توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الضابط النبيل

  مصر اليوم -

الضابط النبيل

بقلم : د. محمود خليل

 سقطت الورقة الأخيرة التى تبقّت من شجرة ثورة يوليو. مات خالد محيى الدين، أحد قيادات الصف الأول للتنظيم الذى أطاح بالملك فاروق عام 1952 عن عمر يناهز الـ95 عاماً. كل أعضاء التنظيم ماتوا قبله وعاش بعدهم سنين عدداً. طيلة مشوار عمره كان «محيى الدين» الورقة الأكثر رسوخاً وثباتاً فى شجرة يوليو. لم يتغير ولم يتحول، ودفع ثمن ثباته على مبادئه ومواقفه بابتسامة رضا وثقة ما فتئت تعلو وجهه فى كل المواقف.

كان خالد محيى الدين أكثر ضباط يوليو انحيازاً إلى الديمقراطية، وخلال أزمة مارس 1954 حسم موقفه مع اللواء محمد نجيب، رئيس الجمهورية حينذاك، ورغم أن الكثير من الشواهد تؤكد على أن «نجيب» نظر إلى الديمقراطية كورقة بإمكانه أن يُحرج بها مجلس قيادة الثورة شعبياً، فقد كان «محيى الدين» يرى فى الديمقراطية الحالة الطبيعية للحكم. تعاصرت فترة شباب خالد محيى الدين مع الانتكاسات التى تعرضت لها التجربة النيابية فى مصر بسبب تكتل الاحتلال والقصر وكبار الملاك وموظفى الدولة ضد دستور 1923 الذى مثّل الثمرة الأطيب لثورة 1919، وشأنه شأن الكثير من أبناء جيله تقلب على تلك الجماعات التى حاولت تقديم بديل سياسى واجتماعى يعوض إخفاق الوفد فى تحقيق أهداف الثورة، ومن بينها جماعة الإخوان وحركتا «إيسكرا» و«حدتو» اليساريتان. آثر الرجل الاستقالة من مجلس قيادة الثورة والتوارى إلى الظل عام 1954 بعد أن قهرت رياح «حكم الفرد» أى محاولات لبناء نظام ديمقراطى.

أجمع كل من عبدالناصر والسادات على اتهام خالد محيى الدين بـ«الشيوعية». وواقع الحال أن الرجل كان اشتراكياً يدافع بقوة وثبات عن حقوق الفقراء، ولم تمنعه قناعاته الاشتراكية من رفض حكم الفرد والدفاع بحرارة عن الديمقراطية، والنظر إليها كسبيل وحيد لبناء دولة عصرية. خلافاً للكثير من الضباط الأحرار تمتع خالد محيى الدين برؤية سياسية متماسكة ظهرت بصورة واضحة خلال المرحلة التى أسس فيها حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى عام 1977، وهو ما انعكس على البرنامج الذى أعده الحزب تحت رئاسته، وكان أكثر البرامج وضوحاً ورصانة بين البرامج المختلفة التى قدمتها الأحزاب التى ظهرت خلال التجربة الحزبية لمصر ما بعد الثورة.

خلال انتخابات مجلس الشعب المصرى (1987) أطل خالد محيى الدين -ربما لأول مرة- على المصريين من خلال شاشة التليفزيون، تحدّث وقتها عن برنامج الحزب ورؤيته السياسية والاقتصادية، لم تفارق ابتسامة الثقة وجهه طيلة الوقت المخصص له. وأتذكر جيداً أن حديثه كان له أثر واضح على كثيرين ممن استمعوا إليه، وأبرز ما سجله مواطنون عاديون حينها على شخصية «محيى الدين» أنها تتمتع بقدر محسوس من «الاستقامة»، استقامة المواقف مع ما ينادى به من أفكار، واستقامة أفعاله مع أقواله. لم يكن للرجل طموح شخصى، بل كان جل طموحه منصرفاً إلى الحلم بوطن أفضل ينعم بحياة سياسية ديمقراطية، وحياة اقتصادية تحقق مبدأ العدالة الاجتماعية. رحم الله الضابط النبيل خالد محيى الدين.

نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضابط النبيل الضابط النبيل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon