بشير خلف
إن النص الأدبي الجزائري مُغيّبٌ من قديم، وما ظهر منه منذ الاستقلال ظهر على استحياء، فحتى النصوص المقررة في كل محطات النظام التربوي الجزائري، سواء ما كانت قبل المدرسة الأساسية، أو ما بعدها فيما أُطلق عليه النظام التربوي القاعدي أو الموسوم حاليًا بمرحلة الإصلاح ..على قلة هذه النصوص لا تقدم صورة مشرفة عن الأدب الجزائري، ولا عن تطوره من خلال نصوص معاصرة أبدع فيها أدباء أحياء معاصرون، وكأن المشرفين على البرامج ينكرون بروز هذه الأقلام، أو يريدون حجبها عن الناشئة..النصوص المقررة لا تسمح بالتقاط نبضات الوجدان الجزائري، وخصوصيته الإنسانية.غالبًا ما نلقاها نصوصًا نمطية للوطنية والحماسة، وإبراز مآثر الثورة والمجاهدين..هذا نعم ونؤكده بدورنا وندعّمه، لكن هذا لا ينفي أن الإنسان الجزائري له واقع يعيشه، وله نوازع إنسانية ينبغي إشباعها من خلال النص الأدبي الجميل، وليس الوصفي أو التاريخي فحسب.
وفي العام 1988 خصّص الكاتب الروائي المرحوم الطاهر وطّار ملفًّا خاصًا في مجلة " التبيين " التي تصدرها الجاحظية في العددين12/13 حول تغييب النص الأدبي الجزائري في الكتاب المدرسي، شارك في الملف الكثير من الكُتّاب ممّن يهمهم الأمر، وكلهم من القطاع.
وفي العام 2000 أعدّ الكاتب والروائي ورجل التعليم خدوسي رابح ملفًّا قيّمًا حول وجود النص الأدبي الجزائري بالكتاب المدرسي، وصدر الملف في العدد الثاني من مجلة" المعلم" التي يشرف عليها آنذاك الأستاذ رابح في شهر تموز/يوليو العام 2000 شارك في هذا الملف أساتذة من القطاع، ويعرفون الكثير عن الموضوع منهم كاتب هذه السطور، والأستاذ الشاعر لخضر فلوس، والأستاذة حشمان كريمة، والأستاذة خيرة حمر العين.
وحتى نتمكن من المقارنة بين ما كان عليه حال النص الأدبي الجزائري من تغييب قبل المدرسة الأساسية وأثناءها..الكل يعلم أن الحركة الأدبية والثقافية التي شهدتها الجزائر في مرحلة السبعينات والثمانينات كانت مرحلة مميّزة، سواء من حيث غناء المشهد الثقافي الجزائري، أو من حيث الإصدارات، وعلى الرغم من ذلك، فالنص الأدبي الجزائري الذي عاصر تلك المرحلة ما وجد مكانه في الكتاب المدرسي، والدليل على ذلك أن كتاب الالعام الخامسة الابتدائي الذي كان مقرّرا حتى منتصف الثمانينات قبل أن يحل محله كتاب الخامسة للتعليم الأساسي في نظام التعليم الأساسي، من بين تسعين نصا به، فإن نصيب الأدب الجزائري ثلاث نصوص نثرية جزائرية، ونصان شعريان جزائريان من بين عشرة نصوص أدبية، أمّا كتاب الالعام السادسة لتلك الفترة فقد خلا من النصوص الشعرية، ومن بين نصوصه النثرية "105 نعثر على 5 نصوص فقط لأدباء جزائريين".
كما أننا اِطلعنا على الكتب المدرسية المقررة آنذاك في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي، ونقّبنا عن النص الأدبي الجزائري بها، وخرجنا بخلاصة قارنّاها مع دراسات أخرى أجراها أساتذة ميدانيون، لاسيّما الدراسة القيمة والدقيقة التي قام بها الأستاذ إسماعيل حاجم، ونشرتها مجلة التبيين الصادرة عن الجاحظية في العددين:12/13 من العام 1998، كلها أجمعت على أن معدّي الكتاب المدرسي في كل مستويات مراحل التعليم وسنواتها مُجمعون على إقصاء النص الأدب الجزائري، لأنه يكلفهم البحث والتنقيب، فيفضلون النصوص الجاهزة في كتب جاهزة لكُتاب وأدباء مشارقة، أو لكتاب وشعراء جزائريين من مرحلة ما قبل الثورة أو أثناءها، أضفْ إلى ذلك أغلب النصوص التي يعتمدونها يغلب عليها الوعظ والإرشاد، وكأنها تسعى إلى ترويض الناشئة بذلك.
وربّما القارئ الكريم يعتقد أنه بتنصيب المدرسة الأساسية الذي كان في أيلول/ سبتمبر 1980 ومواصلة تنصيبها حتى اكتمال سنواتها بعد ست سنوات سيكون حال النص الأدبي الجزائري أحسن وجودًا، غير أننا من خلال معايشتنا الميدانية في القطاع ودراستنا للكتاب المدرسي ظهر لنا أن التغييب ظل متواصلا بدليل ما يلي:
ـ إذا أخذنا كتاب القراءة في السنوات الثلاث للطور الأول من التعليم الأساسي، باعتباره الكتاب اللغوي الوحيد، فلا نجد نصوصًا أدبية سواء لأدباء جزائريين أو غيرهم، على اعتبار أن هذه المرحلة تستهدف بالدرجة الأولى إكساب المتعلمين مهارات القراءة والكتاب، وأوليات التعبير الشفهي والكتابي.
أمّا مرحلة سنوات الطور الثاني"4 ،5 ،6" وهي ما يطلق عليها مرحلة التعلّم واكتشاف المحيط، وبداية الولوج في فضاء المعرفة، والتواصل بالطرق والأساليب العلمية والمنطقية المتعددة، والاستفادة من التراث الإنساني، والتفتح على الآفاق الإنسانية الأرحب عن طريق حصص التعليم العادية، وحصص المطالعة الحرة، والشبه الحرة، وحصص دراسة النصوص الأسبوعية..لتحقيق تلكم الغايات، لا شكّ أن النص الأدبي الجزائري نراه جديرًا بتكوين التلميذ الجزائري هذا النص بحثنا عنه في سنوات الطور الثاني فما وجدنا منه إلاّ أقل القليل.
.في الالعام الرابعة: نص شعري جزائري واحد من بين 10 نصوص مقررة.و3 نصوص أدبية نثرية جزائرية من بين 7 نصوص جزائرية مقررة.
والالعام الخامسة: نصان شعريان جزائريان من بين 8 نصوص شعرية.ونصان أدبيان جزائريان فحسب.
وفي الالعام السادسة: كتاب القراءة عدد النصوص به 103 نصًا ما بين شعري ونثري نعثر به على نصيْن أدبييْن نثرييْن جزائريْين، ونص شعري جزائري واحد، والبقية نصوص بعضها، وهي قليلة من وضْع معدّي الكتاب، والبقية وهي الأغلبية نصوص لأدباء مشارقة أغلبهم من مصر، ونصوص أخرى مجهولة المصدر.
إن النص الأدبي الجزائري يكاد ينعدم ممّا هو مقرر في هذه السنوات الثلاث المهمة في تكوين الناشئة، أما النصوص النثرية الأخرى، أغلبها نصوص موضوعة من معدّي البرامج، والبقية لأدباء غير جزائريين كلهم رحلوا، وما تتضمنه هذه النصوص، حتى وإنْ كانت تدعّم مكتسبات المتعلم لغويًا، وتربطه بأبناء أمته في الوطن العربي والإسلامي، إلاّ أنها غير معاصرة وبعيدة عن خبرات المتعلم، وما يجري في محيطه، وغير وظيفية، ونؤكد أن هذه "الكتب درسناها، وقيّمناها،وعايشنا استعمالها منذ صدرت".