إن أهم ما يميز الاقتصاد غير الرسمي إذاً هو أنه يحوي كافة المعاملات ذات القيمة الاقتصادية التي لا تنظمها أو تسجلها أجهزة الدولة أو سلطاتها العامة، والتي تجري بدون الرجوع أو بالمخالفة للقواعد التي تضعها أجهزة الدولة والتي من المفترض أن تكون قائمة على إنفاذها. ساهم التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا ووسائل الاتصال وتحويل الأموال عبر الانترنت، ومؤخرا استخدام الجوالات في الدفع الالكتروني في توسيع نطاق الاقتصاد الموازي أو الخفي لا سيما مع تزايد السرقات التي تتم عبر الانترنت.
وفي الوقت الذي توجد فيه قنوات شرعية معروفة عالميا لتحويل الأموال، وعقد واتمام الصفقات، تبقى هناك نوافذ لممارسة الأنشطة بأشكال غير مشروعة مثل النصب الإلكتروني، ووجود شركات سمسرة وهمية للتجارة في العملات والعديد من الأصول والتي تستهدف جمع الأموال عن طريق الخداع.
الاقتصاد غير الرسمي ليس ظاهرة اقتصادية فحسب بل له تداعيات وتجليات سياسية تخص علاقة الدولة بالمجتمع في العديد من البلدان النامية، ومن بينها مصر والعالم العربي. إذ أن استشراء اللارسمية في التعاملات الاقتصادية يعني ضعف أو حتى غياب قدرة الدولة، باعتبارها السلطة العامة ،على ضبط وتنظيم قسم كبير من نشاط المجتمع، وهو ما عده كُتاب مثل نزيه أيوبي علامة على ضعف الدولة وافتقاد أجهزتها للقدرات المؤسسية والسياسية، وللشرعية (4)، وكذلك للتغلغل في المجتمعات التي تحكمها.
تظل جوانب عدة من النشاط الاقتصادي والاجتماعي لمجموعات كبيرة من البشر بمعزل عن يد الدولة، فلا تستطيع ضبط التفاعلات بحماية العمال على سبيل المثال، أو تعديل وضع النساء أو الأطفال، أو التنسيق مع رأس المال في قطاعات بعينها بغية تحقيق أهداف تخدم التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، ولا تتمكن في الوقت نفسه من استخلاص الموارد الاقتصادية من المجتمع عبر تحصيل الضرائب، وبالتالي تتضاءل قدرة الدولة على إعادة توزيع الدخل والثروة، وكلها علامات على ضعف الدولة مؤسسياً وانحسار شرعيتها السياسية في مواجهة المجتمع، مهما بلغت درجة سلطويتها.
بل إن أيوبي ذهب إلى اعتبار إفراط الدولة العربية في التسلط والقمع، ولجوء بعض الأنظمة للعنف بشكل متواتر لتثبيت سيطرتها، ما هو إلا دليل إضافي على مقدار ضعفها.
أيضا عمليات السطو الإلكتروني التي كان أشهرها مؤخرا ما تعرضت له "سوني بيكتشرز" في نوفمبر/ العام الماضي من اختراق كلفها ملايين الدولارات، فيما شهدت شركات وبنوك عمليات قرصنة وكذلك مواقع لحكومات حول العالم عمليات مماثلة لأغراض متعددة لكن يبقى لها فاتورة اقتصادية في النهاية. في تلك الفترة، لم تكن قضية الاقتصاد غير الرسمي مطروحة كثيراً لأن دور الدولة في مصر، وغيرها من الدول لاسيما في العالم النامي، كان يُرى من منظور التصنيع. وطبقاً لنظرية التحديث كان القطاع التقليدي كثيف العمالة متخلف التكنولوجيا هو الزراعة ومحله الريف، في مقابل قطاع حديث صناعي وخدمي تعمل الدولة على تنميته بطرق شتى، إما بالتعاون والشراكة مع القطاع الخاص الوطني، كما كان الحال في العديد من دول أمريكا اللاتينية وتركيا بين الأربعينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أو بحلول القطاع العام محل القطاع الخاص، كما كان الحال في الدول الشيوعية بشرق أوروبا والاتحاد السوفيتي والصين، و إلى حد كبير الحالة المصرية في الستينات من القرن العشرين. ما أن الدولة، حتى في المدن الجديدة، لا يكون من ضمن تخطيطها وجود أسواق شعبية بالتالي تنشأ الأسواق العشوائية، وتكتفى إدارات الأحياء بالمحليات بمطاردة الباعة في هذه الأسواق كل بضعة أيام لإثبات أنهم يقومون بعملهم، وغالبا ما يستولى موظفو الحى على رأس مال البائع بحجة مصادرتها طبقا للقانون، وفى نفس الوقت لا يتم إثبات ذلك رسميا، مما يزيد معاناة هؤلاء الباعة الذين لم توفر لهم الدولة مكانا للعمل ولا يتركوهم يعملون لكسب عيشهم.
والحقيقة أن هذه الأسواق العشوائية بكل مساوئها، إلا أنها تعتبر في الوقت نفسه ثروة قومية يمكن استغلالها والاستفادة منها بشكل جيد، كما يحدث في عدد من الدول، وبمجهود بسيط من الإدارات المحلية بها، وذلك بقيام هذه الإدارات بتوفير بديل متطور ونظيف وراق لهذه الأسواق، وتقنين أوضاعها، حتى ولو كان ذلك في نفس الأماكن الموجودة بها، بوضع آلية لتقسيم الشارع الموجود به السوق إلى وحدات صغيرة وتوزيعها على التجار، برسوم محددة حسب مكان ومساحة كل وحدة، وتسهيل منح تراخيص للعمل بهذه الوحدات، وفرض رقابة عليها سواء من وزارة الصحة أو التموين، وبالتتالي يمكن الاستفادة من هذه الأسواق بشكل كبير في عمليات التشغيل من جانب وتوفير احتياجات الناس الضرورية، وتوفير مكان آمن ورسمي للباعة الجائلين للعمل فى أمان، بدون مطاردة موظفي الأحياء "البلدية". ثم أتى العقد الذي تلاه، وتزامنت فيه تغييرات عدة على الأصعدة السياسية والاقتصادية لتنتج الوضع الحالي للاقتصاد المصري، الذي تغلب عليه اللارسمية.
ومن الصعب تعقب تفشي الاقتصاد غير الرسمي عبر عامل بعينه بمعزل عن العوامل الأخرى، وبالتفاعل معها. فمن ناحية، كان الانفتاح الاقتصادي بدءاً من 1974 إيذانا بإعادة إطلاق قوى القطاع الخاص بدعم من الدولة، بعد عقد حافل بالتغول على حقوق الملكية الخاصة بالمصادرات والتأميمات، وكان ذلك على خلفية سعي نظام السادات في أعقاب ست سنوات طويلة من الحرب مع إسرائيل إلى التماس علاج الاختلالات المالية والاقتصادية الكبيرة التي كان يعاني منها الاقتصاد المصري بجذب رؤوس أموال من الخارج في صورة منح وقروض واستثمارات، خاصة من بلدان الخليج العربي (وإيران قبيل الثورة الإسلامية)، التي أمست لديها فوائض بالغة الضخامة من الدولارات البترولية. وبالفعل فإن مصر قد نالت نصيبها من الثروة النفطية ليس فحسب في صورة تدفقات رسمية ذهبت للحكومة بل كذلك بفضل تحويلات العاملين المصريين بالخليج وليبيا، التي دعمت أنماطاً جديدة من الاستهلاك في المدن والريف.
لم يكن الانفتاح الذي أعلن عنه السادات نابعاً من قناعة أيديولوجية ليبرالية اقتصادية أو من انحياز مبدئي لاقتصاد السوق، بل كان اعترافاً من نظامه بتصدع نموذج التنمية الدولي القائم على القطاع العام الذي دشنه عبد الناصر، سواء نتيجة تناقضاته الداخلية أو بسبب هزيمة 1967. النتيجة واحدة، وهي ان الدولة في مصر كانت أضعف من أن تستمر في الهيمنة على النشاط الاقتصادي، وآن وقت عودة القطاع الخاص إلى الصورة. ولكن هل كان القطاع الخاص حقاً قد ذهب كي يعود؟
إن الجواب على السؤال هو بالنفي. لم تقضِ الإجراءات الناصرية على القطاع الخاص بل قضت على المؤسسات والشركات وبعض الأفراد والعائلات ذوي التركيز الكبير لرأس المال، سواء كانوا من الأجانب أو من المصريين. أما القطاع الخاص الصغير ومتناهي الصغر في المدن، وهو على شكل ورش ومحلات البقالة والدكاكين فقد ظل كما هو.
بل وقد يستغرب البعض أن شركات القطاع الصغيرة استمرت تهيمن على قطاع الإنشاءات في عز الحقبة الناصرية، إذ لم يضخ القطاع العام أكثر من ثلث الوحدات السكنية المبنية في تلك الفترة على الرغم من كل القيود والمخاطر التي كانت تحيق بنشاط القطاع الخاص. وينطبق الأمر نفسه على قطاع التجارة سواء بالجملة أو بالتجزئة، الذي ظل بشكل شبه كامل في أيدي تجار بمختلف الأحجام في القطاع الخاص، ما يثبت قدرة هؤلاء، دون القطاع العام، على الولوج لأركان السوق المصرية المتباعدة.
القطاع الخاص الصغير وربما حتى متناهي الصغر (ليس لدينا تفاصيل يمكن الاعتماد عليها لتقدير حجم المنشآت من حيث رأس المال أو العمالة أو حجم التعاملات)، لم يختف قط، ولكن فترة التأميمات والقطاع العام أضعفت من الرابط المؤسسي بين أجهزة الدولة ومنشآت القطاع الخاص، التي كانت تُرى على أنها بقايا لنشاط اقتصادي تقليدي متخلف في محتواه التكنولوجي، وغير مؤهل للمشاركة في عملية التصنيع، ناهيك بالطبع عن تعرض القطاع الخاص الصغير هذا نفسه لحملات تحريض باعتباره تجلياً لجشع الرأسمالية، ما حدا بعبد الناصر في 1966 للحديث عن تأميم تجارة الجملة والتجزئة، وهو ما لم يتم إما بسبب الحرب وإما لصعوبة اتخاذ مثل ذلك الإجراء
ثم كانت السبعينات من القرن الفائت والتي شهدت تفجراً لشتى أنواع القطاع الخاص، لا الكبير المصري أو الأجنبي فحسب كما ركزت أغلبية الدراسات حينها، ولكن كذلك الصغير ومتناهي الصغر (والمعرّف غالباً بانه من يوظف أقل من خمسة عمال)، وغير الرسمي في صفته الغالبة، وهو انتعش في المدن والريف في قطاعات كالبناء والتجارة والخدمات، واستفاد من انفجار الاستهلاك الخاص مع تدفق الريع من البلدان النفطية، ومع استمرار النزوح من الريف إلى المدن – وخاصة القاهرة بمركزيتها المفرطة إدارياً واقتصادياً وسياسياً، وبدرجة أقل الإسكندرية. ومع انتعاش حركة التجارة اتسع السوق للقطاع الخاص بأشكاله المختلفة وأحجامه المتنوعة.
ومع تباطؤ نمو التوظيف العام، سواء في جهاز الدولة الإداري أو في شركات القطاع العام منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، اتسع سوق العمل لدى القطاع الخاص هو الآخر، الذي كان في غالبه الأكبر غير رسمي، بوجود الملايين من العاملين لحسابهم الخاص. وهؤلاء ليسوا أصحاب منشآت أو من "البرجوازية الصغيرة" كما يحلو للبعض يميناً ويساراً نعتهم، بقدر ما أنهم أقرب للبروليتاريا ولكنهم لا يملكون نفاذاً لسوق العمل بأجر، فيضطرون للعمل لحسابهم الخاص عادة أملاً بدخل يكفيهم وعائلاتهم استهلاكهم الأساسي، وغالبا ما يكون ذلك بانتظار أن يتسنى لهم الحصول على عمل بأجر.
تعد السرية– أي البعد عن عين الجهات التنظيمية-من الأسس التي يقوم عليها هذا الاقتصاد، لذا يكون من الصعب بمكان تحديد حجمه بدقة، لكن تظهر الدراسات أنه أكثر نشاطا وقوة في الدول النامية رغم أنه تواجده يشمل العالم بأسره.
إذا كان الاقتصاد غير الرسمي صنواً لضعف التنمية وكبتاً لفرص التقدم المادي والاجتماعي فكيف السبيل للانعتاق منه؟ يرى أصحاب التيار النيوكلاسيكي من الاقتصاديين أن الحل قانوني ومؤسسي في المقام الأول، يدور حول إيجاد الأطر التشريعية والتنفيذية والقضائية الكفيلة بحماية حقوق الملكية الخاصة. وأمثلة ذلك اختصار إجراءات تسجيل ملكية العقارات كالأراضي والشقق، وزيادة كفاءة الجهاز القضائي الناظر في نزاعات الملكية وقضايا الإفلاس وتصفية الشركات، وإنفاذ التعاقدات والاتفاقات بأقل تكلفة على المستثمرين. ويرى هؤلاء أن تحويل دور الدولة كي تصبح ضامناً فاعلاً لحقوق الملكية الخاصة يمكن الثقة فيها بتخفيض معدلات الفساد وعدم الكفاءة، كفيل بإتاحة الفرصة أمام نشوء علاقات سوق حرة تحمل حوافز للجميع بأن ينخرطوا في الإنتاج والتبادل والعمل، بما يزيد من فرص تحسين أحوالهم. ومن ثمّ يتحقق المفهوم النيوليبرالي للتنمية،
والذي يدور قلباً وقالباً حول تمكين أكبر عدد ممكن من الفاعلين من الانخراط في التبادلات السوقية الحرة، وينطلق من افتراض أن توليد النمو ينعكس إيجاباً على الجميع من خلال تساقط الثمار عبر خلق فرص العمل وتوسيع أسواق الاستهلاك. وإجمالا توجد خمس طرق لحساب حجم هذا الاقتصاد تتمثل في التقدير المباشر عن طريق تحديد الأنشطة التي يعمل بها، وطريقة أخرى تعتمد على الناتج المحلي عن طريق الانتقال من الجزء إلى الكل وهي مطبقة في الولايات المتحدة.
أما الطريقة الثالثة فتعتمد على الاستقصاء المعتمد على بيانات مداخيل وإنفاق فئة معينة من المستهلكين ومقارنتها مع فئات أخرى، ويكون الفارق بين المداخيل والإنفاق الحقيقي ممثلا للاقتصاد الخفي.
وهناك طريقة تعتمد على متابعة مؤشرات جزئية لتحديد الفارق بين ما هو مطلوب استخدامه من خدمات لتحقيق دخل معين والمستهلك فعليا ليمثل حجم هذا الاقتصاد، وأخرى تعتمد على إحصاءات تخص قوة العمل والإنتاجية.
وتشير التقديرات إلى ارتفاع حجم هذا الاقتصاد كنسبة من الناتج المحلي في أمريكا إلى 8.4% عام 2007 من 6.7% عام 1990، و15.3% في ألمانيا من 11.8% خلال نفس الفترة، لكنها تقفز إلى أكثر من ربع حجم الناتج المحلي في ايطاليا وتحديدا عند 26.8% من 22.8%. وإذا علمنا أن عدد الأسواق العشوائية في مصر بلغ نحو 4425 سوقا فيمكن أن نقدر أن حجم الأموال المهدرة على الدولة سنويا يمكن أن تصل إلى نحو 120 مليار جنيه، عبارة عن رسوم الحصول على رخص فقط. وللعلم فإنه صدر في مصر قانون الباعة الجائلين رقم 105 لعام 2012، الذي يقضى بعدم بيع أي سلعة إلا بعد الحصول على رخصة من الحي المختص، ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس والغرامة إلا أنه لم يتم تفعيله حتى الآن. وفي النهاية يجب أن نعلم جميعا أن حجم الأموال المهدرة في عدد من القطاعات في الاقتصاد المصري كفيلة بأن تسد العجز في الموازنة العامة للدولة، إذا وجدت من يتابعها ويحافظ عليها وينميها، فبالأمس رصدنا أن حجم الأموال المهدرة على الدولة بسبب عدم وجود "سجل عيني" للعقارات يبلغ نحو 200 مليار جنيه، واليوم حجم الأموال المهدرة على الدولة في الأسواق العشوائية يبلغ نحو 120 مليار جنيه، أي أن قطاعين فقط يمكن أن يوفرا للدولة نحو 350 مليار جنيه، في حين أن العجز في الموازنة المصرية بالكامل هو 440 مليار جنيه، فهل تنتبه الحكومة لأموال الشعب المهدرة إما بقصد أو بجهل؟
يبقى راسخا لدى البعض أن الاقتصاد الخفي أو الظل يعد تطورا لما خلفته الرأسمالية، حيث دفع "جشعها" الذي يعلي من شأن صاحب رأس المال ويتودد إليه "بتفصيل" كل شيء على مقاسه سواء من الحكومات أو حتى أصحاب المشروعات إلى زيادة الفجوة في توزيع الثروات ومن ثم انعكاسات سلبية على المجتمع يمكن ذكر بعضها فيما يلي:
- تضليل البيانات الحكومية الرسمية عن طريق إعطاء نسب غير صحيحة للمؤشرات الاقتصادية ومن ثم ايقاع الضرر بالخطط المستقبلية للدولة، وكذلك عدم تحديد إمكاناتها بشكل واقعي حقيقي.
- المساهمة في التهرب من دفع الضرائب ومن ثم تقليص ايرادات الدولة وتحجيم قدرتها على تقديم الخدمات وصيانة المرافق.
- قد لا يساهم هذا الاقتصاد في رفع الديون لكنه في المقابل يساعد في نمو النوعيات الأسوأ منها عن طريق الحصول على قروض باهظة التكلفة خصوصا من بنوك الظل المصرفي التي لا تخضع للرقابة
- حدوث خلل في المنظومة الاجتماعية عن طريق تفشي الجرائم وارتفاع أعداد المجرمين وما يتبع ذلك من ارتفاع تكاليف النفقات الأمنية.
وعلى الرغم من ذلك توجد بعض الآثار الايجابية لهذا النوع من الاقتصاد يتمثل أهمها في المساهمة في حل مشكلة البطالة دون الحاجة إلى اعداد خطط قد تستغرق زمنا لارتباطها بخطط تحتاج لمدى زمني كبير. كما يساهم أيضا في تخفيف أعباء الطبقات المتوسطة وما دونها عن طريق توفير مداخيل اضافية لدعم استقرارها اجتماعيا.
تقاطر المصريون في سن العمل للعمل بأجر لدى منشآت القطاع الخاص، وكانت علاقات العمل في عمومها غير رسمية، أي لم تجرِ طبقا لقانون العمل، ولم تمكِّن العاملين من التمتع بحماية تأمينية أو بأمان وظيفي. وانطبق هذا على المنشآت متناهية الصغر (توظف أقل من خمسة عمال) والتي استوعبت نحو 45 ــ 47 في المئة من إجمالي العاملين بأجر لدى القطاع الخاص بين سنوات 1998 وحتى 2012. ثم، وطبقا لأسعد وكرافت، كان 88 في المئة من العاملين بهذه المنشآت في 2012 يعملون بشكل غير رسمي. أن نحو 90 في المئة من الشباب العاملين يعملون بشكل غير رسمي. وتقاطع هذا إلى حد كبير مع عدم رسمية المنشآت ذاتها، ففي تقرير قديم نسبياً لوزارة التجارة المصرية صادر في 2003، مثلت المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر غير الرسمية (أي غير المسجلة لدى الدولة) نحو 83.5 في المئة من منشآت القطاع الخاص قاطبة في 1998، وذلك مقارنة بـ 82.8 في المئة في 1988، ما يفيد عن الزيادة في عقد من الزمن، وما يفيد في الوقت نفسه عن قدم الظاهرة نسبياً.
وسواء كانت المنشآت نفسها رسمية، أي مسجلة لدى الدولة، أو غير رسمية، فإن علاقات العمل لم تكن رسمية، وامتدت تلك الممارسات إلى العمالة غير الماهرة في المنشآت الرسمية الكبرى، والتي تستمر حتى اليوم في التمييز بين قواها العاملة لتخفيض حجم الالتزامات تجاه العمالة سواء في شق الأجور أو فيما يتعلق بتحمل أعباء سداد أنصبة رأس المال من التأمينات.
تضخّم القطاع الخاص بشكل مستمر إذاً منذ سبعينات القرن العشرين حتى أصبح يحوز اليوم على ثلثي الناتج المحلي الإجمالي المصري، وعلى النسبة نفسها تقريباً من العاملين بأجر ولحسابهم الخاص. ولكن تطور هذا القطاع الخاص يتسم بالصغر في الحجم والتدني في الإنتاجية والتميز بالصفة غير الرسمية، والتضخم في العدد في الوقت نفسه.
وهو ما يعيدنا إلى مقدمة هذا النص حول الشروط السياسية والاجتماعية لنمط رأسمالي تنموي على الصعيدين القومي والمحلي، التي من شأنها أن تنعكس على الترتيبات المؤسسية الرابطة بين الدولة بأجهزتها وقوانينها ولوائحها، وبين الأنشطة الاقتصادية الخاصة صغيرها وكبيرها، في جانبي رأس المال والعمل وما بينهما