توقيت القاهرة المحلي 16:39:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أداة رخيصة للعرض!

  مصر اليوم -

أداة رخيصة للعرض

بقلم: * الدكتورة مارغو حداد

ظاهرة الفاشينيستات أو الفاشينيستا أو فاشنيستو  التي تُطلق على الرجل، وتَعني أنه شخص بلا وظيفة ومهنة محددة، هو فقط يتَّبِع أسلوبَ حياة من منظوره الشخصى، وحسب ذوقة، ليكون مميزا بمظهره، عصر (ما بعد الحقيقة ) post-Truth Era لا قيمة للحقيقة طالما بالإمكان تجاهلها وتدنيسها والخلط بين الحقائق العلمية والمؤامرة ومخاطبة العواطف وزخم المعلومات التي يتلقاها البشر، كل هذا يؤدي إلى ما يمكن وصفه “شلل العقل” وإبقاء النقاشات في دائرة الجدل والسخري

 إن محاكاة الشباب لهؤلاء من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي سواء في الملابس أو عمليات التجميل ومنتجات تجميلية واستعراض ثرواتهم أومنتجات طبية إباحية …إلخ ظاهرة تستحق الدراسة وأرى أنها من مظاهر المجتمع الاستهلاكي، حيث أصبحت تلعب دورا يتزايد يوما بعد يوم في حياتنا اليومية، وتُقدِّم للشباب والأطفال والكبار عروضا مذهلة تُغرق المتابعين بإعلاناتهم التي تثقل كواهل الأسر، وتحوِّل منصات التواصل الإجتماعي لمواقع استعراض وحروب وإظهار حياتهم بأنها الحياة المثالية وتدمجهم في مجتمع الاستهلاك بشكل يؤثر في تفكيرهم  وسلوكهم.

أما المرأة الفاشينيستا فهي في الغالب أداة غواية لا أكثر. وهذا ما تستغله بعض الشركات الآن من خلال الفاشينيستا لاستخدامها وسيلة ترويجية رخيصة.

 باتت تدخل البيوت من دون رقيب.

وعليه، يجب التفكير في  “الفاشينيستات” أن يطرح جديا في مؤتمرات وندوات دُولية، لدراسة هذه الظاهرة . ففي عصر الثورة الصناعية الرابعة يصبح الجسد جزءا من ثقافة هذا العصر، ويصبح الجسد جزءا من ثقافة الصورة. وأخطر ما جاء في ثقافة الصورة في هذا العصر هو سيادة ثقافة الجسد في العالم كله، وتداوله بوصفه سلعة استهلاكية . كل إنسان يُقدِّر قيمة العقل والثقافة والإنسانية لن يحلم بدور يصبح فيه مجرد أداة للعرض . يقول آلان دونو : يمكن تدنيس العقل البشري بمجرد الاهتمام الدائم بأشياء تافهة .

وربما يكشف عن انقسام ثقافي متزايد بين هؤلاء الذين ينتسبون إلى أساليب الحياة والقيم الاستهلاكية الغربية، وبين هؤلاء الذين ينتمون إلى المعتقدات والقيم التقليدية. وربما يعكس هذا التضاد في الفوارق بين الطبقات الاجتماعية تماما مثلما هو حال الصراع بين المجتمعات الحضرية والريفية الذي لا يزال حاضرا في دول العالم الثالث.

إن أهم شيء في ظاهرة الفاشينيستات أصبح يتمحور حول إبراز مكونات الجسد الأنثوي بحيث لم تعد المنتجات ترتبط بمنطقة الكلمة والعقل أو المشاعر بل بمناطق الإغواء كأداة للترويج لبضائعهم، حيث مهد الطريق للقول بأن رسالة ما بعد الحداثة تكمن في أن الصورة قد أصبحت الآن سلعة تُنتَج آليا، وجزءا من منظومة السلع والاتصالات الكلية. وتكاثرت الفاشينيستات بشكل فطري أو سرطاني،وعبر بعض الشركات من خلال رؤوس أموال تريليونية عابرة بنفوذها للقارات، أصبح هناك مجال شاسع لتوظيف الفاشينيستات، والاعتماد على الجسد  فقط، فأصبحت الصورة مليئة بالمشاهد الغريزية البعيدة عن الفن الراقي الخلاق. وأعتقد أنها وجه جديد لغزو ثقافي أسهمت في تعميقه بعض شركات الإنتاج والمؤسسات الإعلامية العربية وطفت على السطح ظاهرة ما بات يُعرَف بـ”فاشونيستا الأطفال”فيما حذّرت دراسات أخرى من أن حسابات الأطفال والمراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي تعرّضهم لـ”التنمر”.

وتحذر الخبيرة التربوية والاجتماعية “حكمت بسيسو” في تصريحاتها لـTRT عربي من “تبدُّل الأدوار بأن يصبح الطفل وسيلة لجلب المال لا العكس، فهو باب لاستغلال الأطفال، وعمالة مقنَّنة، وإجبار الأطفال على أوضاع مرهقة بتصوير ومكياج وكوافير في سنّ مبكّرة، ويضيعون بهذا أجمل سني حياتهم”.وتَعتبر بسيسو أن هذا العالَم يغذِّي عقل الطفل بنزعة الغرور والتباهي ويقتل لديهم نزعات أخرى مثل البساطة والقناعة واحترام الذات، وتقول: “الطفل يشعر كأنه موظف في سنّ مبكرة بكل سهولة، يمتلك عددا لا يُستهان به من المتابعين، ويطرح أفكارا وموضوعات غير متخصص بها، ويقول لنفسه “لِمَ التعليم؟”، فيفكّر في ترك التعليم والتخصُّص.

في المجمل هذا الأمر يؤثّر مستقبلاً في التحصيل العلمي”، وطالبت بسيسو بسَنّ قوانين تمنع ما قالت إنه “استغلال سلبي من الأهالي لأطفالهم”.

وفي دراسة بريطانية حديثة صادرة عن جامعة “إسيكس” يقول أستاذ العلوم العصبية في جامعة مشيغان الأمريكيَّة: “يظهر الناس في مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على الاعتراف بهم اجتماعيّا. كل إعجاب وكل تعليق إيجابي على منشور في مواقع التواصل الاجتماعي ينشّط نظام المكافأة في الدماغ. هذه المناطق في الدماغ هي نفسها التي تَنشط عند الأكل أو ممارسة الجنس أو عند تعاطي المخدرات”.

فالقنوات الاتصالية التي خلقتها “لفاشينيستات”لخدمة أهدافها، قد ارتكزت على أمور عدة في مقدمتها التراكم Accumulation   والاستهلاك Consumption  لغرض إدارة رغبات الناس واحتياجاتهم، ما يساعد في حل المشكلات التي تواجه الأنظمة الرأسمالية. ولقد نجح الفكر الرأسمالي من خلال تسريع وتوسيع الاستهلاك في احتواء فكر الإنسان ووعيه وتوظيف القنوات الاتصالية والاستفادة منها في انتاج مستهلكين جدد من خلال تصنيع رسائل موحدة ومنمطة كل شيء فيها قابل للبيع، وقد ساعد في ذلك تطور الثورة المعلوماتية.لأن تلك الصور تنطبع في ذهن المراهق وذاكرته حتى يألفَها وتصبح لديه شيئا عاديًّا، والخطورة تظهر عندما يفقد المراهق هذه الصور ويتذكرها بعد ذلك ويريد أن يُشبع غرائزه بأية طريقة، فلا يجد أمامه سوى الانحراف . إن التأثير المتنامي لهؤلاء الفاشينيستا يؤثر  في نماذج حضارية وقيمية معينة، ويعمل على إغفال نماذج أخرى، وإظهار تأثيرات ثقافية وذهنية معينة مع خلق حالة من الترويج والانتشار، كما تعمل على منافسة الأسرة في عقر دارها والتأثير الخاص في الأطفال، فالأجهزة الإعلامية والاتصالية ليست مجرد ناقلة للمعلومة والمعرفة، وإنما هي ذات قدرة كبيرة على نشر الثقافات وترويج أنماط حياتية معينة وغرس منظومات معينة خصوصا ان بعضهم قد يعزز مفاهيم دينية واجتماعية تضر الشخص نفسه.

وعليه؛ فقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور الذهنية”Images” التي تسهم في خلق ثقافة جديدة تعتمد في مجملها على الحسيات وتهمل الثقافة. والقيم في الكثير من الأحيان فيها ظلم حقيقي للمجتمع الذي يقع فريسة لهذه الصور وينزلق في مجال تقليدها من دون إدراك أو وعي حقيقي، فهناك مظاهر “للحداثة” تُصنع حيث تتحول التقاليد إلى شكل من الاستقرار برغم الحركة الظاهرة والتعبيرات أو صور التغيير التي تبرز، وبذلك تبدو الصور الحداثية مجرد انعكاس متجدد أو حديث لنفس المعتقدات القديمة. وهنا تكمن الخطورة .

*      أكاديمية في الجامعة الأميركية

 * الدكتورة مارغو حداد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أداة رخيصة للعرض أداة رخيصة للعرض



GMT 10:16 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما يزهر الخريف

GMT 11:00 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الراحة النفسية في ارتداء الملابس أهم من المنظر الجذاب

GMT 23:57 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

نقطه ضعفك سر نجاحك

GMT 13:29 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فوائد زيت الزيتون للعناية بالبشرة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon