توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شماعات ميتافيزيقية

  مصر اليوم -

شماعات ميتافيزيقية

أسماء سعد
بقلم - أسماء سعد

"الميتافيزيقا" تشير في الأغلب إلى الظواهر الغريبة، أو الأشياء الخارقة للعادة، مشتقة من كلمة إغريقية تعني "ما وراء الطبيعة"، الشعوب النابهه المتقدمة ومنظريهم منذ الأزل، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمامها، أو يكتفوا بالبكاء على مايصيبهم لأسباب غير مفهومة، وإنما جعلوا من " الميتافيزيقا" علم، حاولوا التعمق فيه، وترويضه، وعدم الاكتفاء بالتسليم للظواهر الروحية والنفسية.

أما في مجتمعاتنا العربية، فتظهر بين الحين و الآخر، منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، عن صور لمقابر تمتلئ بالأعمال السفلية والصور الملطخة بالدماء، والتعاويذ الغريبة، و مع رصد سيل التعليقاتالتعليقات(. عليها والتفاعل معها، الذي يصل إلى مئات الآلاف، تدرك فورا حجم الأزمة التي لايزال يعيشها العقل العربي.

"الأعمال السفلية، الحسد، السحر، النظرة، المس" ليست مجرد مصطلحات عابرة، وإنما جزء أساسي في حياة الكثير من الناس، حتى في عصرنا الحالي، الذي، يشهد جموح التكنولوجيا وتمكن البشر من بلوغ أقصى ما في الحداثة والعولمة، والتوصل لحلول أدق المشكلات العلمية والتقنية.

بالتأكيد مر عليك شخص وربما كنت أنت يوما ما، أسند كل وقائع الفشل، والإخفاق، والخيبات، إلى كل ماهو غيبي ومعنوي وقدري، ورمى بأسرع مايمكن كل مالديه على شماعات: الحسد، الحقد، السحر، الأعمال.

رغم أننا نشيع عن أنفسنا أننا شعب متدين بطبعه، وهو مايستدعي في هذه الحالة، أن نؤكد على مطلق الثقة في الله، وهو رب كل شئ ومليكه، الإرادة المطلقة والمحرك الأوحد، لكن ميكانيزم عقولنا لايعمل بهذه الطريقة، فدوما مايكون الأذى من صنع بشر، تجد ذلك في صياغات: "عينها وحشه، نظرته نار، عينه مدوره، حد باصصلها في حياتها". 

تستطيع بسهولة في منطقتنا العربية، أن تسند ضياع أضخم مشروع في حياتك، سواء عاطفي، مهني، عائلي، فورا إلى: الحسد، السحر، لا أحد ينكر الإتيان على ذكر كل تلك المسميات في القرآن، لكن السياق الذي ترد فيه دوما مرتبط ومقترن بأن إرادة الله أكبر وأسمى وأقوى.

لكن تلك الشماعة "مريحة"، سهلة، تزيح اللوم عن كاهلك، تفتح النار على الجميع بشكل عشوائي إلا أنت، تضع الجميع في قفص الاتهام، باستثناءك أنت، تحدد بدقة سوء نية فلان، أو الحقد الدفين في علان، دون أن يكون لـ: تواضع قدراتك، الخطأ في حساباتك، تراخيك، فشلك، كسلك، تقصيرك، أي حسبان.

ربما المقاربة مع مجتمعات غربية تكون أكثر وضوحا، نعم لديهم معتقاداتهم الدينية، ويستعينون بما يعتنقوه لدفع الشرور، ولكن أبدا ليس بهذا الهوس، هم شعوب برجماتية لأقصى درجة، يبحثون طوال الوقت عن تحقيق هدف لايتنازلون عنه، ومع التعرض لأي فشل غير متوقع، لايكون ذلك أبدا بسبب "العين أو السحر أو الحسد"، تجدهم يعملون المنطق التحليلي بأبرع مايكون، يتقصون خطواتهم، ويراجعون معطياتهم، يبحثون عن أسباب الفشل داخل أنفسهم، لاخارجها، كما نفعل نحن، ينججون في أغلب الأحيان، بينما نفشل نحن في كل الأحيان.

المسألة ليست عقدة الخواجة، وإنما الفوارق في التعامل مع أي نكبة أو مصيبة أو فشل، يستدعي المقارنة بكل مافيها، ربما المسألة ضاربة في القدم علينا وليست ظاهرة أو موجة ارتفعت توا، ولكن الخوف الهوسي والمرضي من "الحسد" قد عززه وأشعله "مواقع التواصل الاجتماعي".

تلك المنصات الحديثة، جعلت من أيامنا وأحداثنا "حياة مصورة"، وهي مسألة إيجابية ومسلية وأرى أنها الهدف من تلك المواقع في الأساس، ولكن ليس كل حالة طلاق مرتبطة بصورة سابقة تجمع الزوجين في حالة سعادة، ليس كل مرض مفاجئ لطفل مقترن باحتفاء أمه بصوره له، خسارة شركتك ليس لها علاقة بالحديث عن نجاحها في منشور ومشاركته مع الأصدقاء.

في الحالات السابقة، فتش عن الأسباب الحقيقية، عن مشكلات مزمنة متراكمة بين الزوجين، عن فيروس معدي بين الأطفال، عن إهمال أو تقصير لم يكتب للشركة دوام النجاح، لماذا لاتعمل عقولنا بهذه الطريقة، لماذا حرمونا من الاستمتاع بحياتنا ولحظاتنا، خوفا وذعرا وارتيابا.

أتمنى شخصيا، أن يصيبنا الدور، وأن ننتزع من قواميسنا: الأرواح والأشباح والجن والحسد، ونستبدلها بـ: العقل والجسد والزمن والفضاء والاحتمال والضرورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شماعات ميتافيزيقية شماعات ميتافيزيقية



GMT 08:28 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

عنف الطفولة يتحول جحيم السيكوباتية

GMT 09:59 2019 الجمعة ,23 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 21:32 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عالم الأمومة المفخخ

GMT 21:48 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

أجيال

GMT 11:32 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الطفولة العربية والمستقبل

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon