الدكتور عادل عامر
احتفال بسيط في عيد ميلاد أحدهم أو الرقص في فرح الجيران، أو مشروع سباحة خطرة في النيل غير المؤهل للسباحة، أو رحلة إلى الإسكندرية يعدون قبلها كل ما يحتاجونه من مأكولات ومشروبات في البيت بما يكفيهم طوال الرحلة وتقل نفقات الفسحة، أو حتى جلسة في أحد المقاهي التي أصبحت نافذتهم لمتابعة المارة مع"كباية شاي" بـ2 جنيه.
كل ما تحتاجه لقضاء يوم عيد ممتع حافل بالترفيه والمرح هو 30 جنيهًا، والاستيقاظ مبكرًا كي لا تفوت أية فقرة من البرنامج، فقط توجه إلى كورنيش النيل أو أية منطقة شعبية كإمبابة أو عين شمس أو بولاق الدكرور أو عزبة النخل أو أرض اللواء، وستجدها حافلة بـ”الملاهي الشعبية” التي تتميز عن نظيرتها الفخمة بأن الدخول والفرجة “ببلاش”.
في حين تكلفك تجربة اللعبة الواحدة جنيه فقط، ما بين “النطاطة” و”المراجيح” ولعبة “النيشان” وغيرها، أي أنك تحتاج 4 جنيهات فقط، لتجرب كافة ألعاب الملاهي الشعبية. إذا شعرت بالإرهاق بعدها، يمكنك أن تسترد بعض من طاقتك بجنيه واحد فقط، هو ثمن كوب فخم من عصير القصب، الزى لا يختلف أحد على طعمه ولا فائدته، وخلال هذا اليوم الحافل، يمكنك التحايل على أسعار المطاعم المرتفعة خاصة في العيد، وعلى مخاوفك الصحية بشأن عربات الأكل في الشوارع، ببعض “الساندويتشات” المنزلية الخفيفة. لم تعد «التمشية» على النيل متاحة للبسطاء، فهي لا تكلف إلا ثمن «كوز الذرة»، والوردة الحمراء، التي تطاردك بها بائعة فقيرة، بلكنة قروية، كما كانت تعرض مشاهد أفلام الأبيض والأسود، التي كان يظهر فيها الأسرة المصرية، إلى جوار العشاق الشباب
الذين يتنزهون بالمجان، في أكبر شرفة تطل عليها مصر، وهى النيل، قبل أن يتحول المشهد إلى ضجيج الأغاني المبتذلة، وفوضى المقاعد البلاستيكية، في ظل سيطرة البلطجية على مساحات واسعة من كورنيش النيل، التي تبدأ من الزمالك، مرورا بوسط البلد، وحتى رملة بولاق، وكوبري قصر النيل، مع ترديد العبارة الشهيرة «يا تشرب يا تمشى». في منطقة الكورنيش المواجهة لميدان عبد المنعم رياض، تم خلع وتكسير، المقاعد الحجرية، التي خصصتها المحافظة لرواد الكورنيش، واستبدال مقاعد بلاستيكية بها، و«نصبة شاي»، ولا يقل سعر الكوب هناك عن 5 جنيهات، مع عدم مراعاة اى معايير للنظافة، حيث يعمد صاحبها إلى غسل الأكواب في جردل من الماء المتسخ، لا يعرف آلية تغييرها. ولا يقتصر الحال على ذلك، وإنما تحاصر الأغاني البذيئة الصاخبة، رواد تلك المنطقة من الكورنيش، والتي تنبعث من عشرات المراكب النيلية المتهالكة، بأسلوب لا يخلو من الفظاظة. ولا يختلف الوضع بالنسبة لمنطقة رمله بولاق، وأسفل كوبري أكتوبر، حيث حول البلطجية الكورنيش لمساحة شبه مغلقة، يفترشونها بالمقاعد البلاستيكية، وكل ما سبق يفسر ظواهر السرقة والخطف والتحرش التي تتكرر بشكل مستمر في تلك المناطق، في ظل عشوائية نصبات الشاي هناك، التي تزداد يوما بعد يوم.
إنه من الصعب استبعاد الظروف الاقتصادية كدافع ساهم في انخفاض مستوى مظاهر احتفال المصريين.لان الظروف الاقتصادية تشكل ضغطا نفسيا على الإنسان وبالتالي تؤثر سلبيا على بهجة الأعياد إذ يقف الإنسان يفكر كثيرا: تكلفة الانتقال من خارج المنزل وهذا يجعل الإنسان يمتنع عن الخروج من المنزل حتى عند الأقارب حيث إن ثقافتنا المصرية تلزم اصطحاب هدايا حتى في الزيارات الأسرية.يجب ضرورة تدعيم ثقافة الترويح والعمل على زيادة الترابط والتخلي عن الثقافة المادية المرتبطة بتحميل أعباء على الإنسان مما يمنعه عن الإقبال على الزيارات الأسرية والتأكيد على أن التواصل هو الأهم من الهدايا.لان هناك أعياد دينية وأعياد سياسية، مشيرا إلى أن الأعياد الدينية تلعب دورا حيويا في تعديل سلوك الإنسان وتعديل منظومة القيم داخل المجتمع، لأنها تعتمد اعتمادا كليا على كل الفئات الموجودة داخل المجتمع وخاصة الأطفال.
أن استعادة مظاهر الفرحة تكمن في إعادة تمسك الأسر المصرية بشراء الملابس الجديدة وأيضا زيارة القبور والتخلي عن أساليب الاتصال الحديثة والحث على زيارة الأقارب والأصدقاء. إن الاقتصاد المصري يعيش حالياً أسوأ أيامه منذ زمن بعيد، فلا يوجد مستثمر أجنبي أو مصري يجرؤ على الدخول حالياً في الاستثمار في مصر بسبب الأوضاع الحالية وعدم التوافق الوطني التي تشهده خاصة في ظل قرار فرض حالة الطوارئ وحظر التجول التي تشهده مصر حالياً في بعض المناطق فأحداث العنف الحالية التي تشهدها مصر حالياً ستؤدى بالقطع - إذا استمرت - إلى زيادة فاتورة عجز الموازنة المصرية الذي من المتوقع أنه يتجاوز 228 مليار دولار بسبب انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار خاصة وأن مصر تستورد أكثر من 60% احتياجاتها من ناحية ومن ناحية أخرى سبب الأحداث الحالية وتأثيرها السلبي على عدم تدفق الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لمصر".أن ما أنفقه المصريون على شراء هذه الوحدات السكنية الفاخرة في المنتجعات السكنية والمنتجعات السياحية والشقق الفاخرة، منذ عام 1980 حتى عام 2012 نحو 894.6 مليار جنيه موزعة بين المنتجعات السكنية ( 124.6 مليار جنيه ) والمنتجعات السياحية ( 169.5 مليار جنيه )، والشقق الفاخرة بالتجمعات السكنية (153.9 مليار جنيه )، ثم أخيرا بالتجمعات المختلطة التي تتجاوز بها القصور والفيلات بالعمائر السكنية دون أسوار أو فواصل ( 446.6 مليار جنيه، بينما يبلغ عدد المناطق العشوائية 1221 منطقة على مستوى الجمهورية. وفى نظام تنسحب فيه الدولة من النشاط الاقتصادي تكفلت سياسة الخصخصة من ناحية، وتزاوج الثروة مع السلطة، من ناحية أخرى، بخلق احتكارات محلية وأجنبية تسيطر على قطاعات الإنتاج والتوزيع، وتسعى حثيثا للهيمنة على قطاعات التعليم والصحة ومرافق الخدمات العامة، وتفرض أسعارا للسلع والخدمات تطيح بالقوة الشرائية للجنيه المصري وبمستوى معيشة الجزء الأكبر من المواطنين. وتجلت أزمة النموذج المصري للنمو في حقيقة أن الاحتكارات المتحالفة مع سلطة الدولة قد شكلت بذاتها عائقا رئيسيا أمام نمو القطاع الخاص وخلق وتوسيع قاعدة عريضة من المشروعات المتوسطة والصغيرة.
كما تجلت أزمة النظام الرأسمالي المصري في نمط للاستثمار يركز على المشروعات كثيفة رأس المال وكثيفة الاستخدام للطاقة، بما يتناقض مع الخصائص الرئيسية للمجتمع المصري، كمجتمع يتميز بوفرة الأيدي العاملة، وارتفاع معدلات البطالة، وبما يشكل إهدارا لثروات طبيعية ناضبة، وافتئاتا على حق الأجيال المقبلة في تلك الثروات. وتركزت الاستثمارات بالأساس في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى في الوجه البحري، في تحيز واضح للحضر على حساب الريف من ناحية، ولمحافظات الدلتا على حساب الصعيد والمحافظات الحدودية من ناحية أخرى. ولم يقتصر الأمر في هذا الصدد على استثمارات القطاع الخاص، بل مثل أيضا النمط السائد للاستثمارات الحكومية في مجالات التعليم والصحة والنقل والمياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات والمرافق العامة. فبالإضافة إلى تواضع معدل الاستثمارات الحكومية، تركزت الغالبية الساحقة من تلك الاستثمارات أيضا في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى. وكان من الطبيعي أن يعجز هذا النمط من الاستثمار عن خلق فرص متكافئة للعمل وتوفير حياة كريمة للجماهير العريضة من المصريين في الريف والحضر.
وفى ظل سياسات اقتصادية تروج لها مبادئ الليبرالية الجديدة المعروفة بتوافق واشنطن، تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدوليين ووزارة الخزانة الأمريكية، أسفر النمو الاقتصادي في مصر عن تدهور أوضاع الطبقة العاملة نتيجة لسياسات الخصخصة وتصفية المصانع ووقوع الكثير من العمال تحت طائلة المعاش المبكر بشكل شبه قسري، وإجبار الآخرين على العمل المؤقت، مع الحرمان من الضمان الاجتماعي والحقوق العمالية وعدم وجود حد أدنى للأجور يكفل للعامل الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق وخبيرالقانون العام مستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومستشار الهيئة العليا للشئون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الازهر والصوفية.