توقيت القاهرة المحلي 09:40:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة!»

  مصر اليوم -

«التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة»

بقلم : عماد الدين أديب

أزمة الأزمات فى العقل السياسى العربى أنه يفسر كل شىء يخالف هواه ومصالحه على أنه «مؤامرة».تفسير المؤامرة، أو ما يعرف بالتفسير التآمرى للأحداث والتاريخ، مريح لأصحابه لأنه -بالدرجة الأولى- يعفى أصحابه من مسئولية ما يعملون ويلقى بها على كاهل الخصوم أو الأعداء أو الذين يختلفون معهم فى الرأى أو المصلحة.

أخطر ما فى اتباع نظرية التفسير التآمرى «أنك بهذا المفهوم لا تخطئ أبداً لأن «الآخر» هو المخطئ المتآمر الشرير».

وبهذا المفهوم لن يحدث أبداً أن تعترف بالخطأ، وبالتالى ينعدم أى أمل فى الإصلاح، لأن أولى خطوات إصلاح الخطأ هى الاعتراف به وتحديد مسئولية المخطئ.

بهذا المفهوم فإن غضب الناس ضد المظالم غير مفهوم، ورفض الناس للفساد غير مقبول، وثورة الجماهير فى الشوارع والساحات مؤامرة، وانتقاد أصحاب الإرادة الحرة والضمائر النقية للمظالم وعدم الإنصاف هو «قيام أقلام مأجورة بخدمة مشروعات خارجية شريرة».

بهذا المفهوم فإن المتظاهر السلمى عميل للخارج، والشباب الثائر يحصل على وجبات مجانية من جهات شريرة، ومنظمات المجتمع المدنى تقبض من السفارات.

هل هذا يعنى أن الجميع ملائكة ونبلاء وأطهار؟

بالقطع لا. دائماً وأبداً فى كل زمان ومكان، وفى كل التحولات الاجتماعية وحركات الاحتجاج والثورات هناك من يسعى جاهداً لاختراق الصفوف وسرقة الانتفاضة الشعبية واختطاف الثورات فى اتجاه مضاد.

وتدرس الجامعات المتخصصة فى العلوم السياسية ضمن مناهجها فى العلوم السياسية ما يعرف باسم «نظرية المؤامرة».

ووفقاً للعالم السياسى مايكل باركون فإن هذه النظرية تقوم على فرضيات أساسية هى:

أن الكون كله محكوم بتصميم ما لذلك لا يوجد أى فعل يقوم على الصدفة ولا شىء هو كما يبدو. وعليه فإن كل شىء مرتبط ببعضه البعض.

أخطر ما فى فلسفة نظرية المؤامرة أنها تصبح مسألة «إيمان» أصحابها بها وليست مسألة بحث عن «دليل يعتمد على حقائق وثوابت».

ويبقى دائماً -فى مثل هذه الحالات- السؤال الجوهرى الحاكم والحاسم: «هل ثارت الناس عن حق أم عن باطل؟ هل غضب الناس مشروع أو مفتعل؟ هل حركتهم تلقائية تعبر عن وجع وألم وشعور بالظلم؟

باختصار، هل احتجاجات الناس فى شوارع بغداد وبيروت والخرطوم والجزائر -فى بداياتها- كانت طبيعية تلقائية حقيقية؟

مثلها مثل كل حركات الاحتجاج الجماهيرى تسعى قوى محلية، دينية، قبلية، مناطقية، طائفية، حزبية، لاستغلال حركة الجماهير لصالحها.

هذا أمر طبيعى يحدث منذ بدء معرفة التاريخ الإنسانى الغضب الجماهيرى ضد السلطة.

يبقى الأهم دائماً مدى وعى الجماهير بحقيقة أهداف ثورتها، ودرجة مناعتها ضد الاختراق، وحصانتها ضد البيع أو الشراء من قبل قوى مشبوهة أو عملاء سفارات أجنبية.

عند حدوث أى انتفاضة جماهيرية فإنه من الطبيعى أن تحاول كل أجهزة الدول الكبرى والدول ذات المصلحة المباشرة فى الاختراق والتأثير بكل الطرق بهدف السيطرة وتحويل مسار حركة الجماهير لما يخدم مصالحها.

هذا أمر يحدث، وسوف يستمر فى الحدوث من فنزويلا إلى تشيلى إلى هونج كونج، ومن تونس إلى ليبيا، ومن سوريا إلى العراق، ومن السودان إلى لبنان.

إنها حركة مد وجزر، كر وفر، ثورة وثورة مضادة، سعى للاختراق ورفض كامل له، صراع بين قوى وطنية وقوى عميلة، بين من يسعى للتآمر وبين من يقاوم تلك المؤامرة.

مأساة السلطة فى كثير من دول العالم هى أنها فى معظم الأحيان تختار الحل الأسهل وهو تفسير غضب الجماهير على أنه مؤامرة خارجية.

الخطر الأكبر فى الإصرار على التفسير التآمرى لغضب الناس أنه يؤدى -فى هذه الحالة- إلى صدام محتوم بين قوى راغبة فى تغيير المظالم، وقوى حاكمة ترفض تماماً القبول أو الاعتراف بأى خطأ على أساس أن «الغضب» ليس مبرراً ولا يستند على حق لأنه مؤامرة!

التاريخ -بالتأكيد- ملىء بالمؤامرات والمتآمرين.

والتاريخ أيضاً -بالتأكيد- ليس كله مؤامرة من الغير تعفينا من تحمل مسئولية الأخطاء والخطايا!

وقد يهمك أيضًا:

إيران ترفض الثورات العربية!

محاولة لفهم سياسة الإمارات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة» «التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon