توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إسرائيليون ضد الصهيونيّة وضد قانون القوميّة اليهوديّة

  مصر اليوم -

إسرائيليون ضد الصهيونيّة وضد قانون القوميّة اليهوديّة

بقلم : ماجد كيالي

بدايةً، يجدر التنويه بأن العنوان المذكور لا يفيد بأن ثمة يهوداً إسرائيليين ضد دولتهم، إذ يفترض التمييز بين معارضة هؤلاء للصهيونية الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية، بل إدانتهم لها، وبين تمسكهم بدولتهم، في حدود 48، لأن الحديث يتعلق بهم وليس بنا، أي بإدراكاتنا ورغباتنا، وإنما يتعلق بإدراكاتهم هم لذاتهم، ولمصالحهم، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى، يفترض أن نلاحظ أن بذور المعارضة الحالية للصهيونية بدأت بعد أن تحقّق مشروعها في إقامة دولة لليهود، أي أن نجاحها في إنشاء إسرائيل أدى إلى أفولها، إلا أن هذه المعارضة تبلورت حقاً بعد احتلال الضفة والقطاع (1967)، إذ رأى معظم المعترضين في الاستعمار، والاستيطان، والسيطرة العسكرية على الفلسطينيين، مسّاً بوجودهم، وبقيمهم، وبنظامهم الديموقراطي، وبمستقبل دولتهم، وبصورتهم في العالم. طبعاً، بين هؤلاء ثمة يهود، في إسرائيل وخارجها، ضد الفكرة الصهيونية من أساسها، وهم يرون في إسرائيل غلطة تاريخية، وعبئاً أخلاقياً على اليهود، ويرون فيها دولة استعمارية استيطانية وعنصرية، لا مستقبل لها إلا بالتخلص من هذه السمات التي تطبعها بطابعها، وضمن ذلك إقامة دولة مواطنين متساوين، لكن تأثير هؤلاء في المجتمع الإسرائيلي ما زال ضئيلاً ومحدوداً.

تأسيساً على ذلك، يفترض التقليل من الأوهام التي تتعلّق باليسار الإسرائيلي، الذي لعب دوراً كبيراً في إقامة إسرائيل، ورسم سياساتها القائمة على الإزاحة والاستيطان والتمييز العنصري إزاء الفلسطينيين، في مناطق 48 و67، بيد أن ذلك يفيد، أيضاً، بضرورة الانفتاح على رؤى جديدة لا تتعاطى مع إسرائيل بوصفها كتلة صماء بلا تباينات واختلافات وتشقّقات، وضمنها بين المتدينين والعلمانيين، وبين الشرقيين والغربيين، واليسار واليمين، وأيضاً بين دعاة الهوية الإسرائيلية، ودعاة الهوية اليهودية، حيث الأولى تعطي الأولوية للمواطنين في إسرائيل، في حين أن الثانية ترى أن الأولوية لليهودية، التي تجعل من الهوية الدينية (وليس التدين) هوية قومية، مع تأكيد أن ذلك يشمل اليهود في أي مكان في العالم.

ويمكن ملاحظة هذا التباين في وجهات النظر، من داخل العقلية الإسرائيلية، لمناسبة تشريع الكنيست (19/7) قانون أساس «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»، إذ تعرض القانون المذكور لانتقادات قوية وعميقة. وفي هذا المجال، فقد كان مردخاي كرمنتسر، المستشار القانوني للحكومة، حذّر في وقت مبكرّ، من أنه إذا تمت المصادقة على مشروع القانون فإن «إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية ستنتهي»، وستصبح مثل «بولندا وهنغاريا» («هآرتس»، 11/7). أما الموسيقار اليهودي العالمي دانئيل برانبويم، فعبّر صراحة عن خجله من كونه إسرائيلياً، بقوله: «بعد مرور 70 عاماً... أقرّت حكومة إسرائيل قانوناً جديداً يستبدل مبدأ المساواة والقيم العالمية بالقومية والعنصرية... لدينا الآن قانون يحوّل العرب في إسرائيل إلى مواطنين من الدرجة الثانية. هذا شكل واضح جداً من الفصل العنصري... لذا أخجل بأن أكون إسرائيلياً» («هآرتس»، 24/7).

طبعاً، يصحّ القول بأن القانون لم يأت بأي جديد، لا على صعيد رؤية إسرائيل لذاتها كدولة يهودية، ولا على صعيد تحديدها مكانة العرب، وهذا ما يؤكده الشاعر الإسرائيلي ب. ميخائيل باعتباره أن «مشروع سحق حقوق العرب (تمييز في الأراضي، البنى التحتية، التعليم، الفرص، التمثيل، التشغيل، التطوير والثقافة)... بدأ غداة الإعلان عن إقامة الدولة واستمر حتى أيامنا هذه». أما الجديد، بالنسبة إليه، فهو أن التمييز الذي كان بات «أخيراً مشروعاً قانونياً وحلالاً تماماً». («هآرتس»،14/8)

عموما، فإن فكرة أن إسرائيل دولة «يهودية وديموقراطية» في آن ظلت ملتبسة، ومتناقضة، بخاصة إزاء الفلسطينيين، لذا فقد جاء قانون القومية اليهودي، وفق جدعون ليفي، الصحافي المعروف بتضامنه مع حقوق الفلسطينيين، لإنهاء تلك «المهزلة»، لأن ذلك في رأيه «لم يكن في أي يوم موجوداً، ولم يكن في إمكانه الوجود بسبب التناقض في المعنى بين القيمتين، حيث لا يوجد سبيل للتوفيق بينهما، فقط التضليل. إذا كانت يهودية فهي لن تكون ديموقراطية بسبب عدم المساواة. وإذا كانت ديموقراطية فهي ستكون غير يهودية لأنه لا توجد للديموقراطية مزايا على أساس عرقي». ويتابع: «الآن، سيكون هناك قانون يقول الحقيقة. إسرائيل لليهود فقط... العرب هم مواطنون من الصنف ب، والرعايا الفلسطينيون هم هواء غير موجودين» («هآرتس»، 13/7).

أما المحلّل السياسي والشاعر الإسرائيلي يرون لندن، فاعتبر أن قانون إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي يثير تناقضاً بين هويتين، بين اليهودية (أي اليهود في العالم)، وبين الإسرائيلية (أي يهود إسرائيل)، كما يرى فيه تناقضاً بين المجتمعات المنفتحة التي تلائم التطور وحركة التاريخ، وبين المجتمعات المغلقة، الرجعية، التي تعبّر عن نكوص في حركة التاريخ. يقول لندن في مقال عنوانه «الكنعانيون الجدد»: «الإسرائيليون اليهود يطوّرون قومية منفصلة، على رغم أنف مشرعي قانون القومية بل حتى بمعونتهم. فالشعب المتجدّد يعرف وفقاً للغته ووفقاً لحدود الأرض الإقليمية التي يسيطر عليها، وهو سيضم في المستقبل غير البعيد أيضاً العرب مواطني إسرائيل. والسؤال هو إذا كان هذا التطوّر سيشبه التطور المأسوي للمستوطنين الهولنديين الذين أصبحوا بوريين، أبناء الأقلية العنصرية البيضاء جنوب أفريقيا، أو سيشبه الذي وقع في الديموقراطيات الكبرى. فسكان نيوزيلندا ليسوا إنكليزاً، على رغم أنهم يتحدثون لغة أقرب الى الإنكليزية، ومواطنو محافظة كيبك في كندا يتحدثون نوعاً من الفرنسية، لكنهم ليسوا فرنسيين بل كنديون. مواطنو أستراليا هم أستراليون، مهما كان أصلهم العرقي ومهما كان دينهم. معظم الناس في العالم يعيشون في مدن آخذة في أن تشبه الواحدة الأخرى... قانون القومية تعبير عن الرجعية ويشكل مظاهر منازعة حياة الهيمنة اليهودية ولا يعزّزها» («يديعوت»، 14/8).

الفكرة هنا، أن الفلسطينيين لم يحاولوا الاشتغال بجدية، أي وفق استراتيجية سياسية واضحة، على التباينات أو الخلافات أو التناقضات في المجتمع الإسرائيلي، ولم يحاولوا الاستثمار فيها، هذا أولاً. ثانياً، أن الفلسطينيين ظلوا ينظرون إلى كل الحراكات الجارية في التيارات السياسية والفكرية الإسرائيلية من وجهة نظرهم أو رغباتهم هم، وليس من وجهة النظر التي تتعلق بالتطورات في المجتمع الإسرائيلي. لذا ربما آن للفلسطينيين أن ينظروا إلى إسرائيل وفقاً لطابعها، وليس للتوهمات عنها، كما حصل في أوسلو (1993) باعتبارها كدولة - مجتمع، كائن استعماري - استيطاني - عنصري، وفي الوقت نفسه أن ينظروا إلى التناقضات بداخلها باعتبار أن مجتمعها يخضع لتحولات وتبدلات وتناقضات وتباينات مثله مثل أي مجتمع آخر.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيليون ضد الصهيونيّة وضد قانون القوميّة اليهوديّة إسرائيليون ضد الصهيونيّة وضد قانون القوميّة اليهوديّة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon