محمد رضا
في البداية يجب التوضيح أن وكالة التصنيف الائتماني "ستاندارد آند بورز" لم تخفض التصنيف الائتماني لمصر بل خفضت نظرتها للاقتصاد المصري من مستقر إلى سلبي وأبقت الوكالة العالمية على تصنيف الائتمان السيادي قصير وطويل الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية لمصر عند مستوى B- وأشارت "ستاندارد أند بورز" إلى أن النظرة السلبية تعكس وجهة نظرها في حدوث زيادة تدريجية في أوجه الضعف الخارجية (ميزان المدفوعات) والمال (عجز الموازنة) لمصر خلال الشهور الـ 12 المقبلة وتعتبر أن ذلك قد يضعف التعافي الاقتصادي للبلاد ويفاقم التوترات السياسية الاجتماعية وأنها قد تخفض التصنيف مباشرة إذا زاد نطاق الاختلالات في الاقتصاد المصري بما يتجاوز التوقعات الراهنة مثل انخفاض الاحتياطي الأجنبي بشكل أكثر سرعة من التوقعات الراهنة، ويعني هذا إن لم تتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري قبل المراجعة القادمة للتصنيف الائتماني لمصر من وكالة ستاندارد أند بورز سيتم تخفيض التصنيف الائتماني لمصر إلى مستوى CCC+ على الأقل.
وأرى أن ماحدث ليس بمفاجأة وإنما هو نتيجة طبيعية لإدارة خاطئة وكارثية للاقتصاد المصري سواء على صعيد الإدارة المال أو النقدية، والتي تسببت في تأزم الوضع الاقتصادي في مصر وكذلك الإصرار على الإستمرار في ذات السياسات المالية والنقدية والتي أدت إلى ضعف النشاط الاستثماري ودخول الاقتصاد المصري لحالة ركود تضخمي، ليؤدي إلى تراجع النمو للناتج المحلي الإجمالي حيث من المتوقع أن يبلغ 3% في نهاية العام المالي الحالي وذلك بعد أن ارتفع في عام 2015 إلى 4.2% في حين أن الموازنة العامة الحالية كانت تستهدف نسبة نمو 5%، ومن المتوقع أيضاً أن يبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي متوسط 3.8% خلال الفترة بين 2016-2019، بدعم من الاستهلاك المحلي والاستثمارات والتحويلات المالية المرنة من المصريين بالخارج، وبعض الاستثمارات الأجنبية الداخلية وتحسن إمدادات الطاقة بتشغيل حقل الغاز الطبيعي بنهاية 2017 والذي إكتشفته شركة "إيني" الإيطالية في مصر والتي توقعت أن يكون قادرا على إنتاج 850 مليار متر مكعب يوميا.
لنجد أن التوقعات كافة للنمو التي أعلنتها الحكومة في موازنة 2015-2016 بنسبة 5% وأيضاً في موازنة 2016-2017 بنسبة 5 إلى 5.5% بعيدة عن الواقع ومن الصعب تحقيقها، وبالنظر إلى مؤشرات أداء الأقتصاد المصري نجد ارتفاع الإنفاق على الأجور والمرتبات والدعم وخدمة الدين لتشكل 80% تقريباً من الإنفاق العام في الموازنة، وتفاقم العجز في الموازنة العامة عند مستوى 11.5 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015 وهو على المستوى الأعلى بين الدول ذات تصنيف ائتماني B-، وكذلك ارتفاع الدين العام لمستويات قياسية كارثية وتخطي المستويات الآمنة والتي تتجاوز 90% من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع تكلفة الدين العام لثلث الإنفاق العام في الموازنة، حيث نجد أن التغير السنوي في زيادة الدين العام 13.8% في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2012-2015 في حين تشير التقديرات إلى أن التغير السنوي في زيادة الدين العام سيبلغ مستوى 11.5% في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين 2016- 2019، أي أن الدين العام مرشح لتجاوز 95%- 99% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل غياب بدائل تمويلية لعجز الموازنة أو القيام بإعادة هيكلة الإنفاق العام في الموازنة.
كما نجد أيضاً تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذلك زيادة عجز ميزان المدفوعات، وتراجع الصادرات بشكل حاد ليؤدي لعجز في الميزان التجاري والذي سجل وفقاً لأخر إعلان عجزاً بنسبة 2.5% حيث من الناتج المحلي الإجمالي ومن المتوقع أن يبلغ متوسط العجز في الميزان التجاري 4.8 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2016-2019 في ظل توقعات بإنخفاض الصادارات وزيادة الطلب على الواردات ولن تكون تحويلات المصريين بالخارج وإيرادات قطاع السياحة وإيرادات قناة السويس والاستثمارات المباشرة كافية لتعويض العجز في الميزان التجاري، وبالرغم من أن الدعم المالي المقدم من بعض دول الخليج قد يوازن بشكل جزئي الضغوط الخارجية (ميزان المدفوعات) والمالية (عجز الموازنة) المتزايدة على لمصر ولكن التراجع الحاد في إيرادات النفط لدول الخليج يجعل هذا الدعم لمصر مشكوك في أستمراره مستقبلاً، في حين مازالت الهيئة المصرية العامة للبترول تستحق عليها متأخرات بقيمة 3 مليار دولار أميركي لشركات نفط أجنبية وأية تأجيلات في دفع مستحقات تلك الشركات قد توقف الاستثمار الأجنبي في قطاعي النفط والغاز في ظل بقاء أسعار البترول العالمية على ذلك المستوى المنخفض.
وعلى صعيد الأداء النقدي نجد تراجع حاد للاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية إلى 17 مليار دولار أميركي وأن معظم رصيد الاحتياطي النقدي القائم لا نمتلكه فعلياً لأنه عبارة عن ودائع من دول الخليج والواجب ردها عند ميعاد استحقاقها، وبالرغم من أنه من المتوقع أن تتلقى مصر 2 مليار دولار اميركي من الإمارات على شكل ودائع قبل منتصف 2016 ولكن يستحق على مصر سداد نحو 1.8 مليار دولار أميركي في تموز/يوليو 2016 وهي التزامات خارجية منها مليار دولار أميركي لقطر و800 مليون دولار أميركي لصالح نادي باريس.
وتتلخص السياسات النقدية التي أضرت بالاقتصاد المصري في طريقة إدارة البنك المركزي للاحتياطي النقدي والسوق الدولارية وتحديد سعر الجنيه وإتجاه أسعار الفائدة، حيث أصر البنك المركزي على سياسة توفير احتياجات السوق الدولارية من خلال الاقتطاع من الاحتياطي مما تسبب في نزيف حاد للأحتياطي لأتباع البنك المركزي لآلية العطاءات من خلال سوق الإنتربنك الدولاري لتوفير الدولار وتحديد سعر الجنيه أمام الدولار، حيث عانى الاقتصاد المصري بشدة من عدم توافر الدولار وإنخفاض حجم الاحتياطي النقدي وبدلاً من القيام بالحفاظ على الاحتياطي النقدي والبحث عن مصادر تمويلية أخرى للدولار لتلبية احتياجات السوق، قام البنك المركزي بوضع إجراءات صارمة لتداول الدولار ووضع نفسه كمصدر رئيسي لتمويل أحتياجات السوق من الدولار في الوقت الذي لايمتلك فيه البنك المركزي السيولة الدولارية الكافية لتلبية احتياجات السوق وكانت النتيجة أنه قام باستنزاف الاحتياطي النقدي ليزيد من مخاطر عدم قدرة مصر على الحفاظ على الاحتياطي النقدي عند المستويات الآمنة في ظل عدم قدرتها على زيادته مره أخرى مع توقعات انخفاض الدعم الخليجي وعدم تكراراه في ظل تحول ميزانيات معظم دول الخليج لتحقق عجزاً.
بالإضافة إلى أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لكبح السوق السوداء للدولار في ظل عدم توافر الدولار وفي ظل عدم قدرة المركزي على تلبية احتياجات السوق من الدولار أدت إلى عرقلة قدرة الشركات على الحصول على المكونات الوسيطة والمواد الخام والمعدات من الخارج مما أدى إلى تباطؤ نمو الاقتصاد المصري، وكذلك أصبح عدم توافر الدولار وفرض القيود على تحويلات الدولار للخارج أصبحت عائق جوهري أمام دخول المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار في السوق المصري سواء في الاستثمار المباشر أو إلى البورصة المصرية، وكل ذلك في ظل مستويات الفائدة المرتفعة التي أبقت تكلفة الاستثمار في مستويات مرتفعة أمام المستثمرين المحليين والأجانب، مما أدى إلى انخفاض انتاجية القطاعات الإنتاجية لينعكس ذلك على الاقتصاد القومي في انخفاض الصادرات وتراجع النمو.
كل ذلك يجعل من قيام وكالة "ستاندارد أند بورز" بتخفيض نظرتها للاقتصاد المصري من مستقر إلى سلبي ليست بمفاجأة، وذلك في ظل أن بيان الحكومة والموازنة العامة للعام المالي القادم 2016-2017 يزيدان من مشاكل وآلالام الاقتصاد المصري ولم يقدما أية حلول أو آليات حقيقية وتنفيذية لمواجهة التراجع الاقتصادي الحاد ومجابهة العجز المتفاقم للموازنة، وارتفاع الدين العام، ومواجهة عدم توافر الدولار ووقف نزيف الأحتياطي النقدي، وعدم قدرة الحكومة على إعادة هيكلة الموازنة العامة وتقليل الإنفاق بشكل مؤثر نظرا للنقص الحاد في الخدمات الأساسية، وعدم قدرتها على هيكلة الدعم والأجور وارتفاع تكلفة خدمة الدين.
والنقطة الأهم بأن نظرتنا للاقتصاد المصري ومؤشراته جاءت بناءً على التقرير والبيانات الرسمية المعلنة من وزارة المالية، ونجد أن وزارة المالية لم تفصح عن أداء الأقتصاد المصري خلال الشهور الماضية كما هو معتاد وأخر تقرير صادر عن وزارة المالية هو عن شهر أذار/مارس 2016 والذي يتناول بيانات ومؤشرات الأقتصاد المصري خلال العام المالي السابق وخلال النصف الأول من العام المالي الحالي وذكر فقط بعض البيانات عن الإيرادات والمصروفات حتى شهر شباط/فبراير 2016، ولم يفصح حتى عن نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من العام المالي الحالي.
وبقراءة البيانات المعلنة نجد فيها ارتفاع دين الموازنة العامة في كانون الأول/ديسمبر 2015 إلى 2545 مليار جنيه مصري بنسبة 89.8% من الناتج المحلي الإجمالي و يبلغ الدين المحلي 2368.5 مليار جنيه مصري بنسبة 83.6% من الناتج المحلي الإجمالي والدين الخارجي 47.8 مليار دولار أميركي بنسبة 13.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي إلى 3.1 مليار دولار أميركي بنسبة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز كلي في ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بقيمة 3.4 مليار دولار أميركي بنسبة – 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع العجز الكلي في ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بقيمة 3.4 مليار دولار أميركي بنسبة – 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع عجز الميزان التجاري خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بقيمة 8.9 مليار دولار بنسبة – 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع عدد السياح في كانون الثاني/يناير 2016 ليصل إلى 360 ألف سائح وعدد الليالي السياحية 2.6 مليون ليلة، ونجد أنه من غير المعتاد أن لا تفصح وزارة المال عن مؤشرات النمو والدين العام وميزان المدفوعات خلال كانون الثاني إلى نيسان/أبريل 2016.
ومن المتوقع أن تتبع وكالات التصنيف الائتماني الأخرى فيتش وموديز نفس إتجاه ستاندارد أند بورز في موعد المراجعة القادمة للتصنيف الائتماني لمصروالإتجاة للتخفيض سواء للنظرة المستقبلية أو للتقييم الائتماني، ويؤثر أي تخفيض للتصنيف الائتماني لمصر على جاذبية مصر للاستثمارات الأجنبية كما يؤدي إلى رفع الفائدة على القروض الخارجية والسندات الدولية مما يدفع لارتفاع تكلفة الدين العام في الموازنة العامة التي هي بالفعل حالياً في مستويات مرتفعة وغير مسبوقة وتمثل ثلت الأنفاق العام، كما يؤدي تخفيض التصنيف الائتماني إلى صعوبة الحصول على القروض الخارجية أو قيام الجهات المانحة والمقرضين وضع شروط جديدة للحصول على تمويل، وبالتالي فإن إستراتيجية تمويل العجز بالموازنة العامة من خلال الدين خلال السنة المالية المقبلة (تموز 2016- يونيو/حزيران 2017) والمعلنة من وزارة المال تتضمن إصدار لسندات يورو جديدة بقيمة 2 مليار دولار ، وقروض بقيمة 1.5 مليار دولار من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، وبالتالي فإن أي تغيير في التصنيف الائتماني سيهدد أمال نجاح طرح سندات اليورو وسيؤدي إلى رفع الفائدة عليها كما سيؤدي لقيام البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية بمراجعة موقفها وقد تفرض شروط جديدة وتزيد أسعار الفائدة.