بقلم - عمرو هاشم ربيع
مازلنا حتى الآن نناقش الأزمة الاجتماعية فى مصر، والاعتقاد أن تلك الأزمة تفوق الأزمتين السياسية والاقتصادية التى تمر بها البلاد، وذلك دون التقليل من حجم الأزمتين الأخيرتين. تحدثنا فى أكثر من مقال سابق عن التعليم والصحة. والآن يأتى دور الأسعار.
بقراءة متمعنة فى الكتاب الإحصائى السنوى للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الصادر لعام 2017، والصادر منذ شهور قليلة، فإن مستويات الأسعار أصبحت غير محتملة، بالنسبة للشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، فما بالنا بباقى الشرائح الأدنى منها فى الطبقتين المتوسطة والدنيا. وفقا للكتاب فإن أسعار الحبوب والخضر واللحوم والطيور والأسماك والألبان ومنتجات البقالة فى ارتفاع مستمر، وتلك الأسعار بالقياس بأسعار اليوم باتت أملا تجثو أمامه كل تلك الفئات، التى ما فتئ بعضها يبحث عن لقمة العيش بين أكوام القمامة، وصناديق المخلفات الموجودة أمام بعض المطاعم.
خذ مثلا ما رصده الكتاب فى ص 266 من أن أسعار اللحوم التى كانت فى يناير 2016 تباع للمستهلك بـ 90 جنيها وأصبحت تباع له بـ 100 جنيه فى أغسطس من ذات العام. هذه الأسعار وصلت الآن أى بعد عامين من هذا البيان الأخير إلى أكثر من 150 جنيها، أى بزيادة تصل إلى الثلث ويزيد. نفس الأمر رصده الكتاب فى أغسطس 2016 لباقى الأسعار، فالبيض الأبيض 32 جنيها للكرتونة أصبح الآن 38 جنيها، والسمك البلطى الصغير 23 جنيها للكيلو أصبح (رغم المزارع السمكية) 30 جنيها، واللبن الحليب 7.50 جنيه للكيلو أصبح 12 جنيها، الفول 15 جنيها للكيلو أصبح 18 جنيها، الطماطم 5.50 جنيه أصبحت 7 جنيهات، البطاطس 6 جنيهات للكيلو أصبحت 10 جنيهات... إلخ.
ما سبق لا يعدو مجرد عينة ومثال، وبالتأكيد إذا انتقلنا لأسعار مستلزمات البناء والمنظفات والأدوات المنزلية والكهربائية وغيرها لشابت الولدان من هولها. المؤكد أن كل ذلك مع ثبات الدخول والمرتبات خاصة لطبقة الموظفين يزيد من إرهاق المواطن على إرهاقه، بشكل لم تعد معه دعوات الصبر والتحمل وربط الأحزمة ذات جدوى، لا سيما مع قيام حتى الحكومة برفع أسعار المياه وكافة مصادر الطاقة وفرض الرسوم والضرائب على كل شىء تقريبا باستثناء النفس الذى يستنشقه المواطن، دون أن يقابل ذلك رفع للرواتب. وكذلك الصمت غير المبرر على رسوم التعليم فى المدارس والجامعات غير الحكومية، وأسعار المستلزمات المكتبية، ناهيك عن أسعار المستشفيات غير الحكومية، وارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، كل ذلك يتحكم فيه بلا رقابة أباطرة يدعون الاستثمار فى مجالى التعليم والصحة.
جزء من الأسباب المرتبطة بكل ذلك يرجع لضعف الرقابة والمحاسبة، وغياب المتابعة من أجهزة المتابعة بدءا من المؤسسات التنفيذية وانتهاء بالبرلمان. سبب آخر يرجع إلى المجتمع ذاته، بسبب ضعف الإنتاج، ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية. السبب الأخير هذا يعزو له التضخم فى أسعار السلع والخدمات وزيادة الاستيراد، لأنه مرتبط بتفضيل قطاع معتبر من الشباب العزوف عن العمل العام والخاص بسبب ضعف الرواتب أكثر من قبول تلك الرواتب حتى يحين الارتقاء لأعمال تدر دخولا أكبر. أسباب أخرى ترجع إلى تآكل رؤوس الأموال الثابتة التى تدر دخولا خيالية، ومن ذلك البناء على الأرض الزراعية. هناك أيضا حالة السفه الاستهلاكى لدى بعض المنتمين للطبقة العليا، وهو ما يغرى الحكومة لرفع الأسعار فى الأمور التى تتحكم فيها، مظنة أن هذا هو سلوك العامة وليس الخاصة. هذه هى بعض الملاحظات التى تحمل فى طياتها حلولا أو حتى مسكنات ولو مؤقتة للخروج من شرنقة الأسعار.
نقلاً عن جريدة المصري اليوم القاهرية