بشير خلف
إن التربية والتعليم اللذيْن هما جزء من ثقافة الطفل، حتى وإنْ هناك البعض من المربّين الذين يروْن عكس ذلك، حيث يؤكدون وباستمرار أن تربية الطفل تُستمدّ وبنسبة كبيرة من المدرسة :
(( يجب الإكثار من الحدائق العامة للأطفال، ومن رياض الأطفال لمن عمرهم دون سنّ الدراسة الابتدائية، حيث يقضي الأطفال أوقاتهم في الألعاب والموسيقى، وتُهيّأ لهم الوسائل للنظافة والتغذية الضروريتين لنموّهم، كما يجب أن تشرف عليهم مربّية تغرس فيهم العادات السليمة، وتكافح استعمال الألفاظ البذيئة وخشونة المعاملة ؛ فإن حياة الطفل في هذه المرحلة ” لَـذاتُ تأثير على مستقبله الثقافي .))
وتتجلّى الثقافة المدرسية أكثر في مرحلة التعليم الابتدائي حيث تُكتسب مهارات التعليم والتعلّم التي هي الأداة الفعّالة في التعامل مع المحيط واكتساب المعارف، وكذلك تكوين شخصية المتعلم، حيث يؤكد هذا المربّي على هذا النوع من التثقيف بقوله :
(( إن هدف التعليم الابتدائي ” بثّ الثقافة العامة في الجيل الناهض ”، وتنشئة جيل مزوّد بما تتطلّبه الحياة المدنية من معلومات عامة، وتفكير صحيح، وجسم قوي، وأخلاقٍ متينة، وروحيات سامية، وذوْقٍ سليم، ويدٍ عاملة، وإخلاص وتضحية في سبيل الأمة والوطن .)) (1)
وفي مرحلة التعليم الإعدادي التي هي بداية المرحلة الأخيرة من الطفولة وبداية البلوغ، يرى فاضل الجمالي أنها مرحلة مهمة في تشكيل شخصية الطالب وإكسابه تعليما وتثقيفا يؤهلانه كي يأخذ مكانه وبجدارة في مجتمعه إذا ما توجّه للحياة العملية، أو تفتحان الأبواب أمامه كي يواصل تعليمه العالي ..ففي نظره أن أهدافا كهذه كفيلةٌ بالتكوين والتثقيف :
تعويد الطلاّب على الاستقلال الذاتي في البحث والتتبع، وتنمية الروح العلمية فيهم .
تعويدهم على الملاحظة والتجربة في المختبرات، وفي الطبيعة، وفي المحيط، وتدريبهم على الدقة والضبط في كل ذلك .
تعويدهم على التفكير المنطقي، مع تنمية روح الانتقاد الذاتي فيهم .
الاهتمام باللغة الأجنبية اهتماما جدّيا، وذلك لضرورتها لمواصلة الدراسة العالية، ولأهميتها في الحياة العصرية .
تنشئتهم على تحمّل المسؤولية، ووضْع الثقة فيهم ومحاسبتهم على أعمالهم وسلوكهم حين يضطلعون بالمسؤولية .
الاهتمام بتنمية الذوق الفني والاجتماعي لديهم .
العناية بتنمية القدرات الإبداعية والمواهب الخاصة . (2)
هي نقاط مهمة يراها إذا ما تمّت العناية بها من طرف مَنْ بيدهم أمْر التربية والتعليم، فإنها تُعزّز ما تمّ في مرحلتي التعليم ما قبل المدرسي والتعليم الابتدائي . وبالتالي فإن تثقيف الطفل العربي يتحقّق بنسبة عالية، وما يأتي من تثقيف خارجي ما هو إلاّ مكمّلٌ .
لسنا في مجال التربية المقارنة هنا، وإلاّ لأوْردْنا ما تتضمنه مناهجنا وبرامجنا التعليمية في كل طبعاتها من أول منهاج تعليمي ببلادنا والذي صدر سنة 1964 بعد سنتين من إخراج المستعمر البغيض من هذا الوطن، إلى آخر منهاج صدر في أفريل 2004 والذي يحدّد بدقة ملْمح الطفل الجزائري بعد إنهائه مرحلة التعليم القاعدي ( مرحلة التعليم الابتدائي )،مرورا بمنهاج 1967، ومناهج المدرسة الأساسية المتّهمة باطلا في محاورها، ومضامينها، وخرّيجيها، ورجالاتها ..في كل هذه المناهج سيّما مناهج المدرسة الأساسية، فإن روح التثقيف وتنمية القدرات الإبداعية واكتشاف المواهب ورعايتها، وتكوين مهارات اكتساب المعارف ذاتيا، وتوظيف المحيط بكل مكوناته لتدعيم عملية التربية والتعليم ..واعتماد ـ التعلّم ـ في كل المستويات والمراحل الذي يمكّن هذا المتعلم من أن يكون عنصرا فعّالا في كسْب المعرفة .
ثراء المناهج بالغايات والأهداف السامية، وغنى البرامج بالمحاور المختلفة التي تستهدف تكوين الطفل نفسيا وروحيا، وبدنيا، وعقليا، ومدنيا ووطنيا، وإنسانيا ..ليس بالضرورة أن يكوّن لنا طفلا متعلما ومثقفا ثقافة الطفولة التي نتكلم عنها في هذه الفصول وننشدها، إذا لم نلتفت بجدّ وبصدق لعوامل أخرى مرتبطة أيما ارتباط بوظيفة التربية .
حصادنا من التربية كل سنة ماذا يساوي ؟ الــمستوى الفكري والعلمي لخرّيجينا في كل المراحل، مقارنة مع دول أخرى أو حتى جارة لنا، ما قيمته ؟
في الحقـيقة الجواب نجده في مستوى هؤلاء وأولئك بعد سنوات من تخرّج، أو مغادرة مقاعد الدراسة من هذه الجحــافل من المتعلمين قبل الأوان( التسرّب المدرسي )، ونجده أيضا في نظرة مجتمعنا إلى الثقافة والتثقيف والمثقفين، والاعتبار الذي يُوليه أولو الأمر في الجزائر وفي جميع المستويات إلى الثقافة والتثقيف .
الهوامش:
1 ـ د .محمد فاضل الجمالي : آفاق التربية الحديثة في البلاد النامية .ص60ــ 61 .المؤسسة الوطنية للكتاب .
2 ـ د . محمد فاضل الجمالي : مرجع سابق ص 65 ( بتصرّف ) .