بقلم - صبري غنيم
- فاجأتنى زوجتى بطلبٍ خجلتُ أن أعتذر عنه، وهو أن تؤدى صلاة المغرب فى مسجد سيدنا الحسين، وهو الطلب الوحيد لها فى شهر رمضان.. وأقنعتنى بأنها ستكون سعيدة جدًا وهى تستمع إلى أذان المغرب من داخل المسجد.. ولكى تشجعنى أكثر على تنفيذ رغبتها وجهت لى دعوة الإفطار فى مقهى الكاتب الأديب العالمى نجيب محفوظ فى خان الخليلى. وجدت أنها دعوة لا يمكن أن أرفضها أو أعتذر عنها، واتجهنا إلى مسجد سيدنا الحسين، فهناك حياة أخرى.
ما شاء الله على الزحام الذى يحيط بالمسجد، وعربات تحمل السياح الأجانب داخل المنطقة ويحتلون المقاعد الأمامية المحيطة بحرم المسجد، والتى تطل على سوق خان الخليلى.
- الجميل هنا أن الأمن عَشرة على عَشرة لحماية السياح من المتسولين، ولأول مرة أرى سورًا حديديًا بارتفاع ثلاثة أمتار يحيط بساحة المسجد، وفهمت أن هذه الساحة مخصصٌ نصفها للسيدات والنصف الآخر للرجال للصلاة.. فقد كانت هذه الساحات يحتلها الباعة الجائلون، وحاليًا اختفى هذا المشهد وأصبحت تلك الساحات امتدادًا للمسجد.
- وفهمت من العمالة التى تعمل فى تشييد هذه الساحة أن هدفها إعطاء المرأة حقها أيضًا حتى فى الصلاة، وقُسمت هذه الساحة بين الرجال والنساء.. وعندما جاء موعد الأذان كانت المنطقة فى خشوع، وتوقفت الحركة، وحمل السائحون كاميراتهم واتجهوا إلى الساحة وسلسلة المقاهى المحيطة بالمسجد.. وهات يا تصوير.. الحقيقة مشهد مهيب!.
يجد احترام الجميع له.. محال الكباب والفول والطعمية تغرى زوار المنطقة بتناول الإفطار أمام مسجد الحسين.. ولكن مع هذا الزحام وجدت أنه يمكننا أن نشق طريقنا لنذهب إلى مقهى الأديب الكبير نجيب محفوظ.. ترحيب غير عادى من أصحاب محال خان الخليلى لكل من يعبر الطريق أمامهم، فهم يعرضون بضائعهم وبأقل الأسعار، من سِبح وجلاليب وعباءات للسيدات وآوانٍ فضية.. فعلًا، سوق تبيع التحف الفرعونية والإسلامية والمباخر.. حتى السِّبح كانت كل حبة باسم من أسماء الله الحسنى وبأسعار زهيدة جدًا.. السياح داخل هذه المحال يتحركون فى أمان، حيث ينتشر الأمن فى المنطقة بشكل ملحوظ، والشهادة لله أن أصحاب المحال أنفسهم دروع بشرية لحماية السياح من المتسولين.
- الشهادة لله أن الصورة اختلفت هذا العام عن العام السابق فى نوعية المتسولين.. لم أَرَ المتسولين الذين كانوا يطاردون المارة فى إلحاح.. ربما أن عربات فاعلى الخير كانت منتشرة فى ساحة مسجد الحسين توزع وجبات الإفطار عليهم.. ولكن المشهد الذى رأيته كان سياحًا بلا متسولين، وهذا مشهد نفخر ونعتز به.. وعلى باب مطعم نجيب محفوظ طوابير طويلة، وكان الدخول حسب أولوية الحجز.
سألت عن مدير المطعم أشرف عطية الذى كنت طلبته وتحدثت معه لحجز مكان لشخصين، وللحق كان مكانًا مميزًا، لم نستغرق دقائق وكان المكان مجهزًا بأطباق الإفطار من طواجن ومشروبات.. وفى نفس المكان، كان يوجد «التخت الشرقى» لتناول الشاى، وساعدنا فى الانتقال إبراهيم عبداللطيف، مدير القاعة، وهذا المكان كان مزدحمًا أيضًا بالسياح، فكان مطلوبًا أن تجلس بزاوية حتى تستمتع بمشهد عازفى الناى وأغانى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم أثناء الإفطار.
الحقيقة أن زيارة المكان لها طابع خاص، خصوصًا أنك على قرب من «بين القصرين» و«حى الجمالية»، وهو الحى الذى أصبح جزءًا من تاريخ مصر.. وطرقنا المكان وكانت زوجتى مُصرة على صلاة جزء من صلاة التراويح بمسجد الحسين.. ولكن تعذر دخولنا بسبب الزحام الشديد، فقد كان هناك فرق بين صلاة المغرب وصلاة العشاء مع التراويح.. وأحمد الله أنى قد حققت لها هذا المطلب فى الشهر الكريم.. وستظل ذاكرة نجيب محفوظ فى ذاكرتها، رغم أنه كان فى داخلها طموح أن تزور منطقة «بين القصرين» وتتوغل فيها وتطوف فى شوارع حى الجمالية.