أحمد البلشي
في كثير من الأحيان نحتاج إلى مراجعة أحداث الماضي فنعود لكتب التاريخ كي نستطيع تقييم كل الأزمات والمواقف التي نعيشها في الحاضر، لكن نادرًا ما نستخلص حلاً مثاليًا يتطابق مع الحل الذي تم استخدامه من قبل لمواجهة الأزمة نفسه، فلكل زمن أبعاده، ولكل تاريخ معادلاته ومعطياته.
الأزمة هذه المرة على الأبواب، أزمة اقتصادية طاحنة أظنها تحدث قريبًا، بعدها ربما نضطر آسفين للاستعداد كي نعيش سيناريو الحرب العالمية الثانية مجددًا.
وهذا الزخم الذي نراه في قلب العالم "الشرق الأوسط"، خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأرض يترجم ما سيحدث في المستقبل القريب، فالصراع المحتدم على شريان الحياة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي "مضيق هرمز"، والذي كان نتيجته إعادة انتشار قطع من الأسطول الإيراني في مدخل الخليج العربي في تحد سافر للقوات الأميركية، الموجودة بالفعل منذ عقدين، وهو ما ينبئ بتطورات سيئة، ربما بتصاعد وتيرتها تؤدي إلى صراع مسلح بين الولايات المتحدة، وهي أكبر الخاسرين في حالة فقد السيطرة على المضيق، حاملة التأييد والدعم المطلق من دول الخليج العربي من جهة ، وعلى الجانب الآخر إيران صاحبة النفوذ القوي في منطقة الخليج العربي، والتي نجحت في إفراز مد شيعي وصل إلى مشارف مصر، والتي أيضًا تعتبر عدوًا دينيًا لدودًا للأنظمة ذات المرجعية السنية في شبه الجزيرة العربية؛ وهنا جدير أن أذكر أن مضيق هرمز يتحكم في حوالي خُمس صادرات النفط في العالم.
الصراع الأميركي ـ الإيراني أخذ بعدًا آخر هو التدخل لوقف حلم إيران النووي بمساعدة الكيان الصهيوني، حيث قد تستخدم الولايات المتحدة هذا الكيان في عمل عسكري يستهدف منشآت نووية إيرانية في وقت ما، ربما يكون هذا العمل العسكري وسيلة ضغط وتشتيت انتباه، أو مخطط لانتزاع مخالب الأسد الإيراني الشرس، وفي حالة نجاحه يتم فرض الشروط الأميركية "المعتادة" بشأن صادرات النفط الإيرانية، و من ثم السيطرة الكاملة على مضيق الحياة.
وتعتبر الولايات المتحدة، هذا المضيق شريانًا إستراتيجيًا لا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنه، على الرغم من ضمان النصيب الأكبر من صادرات النفط الليبية كفاتورة لتدخلها العسكري بشراكة "الناتو" لمساندة ثورة 17 شباط/فبراير حتى سقوط نظام القذافي؛ فصناع القرار في أميركا يعلمون جيدًا ماهية الأزمة التي هم مقبلون عليها بسرعة، ويعلمون أن سقف الدين العام قد تخطى حاجز الـ 15 تريليون دولار، ويعلمون أنه كلما رفع سقف هذا الدين تتعقد الأمور وتتشابك أكثر، حتى تأتي لحظة "قريبة" لا تستطيع فيها الولايات المتحدة الوفاء بجزء من التزاماتها، فتسقط "ومعها العالم" في الفخ التي نصبته بسياساتها الرأسمالية على المدى الطويل .. الفخ الناجم هو كساد عظيم يفوق كساد العام 1929، و لا يستطيع أحد التنبؤ بكيفية الخلاص منه إطلاقًا.
وكما حدث بعد الأزمة الاقتصادية السابقة، أتوقع أن تحدث حرب كبرى تغير موازين القوى على سطح الأرض، فتصعد قوة جديدة تتقلد زمام الأمور، وتسقط معها الرأسمالية المستبدة إلى الأبد.