توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شماعات ميتافيزيقية

  مصر اليوم -

شماعات ميتافيزيقية

أسماء سعد
بقلم - أسماء سعد

"الميتافيزيقا" تشير في الأغلب إلى الظواهر الغريبة، أو الأشياء الخارقة للعادة، مشتقة من كلمة إغريقية تعني "ما وراء الطبيعة"، الشعوب النابهه المتقدمة ومنظريهم منذ الأزل، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمامها، أو يكتفوا بالبكاء على مايصيبهم لأسباب غير مفهومة، وإنما جعلوا من " الميتافيزيقا" علم، حاولوا التعمق فيه، وترويضه، وعدم الاكتفاء بالتسليم للظواهر الروحية والنفسية.

أما في مجتمعاتنا العربية، فتظهر بين الحين و الآخر، منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، عن صور لمقابر تمتلئ بالأعمال السفلية والصور الملطخة بالدماء، والتعاويذ الغريبة، و مع رصد سيل التعليقاتالتعليقات(. عليها والتفاعل معها، الذي يصل إلى مئات الآلاف، تدرك فورا حجم الأزمة التي لايزال يعيشها العقل العربي.

"الأعمال السفلية، الحسد، السحر، النظرة، المس" ليست مجرد مصطلحات عابرة، وإنما جزء أساسي في حياة الكثير من الناس، حتى في عصرنا الحالي، الذي، يشهد جموح التكنولوجيا وتمكن البشر من بلوغ أقصى ما في الحداثة والعولمة، والتوصل لحلول أدق المشكلات العلمية والتقنية.

بالتأكيد مر عليك شخص وربما كنت أنت يوما ما، أسند كل وقائع الفشل، والإخفاق، والخيبات، إلى كل ماهو غيبي ومعنوي وقدري، ورمى بأسرع مايمكن كل مالديه على شماعات: الحسد، الحقد، السحر، الأعمال.

رغم أننا نشيع عن أنفسنا أننا شعب متدين بطبعه، وهو مايستدعي في هذه الحالة، أن نؤكد على مطلق الثقة في الله، وهو رب كل شئ ومليكه، الإرادة المطلقة والمحرك الأوحد، لكن ميكانيزم عقولنا لايعمل بهذه الطريقة، فدوما مايكون الأذى من صنع بشر، تجد ذلك في صياغات: "عينها وحشه، نظرته نار، عينه مدوره، حد باصصلها في حياتها". 

تستطيع بسهولة في منطقتنا العربية، أن تسند ضياع أضخم مشروع في حياتك، سواء عاطفي، مهني، عائلي، فورا إلى: الحسد، السحر، لا أحد ينكر الإتيان على ذكر كل تلك المسميات في القرآن، لكن السياق الذي ترد فيه دوما مرتبط ومقترن بأن إرادة الله أكبر وأسمى وأقوى.

لكن تلك الشماعة "مريحة"، سهلة، تزيح اللوم عن كاهلك، تفتح النار على الجميع بشكل عشوائي إلا أنت، تضع الجميع في قفص الاتهام، باستثناءك أنت، تحدد بدقة سوء نية فلان، أو الحقد الدفين في علان، دون أن يكون لـ: تواضع قدراتك، الخطأ في حساباتك، تراخيك، فشلك، كسلك، تقصيرك، أي حسبان.

ربما المقاربة مع مجتمعات غربية تكون أكثر وضوحا، نعم لديهم معتقاداتهم الدينية، ويستعينون بما يعتنقوه لدفع الشرور، ولكن أبدا ليس بهذا الهوس، هم شعوب برجماتية لأقصى درجة، يبحثون طوال الوقت عن تحقيق هدف لايتنازلون عنه، ومع التعرض لأي فشل غير متوقع، لايكون ذلك أبدا بسبب "العين أو السحر أو الحسد"، تجدهم يعملون المنطق التحليلي بأبرع مايكون، يتقصون خطواتهم، ويراجعون معطياتهم، يبحثون عن أسباب الفشل داخل أنفسهم، لاخارجها، كما نفعل نحن، ينججون في أغلب الأحيان، بينما نفشل نحن في كل الأحيان.

المسألة ليست عقدة الخواجة، وإنما الفوارق في التعامل مع أي نكبة أو مصيبة أو فشل، يستدعي المقارنة بكل مافيها، ربما المسألة ضاربة في القدم علينا وليست ظاهرة أو موجة ارتفعت توا، ولكن الخوف الهوسي والمرضي من "الحسد" قد عززه وأشعله "مواقع التواصل الاجتماعي".

تلك المنصات الحديثة، جعلت من أيامنا وأحداثنا "حياة مصورة"، وهي مسألة إيجابية ومسلية وأرى أنها الهدف من تلك المواقع في الأساس، ولكن ليس كل حالة طلاق مرتبطة بصورة سابقة تجمع الزوجين في حالة سعادة، ليس كل مرض مفاجئ لطفل مقترن باحتفاء أمه بصوره له، خسارة شركتك ليس لها علاقة بالحديث عن نجاحها في منشور ومشاركته مع الأصدقاء.

في الحالات السابقة، فتش عن الأسباب الحقيقية، عن مشكلات مزمنة متراكمة بين الزوجين، عن فيروس معدي بين الأطفال، عن إهمال أو تقصير لم يكتب للشركة دوام النجاح، لماذا لاتعمل عقولنا بهذه الطريقة، لماذا حرمونا من الاستمتاع بحياتنا ولحظاتنا، خوفا وذعرا وارتيابا.

أتمنى شخصيا، أن يصيبنا الدور، وأن ننتزع من قواميسنا: الأرواح والأشباح والجن والحسد، ونستبدلها بـ: العقل والجسد والزمن والفضاء والاحتمال والضرورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شماعات ميتافيزيقية شماعات ميتافيزيقية



GMT 08:28 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

عنف الطفولة يتحول جحيم السيكوباتية

GMT 09:59 2019 الجمعة ,23 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 21:32 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عالم الأمومة المفخخ

GMT 21:48 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

أجيال

GMT 11:32 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الطفولة العربية والمستقبل

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon