توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفيديو كليب صورة افتراضية

  مصر اليوم -

الفيديو كليب صورة افتراضية

بقلم : الدكتورة مارغو حداد *

 الثقافة الغنائية والموسيقية تستهدف فئة المراهقين والشباب، فئة تتسم بالقابلية للإيحاء، والاستغراق في أحلام اليقظة والإنفتاح على عوالم الطموح والرغبة في تحقيق الذات، والبحث عن مثل عُليا يجري التوحد معهم من خلال نموذج الجنس الذي تطلقة الأغاني. وبهذا يكون لمثل هذه الوسائط والقنوات تأثيرها البالغ في اتجاهات المراهقين والشباب، وفي ميولهم  وتفضيلاتهم الجمالية والتربوية والأخلاقية، معتقدين أن ما يرونه هو الواقع، في حين أن ما يرونه ما هو إلا مجرد صورة للواقع، صورة افتراضية له، صورة يراد لهم أن يحلموا بها ويسعوا إلى العيش فيها، في حين أنها مجرد صورة وهمية أو غير حقيقية.                      

تبين أن الفكرة الرئيسية في بعض هذه الأغاني تدور حول قدرة المرأة على استخدام جمالها للسيطرة على الرجل. وبالإجمال قد تكون الموسيقى هي أكثر أنواع وسائل الإعلام تنميطاً في إظهارها للنساء، إذ ان صور النساء في الأغاني تحتوي على إيحاءات جنسية واضحة، مما يعيد تصنيفهن ضمن مجموعات محددة من قبل أدوارهن الجندرية. ويتم نشر هذه الصور من خلال أغطية الألبومات الغنائية التي تظهر النساء بطريقة وحشية أشبه بالحيوانات. إن المواضيع الجنسية أصبحت تعتبر أكثر عدائية من العنف ضد المرأة بحد ذاته، وبشكل عام. فمثلاً  تظهر موسيقى الروك النساء على أنهن عاطفيات، غير منطقيات، مليئات بالخوف يعتمدن على الآخرين وسلبيات، وغالباً ما يُرى الرجال كأشخاص مغامرين أو مسيطرين على الأمور وعنيفين. إن أثر هذه “الفيديو كليبات” على الجندر لم يوثق بعد بشكل علمي، ولكن بما أنها تعرض الخيال الجنسي والعدواني معاً، فإنها تفتح مجالاً لدراسات أخرى تقترح بأن الغرض من مثل هذه الصور لا يؤدي فقط إلى الرغبة في ممارسة الجنس، بل أيضاً إلى زيادة العنف ضد المرأة ، وقد تخلق بشكل غير مباشر بيئة قد يصبح فيها الرجال غير مبالين أو حتى مساندين للعنف ضد المرأة خلال الممارسة الجنسية .

كانت الأغنية في الماضي سواء في كلماتها ولحنها أو صوت المغني أو المغنية، تتحدث عن الحب بين الرجل والمرأة‏ (وبالعكس‏).‏ ومع هذا كان هناك أنواع أخرى من الأغاني‏:‏ فكان هناك أغنية أو اثنتان تتحدث عن الأم‏،‏ أو عن علاقة الأم بابنتها‏،‏ أو عن الطبيعة‏،‏ أي عن علاقات إنسانية خارج إطار موضوع الحب بين الرجل والمرأة‏. كما كان هناك أغان بالفصحى لبعض كبار الشعراء مثل شوقي‏،‏ والأخطل الصغير‏،‏ وإبراهيم ناجي‏،‏ وأغاني اسمهان مثل ليالي الأنس في فيينا‏،‏ وبعض أغاني عبد الحليم حافظ مثل لا تلمني، وأغاني فيروز‏،‏ وماجدة الرومي، حيث كان هناك تنوع في الموضوعات، وكان المونولوج الكوميدي للممثل إسماعيل ياسين وثريا حلمي، والأوبريتات (مجنون ليلى‏) وأغاني الأفلام غزل البنات، وأغاني التمثيليات الإذاعية كتمثيلية عوف الأصيل‏.‏ وبالطبع كان هناك الأغاني الوطنية التي كنا نسمعها طوال العام‏ وليس في يوم واحد في السنة، وهناك أغان دينية للمطربة فايدة كامل الشهيرة (إلهي ليس لي إلاك عونا )، وأغنية أسمهان (عليك صلاة الله وسلامة) واغاني الحب بين الرجل والمرأة مثل‏:‏ أغنية محمد العربي (عيون بهية)‏،‏ وأغنية محمد رشدي (قولوا لمأذون البلد ييجي يتمم فرحتي)‏،‏ وأغنية نجاة الصغيرة (كلمني عن بكرة وابعد عن امبارح)‏،‏ وأغاني ليلى مراد‏ (بحب اتنين سوى- شفت منام واحترت أنا فيه – الحب جميل للي عايش فيه‏)،‏ وأغاني محمد عبد الوهاب‏ (جفنه علم الغزل – عاشق الروح -الخطايا‏)‏ وأغاني عبد الحليم حافظ‏ (سمراء-وأنا كل ما أقول التوبة يا بوي‏)‏ وأغاني أسمهان‏ (دخلت مرة الجنينة – يا طيور‏)،‏ وأم كلثوم (ما دام تحب بتنكر ليه) و (الأطلال). فقد اختفى هذا التنوع تقريبا، فأغاني “الفيديو كليب ” في الماضي كانت متنوعة، لكنها اليوم تنحصر في الحب بين الرجل والمرأة .

وكانت الأغنية السينمائية المتنوعة في الشكل والمضمون كانت تقدم من خلال الأفلام،  فمنها الأغنية الكوميدية، مثل أفلام نجيب الريحاني (الممثل الكوميدي الراحل)، حيث كانت هذه الأغاني الكوميدية ، واحياناً تكون مع فرقة استعراضية ضمن سياق الفيلم، كالأغنية السياسية، المتخصصة في الأفلام ذات الطابع السياسي خاصة الأفلام الوطنية التي تحارب الأستعمار مثل فيلم (الأرض) ليوسف شاهين وأغنية (أرضنا عطشانة)، وكالأغنية العاطفية التي كانت تستخدم للتعبير عن الحب والعاطفة الانسانية عموماً، وكالأغنية الاستعراضية، التي كانت تعتمد على شهرة مطربي مصر عبر مراحل تطور الأغنية أو على الرقص الشرقي، وكالأغنية الدينية، إذ جاءت بداياتها مع بدايات السينما العالمية من خلال التراتيل الدينية من أجل ترسيخ المشاعر الدينية مثل فيلم (صائد الغزلان) لمايكل شميينوو، وكما جاء في مراحل لاحقة، الفيلم العربي (الرسالة) لمصطفى العقاد و(عمر المختار) وكان يخاطب العالم لمعرفة صورة العرب الحقيقية، أما اليوم فما زال دور الأغنية الدينية قاصراً في ادائها , كالأغنية التاريخية، ظهر هذا النوع في أفلام مثل “الناصر صلاح الدين ” مما أعطاها نكهة خاصة ودوراً متميزاً، والفيلم العالمي (ماكبث) و (أيفان الرهيب)، وكالأغنية الفولكلورية، مثل أفلام صلاح ابو سيف واستخدامه المتكرر للأغنية الفولكلورية (آه يا زمن)  والمخرج السوري “سمير ذكري في ” وقائع العام المقبل ” و”الأرض” ليوسف شاهين، وكالأغنية الدرامية، التي كانت تستخدم للضرورة الدرامية مثل ” عودة الابن الضال ” للمخرج يوسف شاهين.

والمعروف، أن الفن الموسيقي إبداع يرتقي بالذوق الاجتماعي والفهم الاجتماعي، ويناقش قضايا الأمة من خلال الكلمة والنص واللحن الجميل، ويقودك لترى من الواقع ما لا تستطيع أن تراه بمفردك لكن ما يحدث في بعض القنوات الفضائية المتخصصة في بعض أغاني “الفيديو كليب” هو التدني بمستوى الفن، وهذا لا يمنع من قيام نقاشات وحوارات تسعى في اتجاه ترسيخ الفن العربي الراقي الذي تتكامل أدواته من نصوص قوية، وألحان جيدة وأداء يمزج كل عناصر الأغنية العربية ، ليخاطب المشاهد العربي بلغة الإبداع والفن الحقيقي، وليس بلغة الصور المثيرة والجسد .

فرضت العولمة بواسطة أدوات الاقتصاد المباشرة وغير المباشرة نمطاً واحداً من التفكير على سكان الكرة الأرضية. لذا، اضحت الأغنية حملة دعائية لأمر سلعي خارج عن الفن تقاس في رؤوس الأموال التي يقررها المنتج وليس بنسبة طاقتها الإبداعية ومن المعروف أن مقومات الأغنية تقوم على عناصر رئيسية هي: الكلمة والتلحين والأداء. وكل عنصر من هذه العناصر متمم للآخر. لكن الأغنية أضحت تقدم بشكل غير مسؤول بهدف تجاري بحت، وكان من نتائجه الإساءة لأذواق المشاهدين وخاصة الأطفال وتخريب وسائل التربية الموسيقية في المدارس. وكما قال موسيقار الأجيال الراحل (محمد عبد الوهاب): “كلما كانت الأغنية منهارة في معناها وموسيقاها، أصبحت نوعا من التخريب الاجتماعي ” أن واقع الأغنية الحالي يسهم في هذا التخريب الاجتماعي سواء من حيث الكلمات، أو شكل الصورة، أو التلحين، أو الأداء. لذا ظهور الشركات التي تنتج اغاني” الفيديو كليب ” واعتماد البعض منها على الأنتاج الكمّي لا النوعي، في ترويج وتكريس للعبثية المشهدية التي لا نعرف الهدف منها إلا صرف النظر عن الجدية الفنية الهادفة، وثمة بلا ريب من يعمل على تهميشها، عبر استسهال مفجع في بعض كلمات الأغنية وتسطيح هائل في محاكاة الذهنية وتخريب متعمّد للذائقة الانسانية.

ان جعل الصورة تتمادى في جلب كل ما هو خيالي وما وراء الخيالي من أجل خلق ثقافة تكون الصورة فيها هي المجاز الكلي في عمليات الاتصال البشري. بل اصبحت القيمة تجارية، حيث يصعب في كثير من الأحيان ذكر أسماء كثير من المطربين أو المطربات، إنهم يظهرون فنشاهدهم ونتابعهم ويختفون فلا نتذكرهم، واصبح التكرار والإلحاح آلية من آليات ثقافة الصورة، ومهد الطريق للقول أن رسالة ما بعد الحداثة تكمن في أن الصورة أصبحت الآن سلعة تنتج آلياً، وجزءاً من منظومة السلع. مما يعمل على بروز ” أغنية افتراضية ” خالية من مقومات الأصالة والأبداع .

الدكتورة مارغو حداد أكاديمية في الجامعة الاميركية*

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيديو كليب صورة افتراضية الفيديو كليب صورة افتراضية



GMT 10:17 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا تستفز جمهورها بطوفان "وفاء"

GMT 08:23 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الراحل محمد راضي المحب لمصر

GMT 18:06 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر .. أسطورة الطوفان

GMT 21:34 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد زاهر قائد الطوفان

GMT 11:10 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حكاية زينة عاشور وعمرودياب

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon