أخيرا هناك ضوء في نهاية النفق المظلم الذي يمر به الاقتصاد المصري. أقول هذا بمناسبة بارقة الأمل التي بدت أكثر وضوحاً مع التقرير الذي اصدرته وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الإئتماني الذي يحمل في طياته أخبار جيدة عن التحسن في الاقتصاد المصري خلال العام الحالي على خلفية التقدم المُحرز في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي. فبالإضافة إلى التصريحات الإيجابية التي صدرت عن صندوق النقد الدولي على هامش المؤتمر الذي عقده البنك المركزي المصري تحت عنوان " النمو الشامل وخلق فرص العمل" ،جاء تقرير "ستاندرد آند بورز" معلناً رفع التقييم السيادي للاقتصاد المصري من "B-" إلى "B". وهذا التصنيف يدعو إلى نظرة متأنية وشرح مبسط للقارئ. للدور الذي تقوم به وكالات التصنيف الإئتماني، ويستدعي القاء الضوء حول التاثير الايجابي لرفع التقييم السيادي للاقتصاد المصري.
أوّلا وقبل كلّ شيء، قد لا يعرف الكثير من القراء ما هي وكالات التصنيف الإئتماني، وما الدور الهام الذي تلعبه ويؤثر في قرارات المستثمرين والمقرضين سواء كانوا دول أم مؤسسات أم حتى أشخاص طبيعيين؟. وكالة التصنيف الإئتماني هي شركة يتم الاستعانة بها لتحديد تصنيفات الإئتمان، والتي تقيم قدرة المدين على تسديد الدين عن طريق سداد الفائدة بانتظام، وكذلك تقييم احتمال التخلف عن السداد. ويجوز للوكالة أن تقيم الجدارة الإئتمانية لمصدري التزامات الدين، وأدوات الدين. وقد يكون المصدرون للالتزامات أو السندات حكومات أو شركات ، حيث ييسر التصنيف الإئتماني تداول السندات في أسواق المال الثانوية. ويؤثر التصنيف على سعر الفائدة الذي يتم دفعه عن السند. ، فكلما انخفض التصنيف الإئتماني زاد سعر الفائدة التي يتطلب دفعها من قبل الجهة المصدرة، والعكس صحيح، كلما ارتفع التصنيف الإئتماني انخفض مستوى الفائدة.
وبالعودة إلى تقرير "ستاندرد آند بورز" نجد أن التقرير يعكس الرؤية حول الاقتصاد المصري، ويبرز تحسن مؤشرات ودعائم الاقتصاد المصري فى ضوء التقدم الذي تم تحقيقه في مسيرة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة المصرية منذ نوفمبر 2016. وبحسب التقرير، فقد أعزت قرار رفع التصنيف الإئتماني لمصر وللمرة الأولى منذ عام 2013 مستندة إلى التطورات الايجابية التي طرأت على خمسة أسباب رئيسية، وهى التحسن العودة النشاط الاقتصادي وتحسن هيكل النمو، حيث أشاد التقرير بارتفاع معدلات النمو مع توقعات بتحسن النمو في الأربع سنوات القادمة ، والارتفاع المستمر في مستوى الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتقلص عجز الحساب الجاري، والسيطرة على مستوي التضخم، والاستقرار السياسي.
أشار التقرير إلى أن الاحتياطي النقدي ارتفع إلى مستويات قياسية حيث بلغ نحو 44 مليار دولار وهو ما يكفي نحو ثمانية شهور من احتياجات مصر الخارجية.
وذكر التقرير أن عجز الحساب الجاري انكمش خلال النصف الأول من العام المالي الجاري أكثر من توقعاتها، بنسبة 64% ليصل إلى 3.4 مليار دولار، مدعوماً بالعودة القوية للسياحة والتحويلات النقدية. ويشمل حساب المعاملات الجارية، الميزان التجاري الذي يعبر عن الفارق بين الصادرات والواردات، والميزان الخدمي الذي يرصد متحصلات الدولة من الخدمات مثل السياحة والنقل، بالإضافة إلى التحويلات الجارية التي تشمل المساعدات والمنح. وتوقعت استمرار تحسن العجز ليصل إلى 2.7% خلال العام المالي 2020- 2021 في ضؤ التدفقات الرأسمالية القومية على مدى الأربع سنوات المقبلة، بالاضافة إلى مساهمة انتاج حقول الغاز الطبيعي في خفض عجز الحساب الجاري مما يساهم في تخفيف فاتورة استيراد مواد الطاقة بحلول نهاية عام 2019، وكذلك عودة السياحة التي ستنمي إيرادات العملة الأجنبية.
كما أشار التقرير إلى تحقيق مصر معدل نمو اقتصادي قوي بمتوسط 5.4% خلال الأربع سنوات القادمة، بعد أن كانت التوقعات تدور حول معدل نمو أقل خلال الأعوام المالية من 2018 إلى 2021 من متوسط 4.4% إلى 5.4%. وتستند التوقعات الايجابية لمعدل النمو إلى تنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية الكبرى ، ونمو إنتاج الغاز الطبيعي، وعودة السياحة وتحويلات العاملين المصريين في الخارج.
أما التضخم، فقد أشاد التقرير بانخفاضه مع استمرار التوقع بالانخفاض التدريجي ، لكنه سيظل مرتفعاً عند مستوى 11% وذلك بسبب استمرار الإجراءات الإصلاحية التي من شأنها أن تسبب ضغوط تضخمية.
وفيما يتعلق بالاستقرار السياسي، اعتبرت "ستاندرد آند بورز" أن إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيساً للجمهورية في مارس الماضي، يعد دلالة إيجابية للاستقرار السياسي واستمرارية الإصلاحات الاقتصادية والمالية في مصر.
هكذا يترجم التقرير أثار ايجابية تتلخص في إضفاء الثقة في الاقتصاد المصري، وتقليل حجم المخاطر حول الديون السيادية لمصر ما يساهم في تخفيض تكلفة الاقتراض من أسواق الدين العالمية بفوائد منخفضة عما سبق طرحه.
وفي ذات السياق عن تحسن الاقتصاد المصري، أصدر معهد هارفارد للتنمية الدولية تقريراً بعنوان "توقعات النمو العالمي الجديد"، تناول فيه التوقعات للدول الأسرع نمواً اقتصادياً خلال العقد القادم . وشغلت الهند وأوغندا راس قائمة الاقتصادات الأسرع نمواً حتى عام 2026 ، بنسبة نمو متوقعة 7.9 و 7.5 % سنوياً على التوالي، بينما حصدت مصر المرتبة الثالثة بنسبة نمو متوقعة 6.6%.. استند التقرير أن مصر تتمتع باقتصاد أكثر تنوعاً.
أما وفد صندوق النقد الدولي فقد أشاد بدور مصر في قطع خطوات كبيرة وثابتة في طريق الإصلاح الاقتصادي الذي يعكسه المؤشرات الإيجابية التي حققتها مصر في الفترة الأخيرة. مما يعد إنجازا كبيراً، ورسالة إيجابية لاعادة الثقة في الاقتصاد المصري.
الخلاصة أن تقرير "ستاندرد آند بورز" والاشادة بنتائج برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الخكومة المصرية مليء بالإيجابيات إلى جانب علامات الخطر التي لا ينبغي اغفالها مثل تفاقم الدين العام، خلق فرص عمل مستدامة، والزيادة السكانية، وترشيد دعم الطاقة. فمازال أمام الحكومة تحديات كبيرة لابد أن يتم التعامل معها بجدية وفقا لخطط عمل محكمة وإطار زمني محدد حتى تتجنب التأثير السلبي في حالة الإخفاق في تحقيق الإصلاحات والمحافظة على النجاحات المحققة