كتبنا كثيراً عن تصريحات الوزراء وكيف أنها تفتقد المواءمة السياسية وظروف المناخ العام ، بل يمثل معظمها حالة تشتت وإرتباك خصوصاً لو تعلق الأمر بشيء يخص الرأي العام ، والحقيقة أن ذلك راجع لعدة أسباب منها أن الوزراء لا يأتون من بيئة سياسية تعلموا فيها كيف يخاطبون الرأي العام في قضايا حساسة كالتعليم والصحة والتموين وسائر الخدمات ، ومنها أن وزراءنا اعتادوا التسرع في إطلاق التصريحات حتى قبل أي دراسة متأنية للأمر ، ومنها أن بعض الوزراء مصابون بمرض ( الجمل الناقصة ) بمعني أنهم يقولون – أحياناً – كلاماً غير مفهوم أو حَمّال أوجه يمكن تفسيره أو تأويله حسب فهم كل من يسمعه ، ومنها أن بعضهم يأتي إلي الوزارة وهو لا يعرف عنها شيئاً من قبل ولا يحمل أي خبرة في عمل إختصاص الوزارة ، ومنهم من يخلط بين العام والخاص في الرأي ، ومنهم من لا يستطيع التفرقة بين ما يقال في الإعلام وما لا يقال !
لذلك يحدث بين الحين والحين أزمات لا معنى ولا مبرر لحدوثها لكنها تأخذ من هيبة العمل العام ومن هيبة الوزارة وتسيء للحكومة بشكل عام ، وهناك أزمات حدثت تسببت في إستقالة وإقالة وزراء بسبب تصريح لم يراع المناخ العام ، أو زلة لسان ليس فيها مواءمة سياسية ، وكل هذا يأخذ الكثير من الوقت والجهد لكي تتضح الصورة أو يتم إعتذار رسمي من المخطئ ، وفي كل الأحوال لسنا في حاجة إلي ذلك ، ولعل الأزمة الأخيرة بين المعلمون ووزير التعليم والتي تصاعدت فيها نبرات الخلاف تؤكد أن هناك خطأ يجب التصدي له والوقوف على أسبابه التي تتكرر كثيراً في مختلف وزارات الحكومة !
الأسئلة التي نخشى من الإجابة عليها كثيرة ، وربما- بل من المؤكد – غياب الإجابة هو سبب تكرار هذه الأزمات منها :
* هل نحن على إستعداد لقبول إجراءات الإصلاح في التعليم وما ينتج عنه من آثار .. أم أننا نطالب بما لا نقدر على تحمله ؟
* هل جميع المعلمون- بلا إستثناء - مقتنعون أنهم يؤدون واجبهم في المدارس كما يجب من شرح واف للمواد الدراسية ورعاية التلاميذ في الفصول ؟
* ألا يفضل معلمو الدروس الخصوصية مصالحهم الخاصة على حساب مصالح التلاميذ حتى في حجم الجهد المبذول داخل الفصول الدراسية .. هذا إذا تواجدوا في الفصول من الأصل ؟
* كم تصل نسبة المعلمون الذين يطورون من مهاراتهم في الشرح ، وفي إحتواء تلاميذهم في الفصول ؟
* متى يمتلك الوزير أو المسؤول شجاعة الإعتذار عن الخطأ الذي يقع فيه بقصد أو بدون قصد ، ومتى نجد حساباً سياسياً للوزير أو المسؤول من رئاسته باللوم والتنبيه بمراعاة مقتضيات وواجبات وظيفته ، وإذا عاد للخطأ يستبعد من مكانه ؟
* هل هناك آلية واضحة تحقق الردع للمعلم المقصر في أداء رسالته العلمية ، والمعلم الذي اعتاد التزويغ من عمله واستحل راتبه كاملاً آخر الشهر حتى وإن كان لا يكفيه ؟
* هل ننكر أن هناك الكثير – أو البعض – عديمي الكفاءة ومع ذلك لا يقبلون مجرد الإشارة إليهم بعدم الكفاءة ، بل يرفضون تطوير أنفسهم ؟
* لماذا يفكر كل أولياء الأمور في البحث عن الدروس الخصوصية لأبنائهم من قبل بداية العام الدراسي .. هل هى موضة أم لأن هناك تقصيراً واضحاً في المدارس في الشرح والتعليم ؟
* بماذا نسمي من يتقاضى راتباً لا يؤدي عنه عملاً يرضي ضميره ويرضي الله قبل ذلك ؟
* لماذا لا يتعلم الوزراء كيف يختارون كلماتهم بعناية وهم يواجهون الرأي العام من خلال الإعلام في أي صورة من صوره بحيث لا تقبل التأويل أو تحميلها مالا تحتمل ؟
* هل وقع وزير التعليم في مصيدة الحوار الذي أُجري معه بحيث لم يأخذ الفرصة لشرح وجهة نظره كاملة وواضحة ، ولماذا لم ينشر حوار الوزير كاملاً وتم حجز 25% منه ، وما معنى أن في الحوار ما يُعرض الوزير للإقالة وتم حجبه عن النشر ؟
في تقديري أن الأزمة فيها الحق والباطل معاً فإذا كان الوزير قد أخطأ في وصف المعلمون واتهمهم بعدم الكفاءة أو بالسرقة فإن المعلمون لا يعترفون بالتقصير أو الإهمال أو التزويغ ويعتبرون ذلك حق لهم لأن مرتباتهم لا تكفي شأنهم شأن غالبية العاملين في الجهاز الإداري للدولة الذين يرفعون شعار ( على قد فلوس الحكومة ) !
خلاصة الكلام .. هل هناك حملة ضد كل من يواجه الفساد والفاسدين.. هل هناك مافيا في الوزارة تحرك البعض لإسقاط الوزير الذي يسعي بجدية لإصلاح منظومة التعليم وإقتحام مشاكله المزمنة ؟ أظن ذلك .. وليس كل الظن إثم !