توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صناعة النشر .. القوة الناعمة التي تعزّز جسور التواصل بين العرب وأميركا اللاتينية

  مصر اليوم -

صناعة النشر  القوة الناعمة التي تعزّز جسور التواصل بين العرب وأميركا اللاتينية

بدور بنت سلطان القاسمي

عدت مؤخراً من زيارتي إلى البرازيل، بعد المشاركة للمرة الأولى في معرض ساو باولو الدولي للكتاب، وكانت فرصة مثالية لاكتشاف ما تحفل به هذه الدولة النابضة بالحياة، وما جاورها من بلدان تتقاسم معها الأرض والتاريخ والمصير، من نقاط تواصل والتقاء مع العالم العربي، خصوصاً في ظل التحول الاقتصادي والاجتماعي الكبير الذي شهدته دول أميركا اللاتينية على مدار العقد الماضي،  والتراجع في  معدلات الفقر والأمية، التي حرمت في السابق الكثيرين من سكان تلك المنطقة من متعة القراءة واقتناء الكتب.
 
لقد أتاحت لي هذه الزيارة  فرصة التواصل والنقاش مع الناشرين، والمفكرين، والمؤلفين من كافة بلدان أميركا اللاتينية، حيث استنتجت أنه وبالرغم من بعد المسافة الجغرافية، إلا أن أميركا اللاتينية تتشارك معنا تجربةً حديثةً  من التطور الاقتصادي والاجتماعي التي أوجدت جيلًا مثقفاً  في العالم العربي وأمريكا اللاتنية يتخذ من القراءة وسيلة لدخول المستقبل، وهذا ما يؤكد لي أن القواسم المشتركة التي تجمعنا مع هذه المنطقة من العالم يمكن أن تساهم في تطوير وتنشيط العلاقات مع دول أميركا اللاتنية على مستويات عديدة.
 
وفي مثل هذا التطور السريع والنمو الاقتصادي، ارتفعت معدلات  الاستثمارات الحكومية في مجال التعليم والمعرفة والصحة والبنية التحتية، ما عزز الاهتمام نحو التحول للاستثمار برأس المال البشري، ونظراً لأن دور النشر لها دور رئيسي  في نشر المعرفة بأمريكا اللاتينية والعالم العربي وجميع أنحاء العالم، فقد لعبت دوراًمحوريا  في تعزيز تلك التحولات.
 
وجدت في أميركا اللاتينية، كما هو في العالم العربي، مجتمعاً شاباً، أكدته إحصاءات الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً يمثلون ما يقارب من 20% من سكان المنطقتين، وهذا القطاع السكاني المتنامي والمليء بالحيوية، يرتبط بالتكنولوجيا الرقمية، وتتزايد فيه معدلات التعليم والثقافة، ويرغب بالحصول على المزيد من تنوع المحتوى، وهو ما يتيح للناشرين الدوليين، في كلتا المنطقتين، فرص نمو ضخمة ويعزز التجارة البينية الإقليمية مع الأسواق الناشئة في قطاع النشر.
ولكن رغم هذا التقارب بين العالمين، هناك فجوة كبيرة في العلاقات التجارية بين دور النشر في أميركا اللاتينية ونظيراتها في العالم العربي، حيث أن أحدث الإحصاءات التجارية الصادرة من الأمم المتحدة توضح أن حجم تجارة الكتب بين العالم العربي وأميركا اللاتينية يبلغ قرابة مليون دولار سنوياً فقط، وأن 94% من تلك التجارة هي صادرات الكتب من العالم العربي إلى أميركا اللاتينية، وهذا يعني أن الناشرين في هذه القارة، القريبة منا في مجتمعها الشاب، وصاحبة الأسماء العالمية الشهيرة في الرواية والأدب، لم يكتشفوا بعد جميع الفرص التي يمكن من خلالها الدخول إلى أسواقنا، وتعزيز تجارة الكتاب بين منطقتينا.
 
وتوضح نفس الدراسة نشاط صناعة النشر والكتب في دولة الامارات العربية المتحدة حيث أن دولتنا تُصَدِّر ما نسبته 83% من إجمالي الكتب العربية إلى أميركا اللاتينية سنوياً، وهذا ما يُحفزنا على المزيد من التطوير لصناعة النشر في دولة الامارات وجميع الدولة العربية ومشاركة ثقافتنا وفكرنا مع جميع أنحاء المعمورة.  وفي المقابل، تقدر قيمة صادرات الكتب من أميركا اللاتينية إلى الدول العربية بـ59,314  دولاراً أميركياً فقط، حيث أن 80% من إجمالي هذه الصادرات يتوجه إلى كل من الإمارات، والمملكة العربية السعودية، والكويت، والجزائر، ولبنان، والأردن.  
وفي نفس السياق، فإن تجارة الكتب المترجمة بين المنطقتين لا تزال ضئيلة على الرغم من زيادة الطلب العالمي على الأدب القصصي المترجم ومقارنة بعدد المغتربين العرب الكبير في أميركا اللاتينية،. ووفقاً لفهرس الترجمات بمنظمة اليونسكو، فقد تُرجم 97 كتاباً من اللغة العربية إلى البرتغالية، وهي اللغة الرسمية في البرازيل، بينما تُرجم أكثر من 1000 كتاب من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية المنتشرة في معظم بلدان أميركا اللاتينية، في حين تمت ترجمة 373 كتاباً بالإسبانية و36 كتاباً بالبرتغالية إلى اللغة العربية. وهذه الأرقام تؤكد على وجود فرص كبيرة لتطوير وتعزيز العلاقات التجارية في مجال صناعة الكتب والنشر والترجمة بين المنطقتين.  
تعيش في أميركا اللاتينية جالية عربية كبرى، يقدر عدد أفرادها بما يتراوح بين 17 و30 مليون نسمة، وهذا يجعلها أكبر قارة تستأثر بالعرب خارج حدود بلدانهم الأصلية، ويتراوح أعداد المغتربين العرب في أميركا اللاتينية بين 1400 شخص يعيشون في غويانا الفرنسية، التي يقيم فيها العدد الأقل من العرب في القارة، فيما يصل عدد الجالية العربية في البرازيل إلى 12 مليون نسمة، أي أكثر من عدد السكان في العديد من الدول العربية. وتشير التقديرات إلى أن عدد المغتربين من أصول لبنانية في البرازيل وحدها أكثر من عدد اللبنانيين الموجودين في لبنان نفسها.
 
ورغم أن المغتربين العرب في أميركا الجنوبية أكثر اندماجًا سياسياً واجتماعياً من نظرائهم في أوروبا على سبيل المثال، فإنهم ما زالوا يحتفظون بالانتماء الثقافي لأوطانهم. فمثلاً تحظى كتب الطهي الخاصة بالمأكولات العربية بشعبية كبيرة في أميركا اللاتينية، إضافة إلى الكتب التي تتناول تاريخ العالم العربي، وعاداته، وتقاليده، والأعمال الأدبية، وخاصة الرواية، وبالتالي هناك فرصة كبيرة للناشرين العرب لزيادة حجم الكتب العربية المترجمة في أسواق أميركا اللاتينية، وتتضح فرص نمو هذه المنتجات الثقافية من خلال الصادرات الإماراتية إلى أميركا اللاتينية والتي ارتفعت نسبتها إلى 186% في الفترة من عام 2009 إلى آخر عام توافرت فيه الإحصاءات.
 
قرأت ذات مرة مقالاً في مجلة "Publishing Perspective" تحت عنوان "نعمة الترجمة: هل يمكن للقراء بأمريكا اللاتينية أن يتفوقوا على القراء الإنجليز؟"، اعتبر كاتبه أن نجاح الناشرين من أميركا اللاتينية يتمثل في اجتياحهم لسوق الترجمة بالمملكة المتحدة من خلال مجموعة من الكتب المترجمة. بينما  لم يحققوا نفس النجاح في الحصول على فرص متاحة لدخول سوق العالم العربي، رغم وجود اهتمام كبير من قبل القراء العرب بالحصول على الأعمال المترجمة، التي تحمل أسماء كتّاب لاتينيين، وخصوصاً في مجال الرواية.
وبالرغم من أن وجود نهج مماثل للوصول للقُرّاء الناطقين باللغة الإنجليزية في دول مجلس التعاون الخليجي قد يكون فعالاً، فإن النهج الذي قد يكون أكثر نجاحاً لدخول السوق العربية هو التركيز على الكتب العربية المترجمة لتلبية الطلب على التنوع الأدبي الذي لم يستطع الناشرون العرب تلبيته حتى الآن.
 
من جانب آخر، أظهرت العديد من الدراسات أن التركيز التقليدي لدور النشر العربية على موضوعات محددة مثل الثقافة، والتاريخ، لم يتطور ليواكب اختلاف أذواق القراء وتفضيلاتهم للموضوعات الأكثر تنوعاً. وباعتبارها واحدة من أكثر المناطق ارتباطاً بالتكنولوجيا الرقمية على مستوى العالم، فإن سكان المنطقة العربية، والذين يشكل الشباب نسبة كبيرة منهم ويتبنون وسائل التكنولوجيا الحديثة والتقنية الرقمية، يوفرون فرصة كبيرة لدور النشر في أميركا اللاتينية لتلبية الطلب المتزايد على المحتوى العربي المتمثل في الكتب الإلكترونية، والتطبيقات، والفيديو، والتسجيلات الصوتية، والأجهزة المعلوماتية، والألعاب، والتعليم الإلكتروني.
 
لقد حصل شبه إجماع بين زملائي العرب واللاتينين  خلال معرض ساو باولو للكتاب على ضرورة المشاركة الفعالة للناشرين الإماراتيين والعرب في معارض الكتب الرئيسية في أميركا اللاتينية، مثل معرض بوينس آيرس ومعرض غوادالاخارا الدوليين للكتاب، إضافة إلى مشاركة الناشرين اللاتينيين في معارض الكتب العربية، إلى جانب الاستفادة من الدعم الحكومي، ومنح الترجمة، والجوائز الأدبية، لتعزيز العلاقات الثقافية بين الجانبين، والتي ستثري قطاع النشر وتفيد القراء في مختلف أنحاء العالم.
 
إن ترسيخ العلاقات الثنائية بين المنطقتين لا يتحقق بالتبادل الدبلوماسي والتجاري في السلع فحسب، بل أيضا بتعزيز التبادل التجاري في قطاع النشر والثقافة بين العالم العربي وأميركا اللاتينية مما سيؤدي حتما إلى تقوية روابط  التعاون والتفاهم بين شعوب المنطقتين،  ونحن في جمعية الناشرين الإماراتيين عازمون على المضي قدما في  تطوير العلاقات الثنائية مع أميركا اللاتينية وعلى تطويرصناعة النشر وفتح قنوات جديدة  مع جميع شعوب العالم والاستفادة من فرص كثيرة ومتنوعة في صناعة آفاق أوسع بكثير مما هي عليه الآن!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة النشر  القوة الناعمة التي تعزّز جسور التواصل بين العرب وأميركا اللاتينية صناعة النشر  القوة الناعمة التي تعزّز جسور التواصل بين العرب وأميركا اللاتينية



GMT 11:15 2023 الجمعة ,01 أيلول / سبتمبر

عام دراسي يتيم في اليمن

GMT 11:37 2024 السبت ,02 آذار/ مارس

أطفالنا بين القيم والوحش الرقمي

GMT 21:34 2021 السبت ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

في متاهات التعليم

GMT 14:13 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

العنف ضد المرأة حاجزا فى سبيل المساواة والتنمية

GMT 06:33 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

مصر ونظام جديد للثانوية العامة

GMT 13:18 2018 السبت ,28 إبريل / نيسان

نداء إلى وزير التعليم قبل وقوع الكارثة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon