أخيرا بدأت جهود كبح التضخم تأتي بثمارها بعد أن بلغت مستويات قياسية لم تشهدها البلاد عبر ثلاثة عقود من الزمن.
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا للقارئ ، سوف أوجز شرحا مبسطا للتضخم، وأسبابه، والوضع الحالي للتضخم، وكيف تواجه البنوك المركزية التضخم من خلال الأدوات المختلفة بحسب أسباب التضخم.
التضخم، في أبسط تعريف متداول بين العامة هو غلاء الأسعار، بمعنى أخر، هو المعدل الذي يرتفع فيه المستوى العام لأسعار السلع والخدمات التي يحصل عليها المواطن نظراً لانخفاض القوة الشرائية للعملة.،هذا التعريف البسيط يستثنى ارتفاع أسعار العقارات، فالأسعار تتحرك تصاعديا نتيجة ذيادة في الطلب على السلع والخدمات من جهة وثبات العرض من جهة أخرى، كما أن التضخم يمكن وصفه بأنه انخفاض في قيمة النقد، حينئذٍ تفقد العملة قيمتها ويشعر المواطن بالغلاء.
وللتضخم عدة أسباب أهمها ارتفاع تكاليف الإنتاج، أو زيادة حجم الطلب على العرض، أو زيادة الأسعار رغم انخفاض الطلب بسبب الاحتكار والجشع. غير أن ليس كل ارتفاع فى الأسعار يعد تضخماً، فقد يحدث التضخم الطبيعى نتيجة إصدار الدولة النقود دون توفر ما يقابلها من إنتاج، أو يحدث زيادة كبيرة فى الطلب لا تقابلها زيادة فى عرض السلع والخدمات، أو بسبب تراجع الإنتاج، أو انخفاض الطلب وارتفاع مستوى البطالة، وهو ما يُعرف بالتضخم الركودى .
أما الوضح الحالي للتضخم فيشير إلى تحسن كبير في جهود السيطرة عليه. وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء إنخفض معدل التضخم السنوي في مارس إلى أدنى مستوياته خلال عامين، ليصل إلى 13.1% بالمقارنة مع 14.4% خلال شهر فبراير،.وفي المقابل، أعلن البنك المركزي المصري أن معدل التضخم الأساسي تراجع إلى 11.59% على أساس سنوي في مارس بالمقارنة مع 11.88% في فبراير، مما يتيح مجالا لتيسير نقدي آخر. هكذا سجل معدل التضخم العام أدنى مستوياته منذ مايو 2016 ويقع ضمن مستهدف البنك المركزي عند 13% زائد أو ناقص ثلاث نقاط مئوية.
يلعب البنك المركزي دور هام في كبح جماح التضخم وذلك لتحكمه في العرض النقدي من أجل الحفاظ على استقراره، حيث يعتبر التضخم من أكثر المشاكل التي تسبب الاختلال في التوازن الاقتصادي. لذلك فإن البنك المركزي يعمل على علاج التضخم من خلال استخدام الأدوات المختلفة التي تختلف أنواعها باختلاف أسبابه، وذلك لكي يتمكن من التأثير على أنشطة البنوك والرقابة على شروط الائتمان بغرض السيطرة على حجم الكتلة النقدية في المجتمع، وتنقسم أدوات البنك المركزي للتحكم في التضخم إلى أدوات الرقابة الكمية وأدوات الرقابة الكيفية.
تشمل أدوات الرقابة الكمية على عمليات السوق المفتوحة، وعملية سعر إعادة الخصم، ونسبة الاحتياطي القانوني.
والمقصود بعمليات السوق المفتوحة هو أن يتدخل البنك المركزي كبائع ومشتري لأذون الخزانة بهدف التأثير على حجم الائتمان بالتوسع أو الانكماش عن طريق التأثير في العرض النقدي، ففي حالات التضخم إذا أراد البنك المركزي تقليل حجم الائتمان وامتصاص جزء من السيولة النقدية المتداولة في المجتمع فإنه يتدخل ببيع الأوراق المالية والسندات الحكومية، وفي حالات الانكماش أذا أراد البنك المركزي في دفع التوسع للائتمان فيكون ذلك من خلال شرائه للأوراق المالية والسندات.
وهناك أداة أخرى هي استخدام سعر إعادة الخصم، وهو سعر الفائدة التي يحصل عليه البنك المركزي على قروضه ،ففي حالة التضخم يلجأ البنك المركزي الى تطبيق سياسة انكماشية من أجل تخفيض كمية النقود المتداولة من خلال زيادة معدل إعادة الخصم، مما يؤدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع تكلفة الائتمان، نتيجة لذلك، يقل الطلب على الاقتراض ويتقلص حجم الكتلة النقدية، وعلى النقيض، في حالة اتباع البنك المركزي سياسة توسعية خصوصا في أوقات الكساد، فانه يهدف الى زيادة حجم النقود المتداولة، لذلك فهو يقوم بخفض سعر إعادة الخصم حتى يتيح للبنوك الاقتراض من البنك المركزي للتوسع في الائتمان حيث يزيد الطلب على القروض نتيجة لانخفاض سعر الفائدة.
ويستطيع البنك المركزي استخدام نسبة الاحتياطي القانوني كأداة للرقابة الكمية. فالاحتياطي القانوني هي النسبة التي تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزي، وهي عبارة عن الحد الأدنى الذي يجب على البنك الاحتفاظ به من أرصدة نقدية سائلة لمقابلة السحوبات من جانب المودعين، تستخدم هذه الأداه في حالات توسع النشاط الاقتصادي بما يُنبأ بظهور التضخم، حيث يرفع البنك المركزي نسبة الاحتياطي القانوني من أجل التحكم في مستوى الائتمان لدى البنوك ،فتضطر البنوك الى تخفيض حجم الائتمان اما بتشديد معايير القروض الجديدة أو باستدعاء القروض تحت الطلب.
والعكس صحيح، فاذا أراد البنك المركزي أن يساهم في توسعة النشاط الاقتصادي فإنه يخفض نسبة الاحتياطي القانوني. هكذا يتحكم البنك المركزي في قدرة البنوك على خلق الائتمان،ولكن ربما تكون نتائج رفع الاحتياطي القانوني غير مؤكدة اذا كانت السيولة عالية في البنوك.
ويندرج تحت بند أدوات الرقابة الكيفية عدة أساليب منها التفاهمات مع البنوك لتحقيق المصلحة العامة، وحجم الهامش النقدي، وشروط تمويل الائتمان للقطاع الاستهلاكي والتمويل العقاري.
في بعض الأحيان يتعامل البنك المركزي مع البنوك على أساس تحقيق المصلحة العامة عندما يرى من الضروري عدم التوسع في الائتمان فيطلب من البنوك التقليل من منح الائتمان لبعض القطاعات دون اللجوء الى اتخاذ إجراءات كمية مثل رفع سعر الخصم او رفع نسبة الاحتياطي.
قد يلجأ البنك المركزي الى اصدار تعليمات بزيادة هامش الضمان المطلوب من العملاء في الاعتمادات المستندية أو خطابات الضمان، وذلك تبعا للظروف الاقتصادية السائدة. ففي حالة الانتعاش الاقتصادي قد يطلب البنك المركزي من البنوك رفع هذه النسبة والعكس صحيح في حالة الكساد من أجل تشجيع الاستثمار.
وقد يقوم البنك المركزي بمراقبة الائتمان الاستهلاكي بهدف الحد منه وتقليل النمو المستمر في القدرة الشرائية لدى المستهلكين. فيقوم البنك المركزي بوضع قيود على القروض الاستهلاكية مثل عدم تجاوز القروض الاستهلاكية نسبة معينة من محفظة قروض البنك، أو وضع حد أقصى للقرض الواحد كنسبة مئوية من دخل المقترض.
وفي النهاية، ما يهم المواطن العادي والمستثمر أن ينجح البنك المركزي في كبح جماح معدل التضخم. فتأثير ارتفاع معدل التضخم على ارتفاع الأسعار وتأكل المدخرات والتأثير على الاستثمار يجب أن يكون الأولوية المطلقة للبنك المركزي.