إذا بحثت فى المصادر الأمريكية والإسرائيلية عن أخبار خطة صفقة القرن التى يعدها الرئيس ترامب بواسطة فريق عمل يترأسه جاريد كوشنير، زوج ابنته، ستتوصل معى إلى الخلاصة التى تعنى أن الزعماء العرب فى الدول العربية ذات الفاعلية قد أرغموا إدارة ترامب على تجميد خطة الصفقة فى صورتها الحالية بعد أن أبدوا رفضهم الصلب لها.
لكى أكون دقيقا أريد أن أبين أن ما أقصده بتجميد الصفقة يعنى فيما أراه أحد احتمالين: الأول أن الإدارة الأمريكية حجبت خطة الصفقة عن النشر كما كان مقررا بعد أن اكتشفت أن عليها أن تعيد النظر فيها طبقا لملاحظات ومطالب العرب. أما الإحتمال الثانى فهو أن الإدارة قررت فى ضوء الرفض العربى وضع الخطة على الرف والبحث عن مسار جديد لعملية السلام بعد أن اكتشفت استحالة فرض خطتها على العرب أو إقناعهم بها.
إننى كمراقب عربى أؤكد هنا سبعة تحفظات عربية على خطة صفقة القرن صمم عليها القادة العرب فى مصر والسعودية والإمارات والأردن وكان فيها لمصر نصيب الأسد بحكم جوارها لقطاع غزة.
التحفظ الأول: رفض القادة العرب قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل واعتبروا أن هذا الاعتراف بمثابة مصادرة لإحدى قضايا مفاوضات الحل النهائى.
التحفظ الثانى: رفض القادة العرب قرار ترامب بإضعاف وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ماليا واعتبروا هذا القرار بمثابة مصادرة لقضية اللاجئين الذين شردتهم إسرائيل من أراضيهم وبيوتهم عام ١٩٤٨ وهى القضية المقرر تسويتها فى مفاوضات الحل النهائى.
التحفظ الثالث: رفض القادة العرب فكرة تغيير رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذى أعلن مقاطعة إدارة ترامب بعد قرارها بشأن القدس ورفضوا بالتالى فكرة الإتيان بقيادة فلسطينية تقبل صفقة القرن.
التحفظ الرابع: أبدى القادة العرب استعدادهم للتعاون مع إدارة ترامب فى بناء خطة للسلام بشرط أن تتضمن هذه الخطة مبادئ مبادرة السلام العربية القائمة على مقايضة الأرض المحتلة بالسلام وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض العربية الفلسطينية المحتلة فى حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
التحفظ الخامس: رفض القادة العرب مساعدة إدارة ترامب فى إنشاء طريق التفافى لتصفية مطلب إقامة الدولة الفلسطينية على أرض الضفة الغربية وقطاع غزة معا عبر أفكار عقد هدنة طويلة الأمد بين سلطة حماس والحكومة الإسرائيلية تنتهى إلى إقامة الدولة الفلسطينية فى قطاع غزة فقط.
التحفظ السادس: رفضت قيادة مصر رفضا قاطعا- ومهما كانت الإغراءات الاقتصادية- فكرة التنازل كما اقترحت صفقة القرن عن جزء من سيناء ليضم إلى غزة بدلا من الجزء الذى سيضم لإسرائيل من الضفة الغربية.
التحفظ السابع: رفضت القيادة المصرية أن يكون المسار الجديد الذى تقترحه إدارة ترامب بشأن تنمية اقتصاد وخدمات قطاع غزة؛ تحت شعار تخفيف المعاناة الإنسانية لسكانه؛ مدخلا لاغتيال فكرة الدولة الموحدة فى الضفة وغزة والاكتفاء بإقامتها فى قطاع غزة.
فى تقديرى أن اضطرار إدارة ترامب إلى وضع صفقة القرن فى الثلاجة أو على الرف مؤقتا أو بشكل دائم إنما يمثل نجاحا سياسيا للعرب فى صد خطة تجاوبت بشكل رئيسى مع أطماع اليمين الإسرائيلى فى القدس الشريف والضفة الغربية بكاملها. وبالتالى فإننى أرتب على هذا النجاح ثلاثة أسئلة رئيسية، الأول: ماذا نتوقع الآن من إدارة ترامب؟ والثانى: ماذا تفعله حكومة اليمين الإسرائيلية لتجعل صفقة القرن المرفوضة عربيا واقعا على الأرض؟ والثالث: ماذا يمكننا عمله كعرب لدفع إدارة ترامب للتجاوب مع المطالب العربية فى خطتها المجمدة حاليا.
هذه الأسئلة وما يتفرع عنها أرجو أن تتمكن حلقة نقاشية جامعية تعقد فى الأسبوع الأخير من يوليو من الإجابة عنها فى مركز الدراسات الإسرائيلية بجامعة الزقازيق تحت رعاية رئيس الجامعة الدكتور خالد عبدالبارى.
يسعدنى أن أشارك فى هذه الحلقة كمقرر علمى تحت عنوان (الصفقة الأمريكية.. المواقف والتوجهات والبدائل)، مع نخبة من كبار الخبراء المتفرغين لقضايا الصراع والتسوية بين العرب والإسرائيليين وهم اللواء محمد إبراهيم والدكتور طارق فهمى واللواء محمد عبدالمقصود والسفير محمد صبيح واللواء وائل ربيع والدكتور عبدالعليم محمد والسفير سعيد أبوعلى، وينظم عمل الحلقة الدكتورة عزة سلطان رئيسة مجلس إدارة المركز، والدكتور نبيل حلمى نائبها رئيسا للحلقة، والدكتور أشرف مؤنس والدكتورة هدى درويش مديرة المركز ومنسقة الحلقة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع