منذ مطلع عام 2019 شهد سعر صرف الجنيه المصري قدرا من التعافى خلال شهرى يناير وفبراير والأسبوع الأول من شهر مارس من هذا العام 2019، حيث انخفض سعر صرف الدولار فى السوق المصرفى من نحو 17.90ج/ للدولار إلى نحو 17.45 ج/ للدولار أى بنحو 2.5%.
السؤال المطروح الآن هو: ما الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
وهل يستمر هذا الاتجاه النزولى فى سعر العملة الخضراء؟
الإجابة يمكن تلخيصها فيما يلى:
أولا - عوامل داخلية تتعلق بنجاح جهود الحكومة والبنك المركزى فى اتخاذ السياسات الإجراءات الاقتصادية المناسبة لتحسين أداء الاقتصاد المصرى واستمراره فى تحقيق نتائج إيجابية لمؤشرات الاقتصاد الكلى التى تتمثل فى معدلات النمو والبطالة والتضخم وعجز الموازنة والدين العام والاحتياطى وإيرادات النقد الأجنبى.
ثانيا - عوامل ذات صلة بتغيرات البيئة الاقتصادية العالمية ونجاح سياسات الحكومة والبنك المركزى فى التعامل والتكيف مع التحديات التى تفرضها التقلبات الراهنة فى بيئة الاقتصاد العالمى التى تتمثل فى تباطؤ معدلات النمو العالمية والصراعات التجارية وأزمة الأسواق الناشئة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وتراجع الائتمان والاستثمار الأجنبى والتقلبات العنيفة فى أسواق النفط.
أولا - العوامل الداخلية التى تتلخص فى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى فى تحقيق نتائج إيجابية بدرجة انعكست على حدوث انخفاض فى قيمة الدولار مقابل الجنيه، والذى يعزى ببساطة إلى تزايد معدلات نمو المعروض من النقد الأجنبى مقارنة بمعدلات نمو الطلب عليه فى السوق المصرفى (Interbank).
١ - فيما يتعلق بأسباب زيادة المعروض من النقد الأجنبى فإنها تتلخص فيما يلى:
ا- التحسن الملحوظ فى أداء مضخات النقد الأجنبى غير المولدة لمديونية من كل من السياحة وتحويلات المصريين قناة السويس وتعافى إيرادات الصادرات السلعية والاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث من المتوقع تزايد حصيلة النقد الأجنبى لنحو 85 مليار بنهاية العام المالى الحالى 2019/2018 مقارنة بنحو 72 مليار دولار تحققت فى العام المالى المنصرم 2018/2017.
ب - زيادة تدفقات النقد الأجنبى من مصادر مولدة لمديونية كالاقتراض بضمان سندات دولارية أو باليورو من الأسواق العالمية أو من صندوق النقد والبنك الدوليين فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى، حيث من المتوقع أن تبلغ حصيلة تلك التمويلات نحو 15 مليار دولار فى العام المالى الحالى 2019/2018, مقارنة بنحو 12 مليار دولار فى العام الماضى 2018/2017.
ج - قيام البنك المركزى يوم 4 ديسمبر 2018 بإلغاء ضمانة الخروج الآمن لتدفقات صناديق الاستثمار الأجنبية (الأموال الساخنة) عند طلبها لذلك، والتى يستثمر معظمها فى أدوات الدين الحكومى (أذونات وسندات). هذه الآلية تمثلت فى احتجاز المركزى لتدفقات تلك الصناديق بالنقد الأجنبى لديه فى حساب مجنب (EscrowAccount) بعيدا عن احتياطياته مع صرفه لقيمة تلك التدفقات بالجنيه المصرى لتقوم باستثمارها فى أدوات الدين الحكومى. لقد أدى إلغاء هذه الآلية إلى تمكين هذه الصناديق الأجنبية من الضخ المباشر لنحو 2.5 مليار دولار بالنقد الأجنبى إلى السوق المصرفى وحصولها على المقابل بالجنيه المصرى بسعر الصرف السوقى دون ضمانة من البنك المركزى وهو ما أسهم فى حدوث الانخفاض الذى طرأ على قيمة الدولار فى السوق المصرفى منذ يناير 2019 حتى تاريخه.
- 2 فيما يتعلق بأسباب تباطؤ النمو فى الطلب على الدولار، فيمكن أن نعزيه إلى الأسباب التالية:
ا- زيادة الواردات بمعدلات منخفضة عما كانت عليه، فمثلا توقفت مصر عن استيراد الغاز الطبيعى من الخارج (باستثناء حصة الشريك الأجنبى) ما أدى إلى مزيد من توفير النقد الأجنبى الذى كان يستخدم فى استيراد الغاز الطبيعى فى الأشهر القليلة الماضية.
ب - كذلك أسهم الإجراء الذى اتخذه البنك المركزى بالتنسيق مع وزارة المالية وبالتشاور مع صندوق النقد الدولى فى شهر دسمبر 2018، بتطبيق سعر الصرف الحر فى السوق المصرفى (حاليا 17.45/ دولار) عند احتساب جمارك الواردات السلعية غير الضرورية (نهائية وخامات ومستلزمات إنتاج) والإبقاء على سعر صرف الدولار الجمركى المدعم والمحدد من قبل وزارة المالية بالتنسيق مع البنك المركزى (حاليا ١٦ ج/ دولار) ويستهدف هذا الإجراء تصحيح جزء مما تبقى من تشوهات فى سعر الصرف، وكذا ترشيد الطلب على النقد الأجنبى إضافة إلى حماية الإنتاج المحلى.
ج - زيادة قدرة البنك المركزى على إدارة محفظة ديون مصر الخارجية البالغة 98.6 مليار دولار (حتى نهاية فبراير 2019) بطريقة لا تشكل عنصرا ضاغطا على سعر صرف الدولار مقابل الجنيه فى السوق المصرفى. وفى هذا الخصوص، استطاع البنك المركزى تعزير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بزيادة احتياطياته الأجنبية إلى نحو 44 مليار دولار أى ما يزيد على ثمانية أشهر واردات سلعية حتى شهر فبراير 2019. كما استطاع أن يجدد أجل الودائع الخليجية والمستحقة عام 2019. كذلك، تلقى البنك المركزى لحصيلة السندات الدولارية التى طرحتها وزارة المالية فى فبراير 2019 بقيمة 4 مليارات دولار وقام بصرف مقابلها بالجنيه للوزارة هذا بخلاف تلقيه لمبلغ 2 مليار دولار قيمة الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولى فى يناير 2019.
أما فيما يتعلق بالإجابة عن التساؤل الخاص: هل يستمر تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى؟ وما انعكاسات ذلك على أداء الاقتصاد المصرى؟ الإجابة باختصار تتمثل فى قدرة صانعى القرار (الحكومة والبنك المركزى) على التعامل والتكيف مع المخاطر المالية والاقتصادية التى تفرضها التقلبات فى بيئة الاقتصاد العالمى التى سنتعرض لها بالتفصيل فى الجزء الثانى من هذا المقال فى العدد المقبل.
نقلاًعن جريدة الأهرام الاقتصاد