بقلم-هاني أبو الفتوح
كلما قرأت بيانات تعداد السكان في مصر يصيبني فزع شديد من تأثير الزيادة السكانية على حاضرنا ومستقبلنا في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تحاول الحكومة إصلاحها، وانفجار سكاني يلتهم نتائج الإصلاح الاقتصادي.
والنتيجة أن المواطن الذي يعاني من ارتفاع تكلفة فاتورة برنامج الإصلاح الاقتصادي يئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار، ولا يشعر بالنتائج الإيجابية التي تُظهرها مؤشرات الاقتصاد الكلي طالما أنها لم تنعكس على أحواله المعيشية. الأسباب متعددة لكني سأتناول في هذا المقال أبرز المعوقات التي تعرقل مسيرة التنمية، وهي الزيادة السكانية الهائلة.
أود أن أشير في البداية إلى أن البيانات والأرقام التي استعنت بها مصدرها تقرير "مصر في أرقام – 2018" الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، والذي يحوي أهم البيانات الديموجرافية والاجتماعية والاقتصادية والمؤشرات الإحصائية عن مصر.
أشار التقرير إلى أن عدد السكان زاد خلال الخمسة عشر عاما السابقة نحو 20.3 مليون نسمة، إذ يبلغ عدد السكان في عام 2003 نحو 67.3 مليون نسمة، بينما سجل عدد السكان في يناير/كانون الثاني عام 2018 نحو 96.28 مليون نسمة. ويشكل عدد سكان مصر ما نسبته 1.29% من إجمالي سكان العالم، وتحتل مصر المرتبة 14 بين الدول من حيث عدد السكان، ويعيش حوالي 38.8% من السكان في المناطق الحضريّة. ومع الزيادة السكانية في مصر بلغ مستوى الفقر نحو 27.8 % على مستوى الجمهورية ككل.
وفي نفس السياق، أشار تقرير وكالة “بلومبرغ الأميركية إلى أن عدد السكان في مصر قد ارتفع في غضون سبع سنوات، منذ الإطاحة بمبارك في فبراير/شباط 2011 حوالي 11 مليون نسمة، وهو ما يعادل عدد سكان اليونان، ووصل معدل الأطفال إلى 3.5 لكل سيدة بدلا من التراجع التدريجي للهدف الذي وضعته الحكومة وهو 2.1.
ومن المؤشرات التي أثارت اهتمامي ولها دلائل على العوامل المؤثرة في معدل البطالة والتعليم والصحة والإسكان تلك المتعلقة بأعداد السكان طبقا لفئات السن ونسبة الأمية.
يشير التقرير إلى أن فئات السن أقل من 15 سنة تمثل 32.96% من اجمالي السكان، بينما الفئة بين 15 -39 سنة تقدر بنحو39.85% ، أما الفئة من 40 – 64 سنة تشكل 19.76%. يُستدل من هذه الأرقام أن مصر دولة شابة فتية، ويعتبر ذلك ميزة كبرى لو تم استغلالها بأسلوب علمي. فكثير من الدول شاخت وتفتقر إلى السكان في سن الشباب. لذلك تفتح باب الهجرة أمام الشباب للعمل في المهن والحرف التي تحتاج إلى مقومات شابة لا يستطيع مواطنيها القيام بها نظرا لتقادم أعمارهم. غير أن هذه الميزة يقابلها من ناحية أخرى توفير موارد ضخمة سنويا في ميزانية التعليم -لاسيما التعليم الفني والتدريب الحرفي – بالإضافة إلى الصحة والإسكان والمواصلات والبنية التحتية من كهرباء ومياه وطرق واتصالات. والأهم من ذلك خلق الوظائف وتوفير الغذاء لاسيما أن الرقعة الزراعية وإنتاجيتها تتراجع بشدة في مصر بالتزامن مع الدخول في مستوي الفقر المائي.
والمؤشر الأخر الذي أثار انتباهي هو نسبة الأمية بين السكان (10 سنوات فأقل) وقد بلغ 25.8% -21.2% للذكور و30.8% للإناث. وأرجح أن من أسباب الزيادة في تعداد السكان هو تفشي الأمية، وإن كانت الأسر المتعلمة أيضا لها نصيب في هذه الزيادة بسبب المعتقدات والموروثات الاجتماعية.
إذن نحن نسير قدمًا بسرعة الصاروخ نحو كارثة محققة إذا لم يتم التخطيط الجيد لإستعابة الزيادة السكانية، والتعامل مع المشكلة على أساس أنها قضية مصيرية. فينبغي أن تضع الدولة على سلم أولوياتها استراتيجيات واضحة قابلة للتنفيذ لمعالجة كارثة الزيادة السكانية، والاسترشاد بالتجارب الناجحة لدول أخرى لديها كثافة سكانية كبيرة مثل الهند والصين وماليزيا استطاعت تحويل المشكلة إلى مورد هام يوظف في تحقيق التنمية.
وفي الختام، إذا لم يتم التعامل مع الزيادة السكانية بدون استغلالها في التنمية فسوف نواجه كارثة كبرى يدفع ثمنها الأجيال المقبلة.