إن الوضع الراهن على الصعيد الدولي و المنافسة التي يفرضها يدرجان "المؤسسات المصرية في وضع غير مسبوق يتطلب تغييرا جذريا للذهنيات و التصرفات"، لا سيما و أن مؤسساتنا المعنية تتمثل أساسا في مؤسسات صغيرة و متوسطة و لا يمكنها سوى اللجوء إلى الدولة ، مع عدم قدرتها على إنشاء مصالح متخصصة في جمع و معا لجة المعلومات.
و بات من الضروري البحث عن الوسائل الملائمة لاكتساب مزايا تنافسية و تدعيم الحصص السوقية، مما يتطلب قفزة نوعية في الانتقال من اقتصاد الكم إلى اقتصاد النوع ، لاسيما الاقتصاد المعتمد على المعرفة، الذي أصبح ضرورة حتمية لتطوير أداء و فاعلية المؤسسات.
فقد شهدت السنوات الأخيرة تغيرات عالمية سريعة و متلاحقة و عميقة في آثارها و توجهاتها المستقبلية، فلقد تحول الاقتصاد العالمي إلى قرية صغيرة متنافسة الأطراف بفعل الثورة التكنولوجية و المعلوماتية و توسعت مجالات المنافسة بين المؤسسات الاقتصادية، و نظرا للانتشار السريع لتكنولوجيات الإعلام و الاتصال، وفي عالم تسوده المنافسة الشديدة أثر ذلك على المؤسسات الاقتصادية بصفة عامة،
حيث عرفت هذه الأخيرة تطورات كبيرة في بيئتها الاقتصادية و التكنولوجية، كما تلاشت الحواجز السياسية، الجغرافية، الثقافية و الاقتصادية بين الدول وتقاربت الأسواق في مختلف دول العالم لتشكل سوقا عالميا موحدا، وبالتالي ازدادت التحديات التي تواجه المؤسسات الاقتصادية في ظل هذه التطورات.
دور الدولة جوهري في تنشيط واستمرار التنمية الاقتصادية، وهذا الدور يتضمن اتباع سياسة صناعية انتقالية لصالح المشروعات التي تعاني من ارتفاع تكلفة البدء ولصالح مشروعات التصدير ولصالح المشروعات التي تؤدي آلي خلق صناعات أخري، والقضية التي نواجها ليست أمرا مبسطا يضع "السوق" في مواجهة "الدولة"
ولكنها قضية بعث "المؤسسات الوسيطة" التي يؤدي غيابها آلي قيام خلل في مكونات النظام الاقتصادي بحيث تقودنا التبادليات بين هذه المؤسسات آلي التصرف بأسلوب جماعي رشيد، فالاقتصاد الذي يلائم مصر هو "اقتصاد مؤسسي" مبني علي التوازن بين المؤسسات ، وتعتبر السوق إحدى هذه المؤسسات وسيكون لها دور واضح وهام في هذا الاقتصاد المؤسسي يوازيه أيضا قدر من التخطيط، فالاقتصاديات المؤسسية تنظر آلي الاقتصاد نظرة أشمل من مجرد كونه آليات للسوق.
و تأخذ في الاعتبار عدة أهداف قومية منها هدف الأمن القومي وهدف تلبية الاحتياجات العاجلة للمواطنين وهدف استمرارية النمو، أي الخطة التي تحدث التوازن الصعب بين العناصر الثلاث الخاصة، بالدفاع والاستهلاك والاستثمار، وعلينا أن نتوخى الحذر ولا نحاول تصوير التنمية الاقتصادية علي أنها "الاستقلال الاقتصادي" ، أو التصنيع، أو الاحتفاظ بالأصول القديمة، فخطة التنمية الاقتصادية تتحدد أساسا ببلوغ عدد من "معطيات التحديث" مثل زيادة الإنتاجية وتحقيق قدر من المساواة الاقتصادية والاجتماعية
وترسيخ المعرفة الحديثة وتطوير المؤسسات الإنتاجية و الخدمية، ومن السائد ترجمة خطة التنمية بمجموعة من الأهداف الثانوية الأخرى مثل عدد المواطنين تحت حد الفقر، والحد الأدنى للاستهلاك و الحد الأقصى للبطالة وتوزيع الدخل وأشكال الاستهلاك والتنوع في الاقتصاد القومي، وعلى سياسات الخطة محاولة "إحداث واستمرار" معدلات عالية من النمو دون معدلات مرتفعة من التضخم، كما عليها أن تحدث التوازن الدقيق بين مزايا الاندماج في الاقتصاد العالمي وبين مخاطر هذا الانفتاح على إمكانات الصناعة الوطنية.
لجأت الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، والتي أعقبت قرار تحرير سعر الصرف، إلى الاستدانة المحلية، وذلك من خلال طرحها لعدة أدوات دين سواء كانت هذه الأدوات على شكل سندات أو على هيئة أذون خزانة. وعادة ما تمثل البنوك العامة في السوق المحلى النسبة الأكبر من المشترين لتلك الأدوات التي يتم طرحها من الحكومة. ارتفاع حجم الدين المحلى لأجهزة الموازنة العامة للدولة ليسجل نحو 3 تريليونات و97 مليار جنيه، وذلك بنسبة 90.9% من الناتج المحلي في نهاية مارس2017، في مقابل تريليونين و573 مليار جنيه، أي 95%من الناتج المحلي مع نهاية شهر يونيو 2016. فيما ارتفع إجمالي حجم الدين الداخلي منذ قرار تعويم الجنيه المصري بنحو تريليون و397 مليار جنيه.
وبلغ نصيب المواطن من الدين الداخلي نحو 44 ألف جنيه من إجمالي حجم الديون الداخلية، ليرتفع نصيب الفرد من الدين العام والذى يتمثل في الدين الداخلي والخارجي ليصل الى نحو 60 ألف جنيه، وفقا لبيانات البنك المركزي. انخفض عجز الموازنة العامة للدولة خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2017 -2018، إلى 2% كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي، في مقابل 2.2% في الربع المقابل من العام المالي الماضي.
فيما سجل العجز الكلى خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر الماضي، نحو 85.3 مليار جنيه، في مقابل 76.8 مليار جنيه في الربع المقارن من العام المالي السابق.
أن ارتفاع متوسط سعر خام البرنت خلال العام بقيمة دولار واحد يؤدى إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 1.9 مليار جنيه على جانب المصرفات، كما يؤدى إلى ارتفاع قيمة ما يؤول للخزانة العامة من الهيئة العامة للبترول بنحو 400 مليون جنيه، وهو ما يعنى صافى عجز بنحو 1.5 مليار جنيه، كذلك الأمر بالنسبة لأسعار القمح، خاصة أن مصر تعتبر أكبر دولة في العالم استيرادا للقمح.
شهدت اسعار الدولار ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الماضية، ليبلغ متوسط سعر البيع فى البنوك نحو 17.84 جنيها، فيما بلغ سعر الشراء نحو 17.74 جنيه، وذلك وفقا لبيانات البنك المركزي المصري. فيما توقع عدد من بنوك الاستثمار استمرار صعود أسعار الدولار خلال الفترة المقبلة ومع قدوم العام الجديد 2018. حيث توقع بنك الاستثمار فاروس، حدوث ارتفاع في أسعار صرف الدولار أمام الجنيه المصري خلال العام المقبل2018 - 2019 ليصل إلى مستوى يتراوح ما بين 18.60 و19.80 جنيه. وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، متوقعا أن تصل قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنهاية العام المالي الحالي 2017-2018 إلى 8.4 مليار دولار.
ويجب الأخذ في الاعتبار أن النمو المحدود لمعدلات اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر لا يعود فقط إلى العوامل الجيوسياسية بالمنطقة أو للازمة المالية العالمية التي تلوح في الأفق فحسب، بل أن الأمر يتجاوز ذلك إلى عوامل داخلية تتعلق بإدارة مناخ الاستثمار ومعالجة معوقاته والقضاء على التشابكات الإدارية وطول فترة حسم الإجراءات الخاصة بالتراخيص والموافقات رغم الجهود الإصلاحية التي تتم على هذا المستوى لاحقًا.
كما يجب أن ترتبط استراتيجية الدولة بصورة أكبر بتوزيع المشروعات التنموية جغرافيا فى ضوء مستويات البطالة في الريف خاصة بين الإناث فارتفاع معدلات البطالة بينهم تؤكد عدم استغلال لقدراتهم الاقتصادية لهذا فمشروعات مثل وظيفتك جنب بيتك بما ترتبط به من بعد جغرافي ستؤدى إلى تحقيق هدف تخفيض البطالة ورفع معدلات التشغيل للإناث على وجه الخصوص.
إن الدين العام لن يتوقف عن النمو طالما كان هناك عجز في الموازنة، وإن هذا العجز لن ينتهى إلا إذا زادت المتحصلات الضريبية عن الإنفاق العام بأكبر من مدفوعات الفائدة على الدين القائم. وبصورة عامة كلما كان الدين العام كبيرا كلما زادت مدفوعات الفائدة، ومع بقاء الأشياء الأخرى على حالها، كلما زاد عجز الموازنة.
وبهذا المنطق يتبين لنا أن الدين العام يغذى نفسه بنفسه، وكلما زاد حجمه كلما كان تخفيض حجم الإنفاق العام وزيادة المتحصلات الضريبية المطلوبة لضبط وإيقاف نمو هذا الدين أمرا صعبا ومؤلما، حتى يصل الأمر إلى نمو متسارع فى الدين العام بصورة لا يمكن معها ضبطه أو التحكم فيه