تعيش مصر الذكرى الـ 47 للانتصار في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، التي خاضتها لتحرير أرضها من المحتل الإسرائيلي، الذي سيطر عليها في عام 1967، ورغم مرور هذا الوقت الطويل ما زال هناك الكثير عن أسرار تلك الحرب، لم يتم الكشف عنه حتى الآن.وحول الاستعدادات المصرية قبل الحرب والخطط، التي تم إعدادها وحرب المعلومات والجاسوسية والتي لعب فيها جهاز المخابرات العامة المصرية الدور الأكبر، قال اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق ورئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية في الجهاز،إن إسرائيل تعلن دائما وإلى الآن أن غلق خليج العقبة يعني الحرب، ومصر قامت بإغلاق خليج العقبة في 1967 وبالتالي أصبحت إسرائيل في حل من توجيه ضربة عسكرية لمصر نتيجة هذا الغلق، وهذا كان المبرر الرئيسي لدى إسرائيل، لكن هذا لا ينفي المؤامرة على مصر، والاتجاه إلى استنزافها كان وما زال قائما، حيث كانت إسرائيل توجه ضربات في توقيتات مختلفة للجانب المصري، وإغلاق مضيق خليج العقبة كان سببا في اختيار توقيت في 5 يونيو/1967.
وعن كيفية تلقي مصر للضربة العسكري في يونيو/ حزيران 1967، قال "رشاد": "لم أكن في 5 يونيو 1967 في جهاز المخابرات العامة بل كنت في القوات المسلحة. تم إلحاقي بجهاز المخابرات العامة في أكتوبر 1966، لكن في شهر مايو/ أيار 1967 تمت إعادتنا للقوات المسلحة لأننا لم نكن قد نقلنا نقلا تاما إلى المخابرات العامة، وشاركنا في حرب يونيو في أحد لواءات الاحتياطي، وحدثت الضربة الإسرائيلية ولم نكن قد غادرنا اللواء إلى الوحدات، وكنا نتوقع ذلك منذ إعلان مصر إغلاق خليج العقبة".وعما إذا كانت المعلومات متوفرة لدى مصر بشكل كاف عن إسرائيل في تلك الفترة، قال "رشاد": "المخابرات العامة هي المسؤولة عن إنشاء قاعدة المعلومات عن العدو، لأن المخابرات العامة تغطي العمق الاستراتيجي داخل إسرائيل (إسرائيل داخل حدودها) لأن اسرائيل داخل حدودها هي محور الصراع العربي الإسرائيلي".
وكان السبب الأساسي في نكسة 1967 هو قصور في المعلومات المتوفرة عن العدو، ولو كانت المعلومات لدى صانع القرار، ما كان ليدفع بجنوده في معركة غير متكافئة مع العدو الإسرائيلي، وهو ما تسبب في حدوث النكسة.
وأشار "رشاد" إلى الدروس المستفادة من "نكسة" 1967، وكيف استطاعت مصر بناء قاعدة المعلومات بعد 5 يونيو/ حزيران في ذلك الحين، قائلًا: "بعد النكسة بدأنا نتحدث عن الدروس المستفادة من تلك الحرب، وبدأنا نفكر في كيفية بناء قاعدة المعلومات، ويرجع الفضل في بناء قاعدة المعلومات إلى الوزير أمين هويدي، ويجب أن يكون معلوم جيدا أن القوات المسلحة كانت تعيد تنظيمها بعد النكسة، وكذلك المخابرات العامة أيضا أعادت هيكلتها وتم التركيز على الجانب المعلوماتي وبدأت في إعادة تشكيل الوحدات التي كانت تعمل على إسرائيل والدول العربية".
وتابع: "بدأنا بعد ذلك العمل على بناء قاعدة المعلومات بعدما خرجنا بالدروس المستفادة لتفادي القصور الذي شهدناه في 1967"، قائلًا: "المخابرات العامة بصفتها المسؤولة عن تغطية العمق الاستراتيجي داخل إسرائيل، انتهزت فرصة رفع الحظر المعلوماتي الإسرائيلي عن معظم الوحدات بعد 1967 لأنها كانت تتصور أن 5 يونيو هى آخر الحروب، كما يأتي هذا في إطار الحرب النفسية واستعراض العضلات ضد مصر".وأكمل: "وجدنا أن تلك الحالة جيدة جدا للحصول على المعلومات، فجمعنا كل الكتب والمقالات التي كتبت عن حرب 1967، وجمعنا ما يقرب من 36 كتاب منهم 16 كتاب يتحدث عن العمليات العسكرية، وبدأنا في إنشاء قاعدة المعلومات في منتصف عام 1968، وخرجنا بعدة نتائج منها، أن القوة الجوية الإسرائيلية هي القوة الضاربة لديهم وتحقق السيادة الجوية على كل الدول العربية، وميزان القوى مع إسرائيل لا يخضع لميزان مقارنة القوات"، حيث كانت إسرائيل قدرة وليست حد، والقدرة هي التدريب والتسليح والتطوير، حيث أن اسرائيل هي سابع دولة تصدر سلاحا في العالم ولديها قدرة عالية جدا على التطوير، كما وجدنا أن سلاح المدرعات هو القوة الضاربة للقوات البرية وتحقق عمليات الاختراق بعيد المدى والالتفاف والتطوير، كما أن كل الدفاعات الإسرائيلية متحركة من الدبابات والمدافع الذاتية الحركة.
وكشف "رشاد" الدور الذي لعبته قاعدة المعلومات المصرية، خاصة فيما يتعلق بسباق التسلّح بين البلدين، قائلًا: "قاعدة المعلومات التي طورها جهاز المخابرات فرضت على القيادة السياسية الابتعاد تماما عن الدخول مع إسرائيل في سباق التسلح فيما يتعلق بالقوات الجوية".وتابع: "وعليها البحث عن سلاح دفاعي للحد من القدرات العسكرية القتالية للقوات الجوية الإسرائيلية"، ومن أجل هذا قبل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر مبادرة "روجرز" لوقف إطلاق النار، وبدأ في بناء حائط الصواريخ.
وعلى مستوى القوات المسلحة، تم إنشاء وحدات جديدة مضادة للدبابات "الصواريخ القصيرة المدى الموجهة بالسلك" وهي وحدات تشكلت ويبلغ قوامها في ذلك الوقت حوالي 6 كتائب وتم دفعها مع الموجات الأولى للهجوم في حرب أكتوبر وحققت أكبر خسائر في الدبابات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن إنشاء قاعدة المعلومات استغرق عام تقريبا، وفي منتصف 1968 كان لدينا قاعدة بيانات عن كل القوات التي اشتركت في حرب 1967.
وعن القدرات القتالية للقوات المصرية آنذاك قال "رشاد": "دخلنا حرب الاستنزاف وبدأت النوايا العدوانية لإسرائيل، وبدورنا رصدنا وتابعنا وعالجنا كل تلك النوايا العدوانية"، موضحًا: كان لدينا قضيتين هامتين في مرحلة الاستنزاف أولهما تدمير الحفار الإسرائيلي القادم من كندا، حيث قمنا بتدميره في ساحل العاج".وتابع: "أما القضية الثانية فكانت القبض على الجاسوسة هبة سليم، التي لو لم نوفق في القبض عليها واستمرت حتى حرب أكتوبر، فكنا سنلاقي صعوبات كبيرة في موضوع العبور، لأن هبة سليم عن طريق مصدرها دمرت ما
يقرب من 70 في المئة من المعلومات السرية للقوات المسلحة المصرية".
أما عن الدور الذي لعبته الجبهة السورية في الفترة التي سبق حبر أكتوبر/ تشرين الأول 1973، قال "رشاد": "كنا نعلم جيدا أن إسرائيل لن تسمح لسوريا أن تدير معركتها معها على هضبة الجولان، نظرا لعدم وجود عمق لإسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية أسفل الهضبة، وبالتالي تخطط أنه في حالة الاشتباك مع سوريا، لا بد من نقل معركتها خارج هضبة الجولان حتى تصل إلى مشارف دمشق".وأكمل: "أما بالنسبة لمصر فمن الممكن لإسرائيل وقتها أن تسمح بعبور بعض القوات لأن هناك عمق ويمكنها جذب القوات التي تعبر إلى كمائن ومناطق قاتلة وتحدث بها أكبر خسائر ممكنة وتردها إلى النقاط التي جاءت منها".
وأزاح "رشاد" الستار عما إذا كانت هناك تصورات لحرب أكتوبر خلال مرحلة الاستنزاف من عدمه قائلًا: "في مايو 1973 وضعنا تصور للحرب المحتملة مع العدو، وقلنا إن أي هجوم شرقا "شرق القناة" سيترتب عليه هجوم غربا، بمعنى أن أي هجوم للقوات المصرية شرقا لابد أن يترتب عليه هجوم للقوات الإسرائيلية غربا "غرب قناة السويس" بهدف إرباك القيادات وفتح ثغرة في الدفاع الجوي والحد من القوة الدافعة للقوات المهاجمة شرق القناة"، موضحًا: "هذا يعد تنبأ بحدوث "ثغرة الدفرسوار" قبل اندلاع الحرب بخمسة أشهر".
وقال "رشاد": "الرئيس السادات أرسل وزير الخارجية وقتها حافظ إسماعيل إلى وزير الخارجية الأميركي كيسنجر مرتين، وكان رد كيسنجر على وزير الخارجية المصري "طلباتكم هذه ..طلبات دولة منتصرة، لا بد من تقليل طلباتكم مع تغيير الواقع، وإياكم أن تلجأوا للحرب، لأنكم لو حاربتم سوف يلقي بكم الإسرائيليون في القناة ولن نستطيع أن نفعل لكم شيء". وتابع: "عاد حافظ إسماعيل، فأصدر السادات توجيهاته بضرورة تحريك الموقف السياسي بالاستيلاء على بعض القيادات وليس هزيمة إسرائيل، وبعدها سنعود للأمريكان مرة أخرى، لأن السادات كان مقتنعا بأن أوراق اللعبة بيد الأمريكيين، ولم يكن أمامه سوى الحرب، والتي حققنا فيها أهدافنا طبقا لإمكانياتنا، وقلنا أنه لا بد من إدارة المعركة داخل حائط الصواريخ، وأن أي خروج عن حائط الصواريخ يعني الدمار، وهذا ما حدث بعد يوم 14 أكتوبر، وفي كل الأحوال انتصرت مصر في حرب أكتوبر لأنها حركت الموقف السياسي الذي كان راكدا".وعما إذا كان هناك خداع معلوماتي ساهم في التعتيم على ما ستقدم عليه مصر، قال "رشاد": "بعد النكسة في العام 1967 كانت إسرائيل تعتبر مصر "جثة هامدة" حتى يوم 6 أكتوبر 1973 في الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم، وكانت تعتقد أن مصر غير قادرة على شن أي عمليات عسكرية ضد إسرائيل، والقوات الإسرائيلية الموجودة في سيناء قادرة على دحر أي عمليات مصرية".وتابع: "ولو كان لدى إسرائيل شك في القدرات المصرية، لم تكن لتترك الأمر يمر بتلك الصورة، وكانت ستقوم بضربات استباقية لإجهاضها، فقد كان مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية "إلياهو زعيرا" والمعنى بتقييم موقف دول النطاق، كانت قناعته حتى اندلاع الحرب أن مصر لا تستطيع القيام بأي عمل عسكري، وعندما ذهب لهم الخبر من أحد العملاء بأن مصر سوف تقوم بهجوم يوم 5 أكتوبر الساعة السادسة مساء، لم يقتنع وقام بعمل تعبئة فقط كإجراء احترازي".
وكشف "رشاد" سر اختيار الساعة الثانية بعد الظهر لبدء الحرب، قائلًا: "إذا سألت أي شخص عن موعد للحرب، يقول لك إن مصر وقتها لن تستطيع الهجوم إلا بعد آخر ضوء من النهار، والسبب في اختيار توقيت الحرب في وضح النهار، أن وزير الدفاع المصري المشير أحمد إسماعيل عندما ذهب إلى دمشق ليتأكد من جاهزية الجيش السوري وتقابل مع مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري وأبلغه بساعة الهجوم مع آخر ضوء، فأخبره طلاس أنه لا يستطيع الهجوم على إسرائيل ليلا لأنه سيدخل على منطقة جبلية ستحجب الرؤية".
وأوضح: "اختلف الرجلان وذهبا إلى الرئيس حافظ الأسد، الذي طلب قسمة اليوم إلى نصفين، وتم التوافق على الساعة الثانية ظهرا، وتعدل الموعد المصري المتعلق بآخر ضوء"، قائلًا: "وعاد إسماعيل فأبلغ السادات والعمليات العسكرية، وهذا كان الفرق بين الساعة السادسة والساعة الثانية بعد الظهر، وهناك شاهد عيان على ذلك وهو السفير محمد أحمد إسماعيل، وكتب مصطفى طلاس هذا الكلام في مذكراته".كما تحدث "رشاد" عن الأسباب الحقيقية للخلاف بين الفريق الشاذلي رئيس الأركان والرئيس السادات بعد أيام من الحرب، قائلًا: "لو تم تقنيين الموضوع من الأساس ستجد أنه ليس هناك خلاف، فالموضوع من الأول هو أن وجود القوات الإسرائيلية غرب القناة يوم 16 أكتوبر صباحا، كانت مفاجئة لمصر، وكان البيان الأول الذي صدر بأن هناك 7 دبابات و4 سيارات مدرعة إسرائيلية غرب القناة".
وتابع: "كان الوضع الحقيقي لتلك القوة الإسرائيلية هي 110 دبابة، فقام الشاذلي بإرسال قوات تناسب القوة الموجودة في البيان "7 دبابات و4 سيارات مدرعة" وذلك في الساعة 11 صباحا يوم 16 أكتوبر، وتفاجأ بعدد الدبابات الإسرائيلية على الأرض".وأكمل: "عندما بدأ الشاذلي تجهيز قواته، كانت القوة الإسرائيلية الموجودة غرب القناة ثلاث لواءات مدرعة ومجموعة عمليات ولواء مشاة ميكانيكي، وعندما ذهب الشاذلي بقوات محدودة تم القضاء عليها من جانب الإسرائيليين وكرر العملية ولم يستطيع، فاقترح إغلاق الثغرة من ناحية الشرق، فقام بتحريك لوائين بالعرض، فقامت الكمائن الإسرائيلية بالقضاء عليهم".
وأوضح: أن "كل هذا ليس من عيوب الشاذلي أو سوء إدارته، لكن الخطأ كان قصور في المعلومات، وعاد الشاذلي مجددا يطلب قوات فدخل الأمر في إطار المساومات السياسية بين رئيس أركان على الأرض ووزير دفاع جالس، وبينهما تاريخ من الصراع فتدخل السادات وفي النهاية تم تنحية الشاذلي وتولى الجمصي مكانه".وعن "حكاية" مفاوضات الكيلو 101، وحصار الجيش الثالث المصري، قال "رشاد": "الجيش الثالث كان محاصرا إداريا، أما من الناحية العسكرية فلم تستطيع القوات الإسرائيلية محاصرته، ولم تكن هناك أي خسائر عسكرية، وبدأت بعدها مفاوضات الكيلو 101 وصولا إلى كامب ديفيد، وللعلم طرفي الحرب كلاهما كان يريد التفاوض والاتفاق، موضحًا أن مصر تريد كامب ديفيد لكي تعيد ترتيب اقتصادها وإسرائيل تريد كامب ديفيد من أجل إخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، قائلًا: "استردت مصر أرضها بعد حرب كان هدفها الأول تحريك الموقف السياسي، ولولا الدعم والتدخل الأمريكي لما كانت إسرائيل قد خرجت من الحرب بتلك الصورة.
المصدر: سبوتنيك
قد يهمك أيضا :
سكينة أنور السادات تُؤكِّد على أنَّ السيسي مكسب لمصر والشعب يُسانده
القوَّات المُسلّحة المصرية تحتفل بذِكرى "حرب أكتوبر" بإذاعة فيديوهات نادرة
أرسل تعليقك