب للمجلس إكمال هذه الحلقة بتسهيل خروج التاجر من السوق، حفاظا على حقوق غيره وحفاظا على السوق ذاته.
أنّ القانون سيساهم في تحسين ترتيب مصر بالمؤشرات الدولية، وبيئة الأعمال والاستثمار وبينها تقرير ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، موضحة أن القانون الجديد يعتمد على فلسفة تبسيط الإجراءات والعدالة وحماية التاجر حسن النية وحماية الغير.
أن فلسفة القانون جاءت بمجموعة من الافكار المستحدثة الهادفة إلى تمهيد الطريق لتوفير الظروف التي تحفز الاستثمار وتجذب رؤوس الأموال المحلية والاجنبية، من خلال توفير بيئة قانونية سليمة، حيث أصبح التنافس في مجال جذب الاستثمارات يلقى منافسة دولية، تتطلب التحسين المستمر في مناخ الاستثمار، وذلك في إطار قانوني يحمي المشروعات الاستثمارية ويبث روح الثقة لدى المستثمرين.
أنّ مشروع القانون تضمن عملية إعادة الهيكلة المالية والإدارية للمشروعات، سواء المتعثرة أو المتوقفة عن الدفع، في محاولة لإقالتها من عثرتها وإدخالها سوق العمل مرة أخرى، وتنظيم عملية خروجها من السوق بشكل يضمن حقوق الأطراف، ما يؤدي في النهاية إلى بث الطمأنينة لدى المستثمرين ويخلق المناخ الملائم والجاذب للاستثمار.
أنّ مشروع القانون استحدث نظام الوساطة، بهدف تقليل حالات اللجوء لرفع دعاوى قضائية، وتشجيع المشروع المتعثر أو المتوقف عن الدفع، بما يضمن عدم الزج بصاحب المشروع في دعاوى قضائية، كما أنه يشجع صغار المستثمرين على الاستمرار في السوق. تختص الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية التي يقع في دائرتها موطن تجارى للمدين أو المركز الرئيسي للشركة بنظر الدعاوى التي تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون، فإذا كان هذا المركز خارج مصر اختصت المحكمة التي يقع في دائرتها مركز الإدارة المحلى.
وإذا لم يكن للتاجر موطن تجارى كانت المحكمة المختصة هي التي يقع في دائرتها محل إقامته المعتادة، ويُعَدّ موطناً مختاراً للتاجر آخر موطن مثبت بالسجل التجاري. ومع عدم الإخلال بالاتفاقات الدولية النافذة في مصر يجوز شهر إفلاس التاجر الذى يكون له في مصر فرع أو وكالة ولو لم يصدر حكم بشهر إفلاسه في دولة أجنبية وفى هذه الحالة تكون المحكمة المختصة بشهر الإفلاس في مصر هي التي يقع في دائرتها الفرع أو الوكالة.
لكل تاجر، لا يقل رأسماله عن مليون جنيه، وزاول التجارة بصفة مستمرة خلال السنتين السابقتين على تقديم الطلب ولم يرتكب غشاً أن يطلب إعادة الهيكلة. ولا يجوز إعادة هيكلة الشركة وهى في دور التصفية. يعتمد قاضى الإفلاس خطة إعادة الهيكلة إذا وافق جميع الأطراف عليها. ويعين قاضى الإفلاس معاوناً لمساعدة التاجر إذا رأى موجباً لذلك، من بين الأمناء أو الخبراء المقيدين بجدول خبراء إدارة الإفلاس أو من غيرهم ممن يختاره الأطراف على أن يحدَّد أتعاب المعاون وفقاً لما اتفق عليه الأطراف وفى حالة تعذر ذلك يحدد القاضي تلك الأتعاب. يُعين أمين الصلح من بين الأشخاص أو الشركات المرخص لهم في مزاولة مهنة أمين التفليسة، ويدون أمين الصلح يوماً بيوم جميع الأعمال المتعلقة بالصلح في دفتر خاص يضع قاضى الصلح توقيعه أو ختمه عليه ويؤشر بنهاية الدفتر بما يفيد انتهاءه ويجوز للمحكمة وأطراف الصلح الاطلاع عليه. لم يعد نظام الإفلاس هماً داخلياً فقط بل هماً خارجياً ,كل ذلك يتطلب منا جميعاً إيجاد الحلول المشتركة و إبرام الاتفاقيات العربية المشتركة بخصوص تنفيذ أحكام الإفلاس الصادرة عن المحاكم العربية
,ويحتل نظام الإفلاس وطنياً أهمية خاصة لجهة تحسين بيئة الأعمال التجارية و خلق المناخ الملائم للائتمان و الاستثمار هذا بالإضافة لعدم وجود قضاء متخصص في مجال التجارة من المحاكم التجارية التي تؤدي إلى سرعة البت في الدعاوي التجارية و يخلق بيئة استثمارية و نمو اقتصادي فعال. إن تزايد حالات الإفلاس عبر الحدود يعكس استمرار توسع التجارة والاستثمار على الصعيد الدولي ,بيد أن قوانين الإفلاس الوطنية غير مهيئة و مقصره في معالجة القضايا ذات الطابع الدولي ,
وغالباً ما يؤدي إلى إتباع طرق قانونية غير ملائمة وغير متجانسة , ولا يفضي إلى إدارة حالات الإفلاس عبر الحدود بإنصاف و فعالية ,مما يحول دون حماية المُدين المعسر ,لكل ذلك لا بد من توفير آليات ووسائل فعالة لمعالجة حالات الإفلاس التي تتخطى حدود الدولة الواحدة ,وذلك عن طريق الاسترشاد بما اقترحته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونيسترال) ,وذلك أيضاً عن طريق الاعتراف بالقرار الأجنبي القاضي بإعلان الإفلاس و إعطائه المفاعيل القانونية في الدولة التي قدم لها طلب الاعتراف.
و أنه في سياق الاعتراف بالإجراءات الأجنبية و التعاون مع المحاكم الأجنبية يمكن اعتماد طريقة الاعتراف بالإجراءات و القرارات الصادرة دون اللجوء إلى اعتماد الصيغة التنفيذية في دولة أخرى ,وذلك لتسهيل تطبيق المفاعيل و التدابير المناسبة الناشئة عن هذه الإجراءات ,إذ أن الاعتراف بهذه القرارات يتم من قبل المحكمة ذاتها التي تنظر في إجراءات الإفلاس بعد التحقق من توافر الشروط المطلوبة له ,من صورة مصدقة عن القرار ببدأ الإجراء الأجنبي و إفادة من المحكمة الأجنبية تثبت وجود الإجراء...
و ينتج الاعتراف بحكم أجنبي المفاعيل ذاتها التي ينتجها هذا الحكم في الدول العربية التي صدر فيها ,كما يمكن للمحكمة التي اعترفت بالقرار أو بإجراء صادر أساساً عن محكمة في دولة عربية أخرى ,أن تتخذ التدابير التي تفتضيها الضرورة لحماية موجودات المُدين أو مصالحه بناء على طلب وكيل تفليسه الذي جرى تعينه بموجب القرار المعترف به.
في النتيجة يمكن القول أن هذه القواعد ترمي إلى إيجاد طرق تعاون و اتصال مباشر بين محكمة الدولة التي طلب منها الاعتراف بالقرارات و الموجودة فيها أموال للمدين المفلس أو فروع للشركة الأجنبية أو بين محكمة الدولة العربية التي اتخذت أساساً هذه القرارات نظراً لوجود المركز الرئيسي للمدين فيها.