توقيت القاهرة المحلي 04:34:51 آخر تحديث
الأحد 19 كانون الثاني / يناير 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

الصناديق السيادية في عالم شديد التغير

  مصر اليوم -

الصناديق السيادية في عالم شديد التغير

بقلم : محمود محيي الدين

تبدلت ساحة الاقتصاد الدولي بما لم تشهده صناديق الثروة السيادية منذ نشأتها الأولى في الخمسينات من القرن الماضي. فقد غيّرت الأزمات المصاحبة لوباء كورونا، بآلياتها الكاشفة لأوجه الوهن والقوة، معطيات استقرت في أساليب العمل والإنتاج والاستثمار. كما أن الصدمات المترتبة على هذه الأزمات عجّلت ببزوغ ظواهر ومستجدات اقتصادية واجتماعية وسياسية حول العالم وانضواء أخرى. ولم تزد فقط هذه الأزمات من درجات المخاطرة، لكنها ضخّمت أيضاً من حالة عدم اليقين التي اكتنفت العالم منذ سنوات سابقة على اجتياح الوباء ربوع العالم، وما شهده من أزمة في الثقة بين القوى الدولية التقليدية وتلك الصاعدة، وبين بعضها البعض. فعالم ما قبل «كورونا» كان هشاً اقتصادياً ومتوتراً سياسياً، وغير مهيأ للتعامل مع مربكات مفاجئة، وهو ما تشهد به حالات الارتباك والفوضى في التعامل مع الأزمة الصحية التي سبّبها الفيروس، وآثارها الوخيمة على المجتمع والاقتصاد.
ومع تزايد تكلفة التصدي للأزمات الراهنة وأعبائها على موازنات الدول التي لم تتعافَ من آثار الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008، وتبعاتها من انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع في مستويات التجارة والاستثمار التي لم تعد أبداً لمتوسطات ما قبل الأزمة المالية، بات ينظر للصناديق السيادية كمعين للمساندات العاجلة. فوفقاً لبيانات معهد صناديق الثروة السيادية، الصادرة في مارس (آذار) الماضي، هناك 89 صندوقاً سيادياً حول العالم تستحوذ حالياً على ما يزيد على 8.5 تريليون دولار من الأصول المالية والاستثمارية، بما يقترب من 10 في المائة من إجمالي الناتج العالمي.
وقد أطلق مصطلح صناديق الثروة السيادية خبير الاستثمار، أندرو روزانوف، في مقال نشر عام 2005 عن «مَن يحتفظ بثروة الأمم»، مميزاً لها عن دور البنوك المركزية في إدارة الاحتياطي من النقد الأجنبي. وتتنوع أهداف هذه الصناديق بين تراكم المدخرات وزيادة الاستثمارات، وتختلف في استراتيجياتها في إدارة محافظها ومدى ترجمتها للتوجهات السياسية وفقاً لنظم حوكمتها والدول التي تنتمي إليها. وقد أنشئ أول هذه الصناديق في عام 1953 في دولة الكويت، ثم تزايدت انتشاراً في العقود الأخيرة لتحتضنها 51 دولة موّلتها من فوائضها المتراكمة في ميزان التجارة الدولية من تصدير سلع أولية كالنفط، أو من فوائض مالية من النقد الأجنبي تتحقق في الميزان الجاري لميزان المدفوعات. ولا ينبغي الخلط بين الصناديق السيادية ومؤسسات إدارة الأصول المحلية، وإن تسمت باسمها، فلكل أهدافه ومصادر تمويله وأولويات عمله.
وتستثمر هذه الصناديق أموالها في مجموعة متنوعة من الأصول المالية والاستثمارية كأسهم الشركات والسندات الحكومية، كما أصبحت من الروافد المهمة للاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار المؤسسي طويل الأجل. كما عوّلت عليها وثيقة تمويل التنمية المستدامة الصادرة في يوليو (تموز) عام 2015 عن الأمم المتحدة لتمويل برامج التنمية المستدامة، من خلال تخصيص نسبة من محافظها للتمويل طويل الأجل في مشروعات البنية الأساسية.
ولجأت الدول من قبل لصناديقها السيادية في أوقات تقلب أسعار السلع الأولية، كما يحدث الآن، مع انخفاض أسعار النفط، لتعين موازنات الدول في تلبية احتياجات الإنفاق العام العاجل. فوفقاً لمجلة «فورتشن»، أعلنت النرويج على سبيل المثال عن سحب 37 مليار دولار من صندوقها السيادي، وهو الصندوق الأكبر عالمياً، إذ تتجاوز أصوله تريليون دولار. ويعد هذا الإجراء بالسحب من خلال عملية تسييل أصول لتساند متطلبات التعامل مع تعديات الأزمة الصحة التي تزامن معها انخفاض حاد في سعر النفط، تسبب في تراجع تدفقات الدولة النقدية، بما يتجاوز 60 في المائة، ولم تكفِ عوائد استثمارات الصندوق وإيرادات الدولة السيادية الأخرى كالضرائب في سدّ فجوتها.
وفي ذات الوقت، تجد صناديق سيادية أخرى تنتهز فرصة انخفاض أسعار بعض أسهم الشركات، بفعل الأزمة الحالية، فتستثمر فيها، مستندة إلى تقييماتها وما لديها من إمكانات في قطاعاتها، فضلاً عن تميز منتجاتها وكفاءة إدارتها وقدرتها على النمو والتوسع مستقبلاً، في ظل التغيرات المحتملة؛ فالشركات لا تُشترى أسهمها بحكم ما كان لها من اعتبار، بل بما يتوقع أن يكون لها من شأن.
ولا أحسب أن الصناديق السيادية، رغم احتراف وكفاءة القائمين على أكثرها، تسلك اليوم طريقاً سهلاً، فمصادر تمويلها من فوائض، سواء أكانت من السلع الأولية أم غيرها، تعرضت لصدمات شديدة، وجانباً من أصولها انخفضت تقييماته السوقية، وتقلبت أسعارها بشدة من جراء الأزمات الراهنة، كما أن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي العالمية يعوّق فرص استثماراتها القطاعية عبر الحدود. ومع هذا التراجع الحاد في النشاط الاقتصادي، وعدم السيطرة بعد على انتشار فيروس كورونا، فستقلّ حتماً معدلات النمو الاقتصادي العالمي عن سالب 3 في المائة، وهو الرقم الذي قدّره صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير الصادر في شهر أبريل (نيسان) الماضي.
وفي تقديري، فإن هناك 5 محددات رئيسية سترسم خطوط عمل الصناديق السيادية مستقبلاً...
أولاً؛ تزايد دور الدولة في النشاط الاقتصادي المباشر، بما يتجاوز دورها كمشرع ورقيب؛ ولما كانت هذه الصناديق أحد أذرع الدولة، فسيزيد ذلك من أهميتها في هذا الشأن، لكن الأجواء الراهنة تشير إلى ارتفاع مستوى الحساسية للاستثمار الخارجي لاعتبارات جيوسياسية، بما سيضطر بعض هذه الصناديق لاقتفاء مساراتها في الخريطة الاستثمارية العالمية، وفقاً لمؤشرات تزيد في أوزانها اعتبارات المخاطر والاعتبارات السياسية.
ثانياً؛ مع اللجوء إلى إعادة رسم خطوط الإنتاج والإمداد العالمية، في ظل التوترات والحروب التجارية السابقة على «كورونا»، وتزايد التوجهات الحمائية في سبيل حركة التجارة بعدها، مع تصاعد المناداة بإجراءات للتوجه نحو الداخل، ولو على حساب اعتبارات التكلفة والكفاءة، استجابة لتوجهات شعبوية، أو تأميناً لسلع رئيسية تنتج محلياً أو من قبل دول حليفة، سيزيد الوزن النسبي للموارد الاستثمارية المخصصة محلياً بمخاطر أعلى للتركز وإيراد أدنى في العملات الأجنبية.
ثالثاً؛ هناك توقعات شديدة الارتفاع بأن تلتزم الاستثمارات باعتبارات الآثار الاجتماعية والبيئية وضوابط الحوكمة، مع وزن أكبر للوائح والاعتبارات الصحية، وكذلك تغيرات المناخ، بما يتجاوز القواعد التقليدية للتكلفة والعائد. وسيميز هذا بين صندوق استثماري وآخر ومدى قبوله مجتمعياً ورقابياً، وفقاً لتقارير معلنة بشفافية.
رابعاً؛ مع ارتفاع حدة البطالة وشدة الركود، يُنتظر من هذه الصناديق أن يظهر أثرها التنموي في مجالات الاستثمار على النمو، وإتاحة فرص العمل اللائق، والالتزام بالحد الأدنى للأجور، والمناخ الآمن للعمل، والضمانات التعاقدية للعاملين.
خامساً؛ مع تزايد ولوج الصناديق السيادية لأسواق الديون الدولية، مقرضة ومقترضة، فإن مشكلات إدارة الديون عالمياً وتحدياتها، سواء ما تتحمله الدول أو الشركات، يجب أخذها في الاعتبار، خاصة مع زيادة احتمالات التعثر وإعادة الجدولة، في ظل تبعات الأزمة الصحية والركود.
ستُظهر هذه المحددات الخمسة، ومدى قدرة الصناديق السيادية على التعامل معها، مسارات مستقبلها واستثماراتها، في عصر تتعرض فيه الأمم، وليس ثرواتها فحسب، لتحديات غير مسبوقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصناديق السيادية في عالم شديد التغير الصناديق السيادية في عالم شديد التغير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 00:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يكشف سبب غيابه عن السينما الفترة الماضية
  مصر اليوم - محمد سعد يكشف سبب غيابه عن السينما الفترة الماضية

GMT 14:03 2020 الجمعة ,21 شباط / فبراير

الفنان طارق لطفى يواصل تصوير فيلم "حفلة 9"

GMT 21:55 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تضاؤل فرص عُمر جابر في الانضمام لمعسكر منتخب مصر

GMT 17:21 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

زيدان يعيش نفس ظروف أنشيلوتي مع ريال مدريد

GMT 13:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

السيسي يكرّم 32 من أبطال مصر الرياضيين بمختلف الألعاب

GMT 06:06 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

فنان لبناني يهرب من شرطة المواد المخدّرة في دراجة مائية

GMT 05:26 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

الفنان محمد محمود عبد العزيز ينضم إلي " كلبش2"

GMT 06:27 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

أسعار السمك في الأسواق المصرية الخميس

GMT 03:52 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

عقد قران ساندرا نشأت على رئيس نادي "وادي دجلة"

GMT 03:18 2013 السبت ,20 إبريل / نيسان

ريبيكا هول تكشف عن إثارتها في ثوب أسود

GMT 17:24 2016 الإثنين ,19 كانون الأول / ديسمبر

قناع لبان الدكر يقضي على البقع الداكنة بالبشرة

GMT 03:42 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

زوجان تركيان يفقدان ابنتهما في حادث انفجار قنبلة في أنقرة

GMT 16:31 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نهى عبدالكريم تكشف أسباب انسحابها من جلسة منتدى الشباب

GMT 14:39 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الفلفل الحار يساهم في تخفيف الوزن ودعم التمثيل الغذائي

GMT 06:12 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف قاعة أثرية تعود للعصر البرونزي في شمال غرب برلين

GMT 20:54 2021 الأربعاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد حاتم يكشف حقيقة خلافه مع أحمد فهمي بسبب هنا الزاهد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon