توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإيمان لا يستقيم مع القهر

  مصر اليوم -

الإيمان لا يستقيم مع القهر

بقلم : محمود خليل

يختزل سيد قطب مفهوم الجهاد فى مسألة القتال، وحتى لا يتناقض مع الآيات الكريمة التى تؤكد على عدم الإكراه فى الدين: {لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ} (البقرة: 256)، يشير «قطب» إلى أن القتال أداة للتخلص من طواغيت الأرض الذين يحولون بين الدعوة إلى الإسلام وبين الشعوب، حتى إذا خلص الناس للدعاة خلوا بينهم وبين الدخول فى الإسلام، إذ ليس لهم أن يُكرهوهم عليه. الأطروحة التى يقدمها سيد قطب هنا تثير العجب، فالقتال هنا لا يتوجه إلى الكبار (الطواغيت)، بل إلى الشعوب، ونتاجه دائماً هو إزهاق حياة البسطاء من الناس الذين يشكلون وقود المعارك، وتدمير مقدرات المجتمعات، ثم أين الحرية التى يتمتع بها مغلوب فى مواجهة غالب حتى يستفيد من قاعدة «لا إكراه فى الدين»؟

إن العنف فى هذه الحالة يولد كراهية فى نفس الإنسان المقهور تجعله ينفر من الإسلام بسبب عنف أصحابه. ولأنصار سيد قطب أن يسألوا أنفسهم: ماذا خسر الإسلام بعنف المسلمين؟

ثم هناك سؤال آخر يتوجب طرحه هو: من هذا الذى يمنع مسلماً من الدعوة إلى دينه إذا أراد أن يفعل؟

فمنذ فجر الإسلام والمسلمون يمارسون الدعوة إلى دينهم. وكل ما تعرض له من آمنوا بالنبى (صلى الله عليه وسلم) من أذى تعرض له المؤمنون بكل الأنبياء والرسل فى كل زمان ومكان، بل إن الأنبياء أنفسهم تعرضوا للأذى وتحملوه فى سبيل نقل رسالتهم إلى البشر. ولا تقتصر المسألة على الأنبياء فقط بل على المصلحين أينما ووقتما كانوا، وهى مسألة عادية وطبيعية. ورغم الأذى لم نجد نبياً أو مصلحاً يدعو إلى قهر الآخرين على الإيمان بما يقول، لأن الإيمان لا يستقيم مع القهر. النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يفعل ذلك، وإنما امتثل لأمر ربه بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن». أمر القتال فى تجربة النبى ارتبط بالاعتداءات والتهديدات التى تعرضت لها «دولة المدينة». النبى (صلى الله عليه وسلم) كان مثله كمثل أى قائد يقاتل من يبدأه بالقتال حماية للمجتمع الذى يتولى قيادته، وهو فى كل الأحوال لم يعتدِ على أحد عملاً بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190).

لقد ألف سيد قطب كتابه «معالم فى الطريق» فى فترة الستينات، أى فى النصف الثانى من القرن العشرين، حيث كانت البشرية تعيش مرحلة لا يجرؤ فيها أحد على منع غيره من الدعوة إلى عقيدة أو فكرة. ومؤكد أنه كان يعلم مثل غيره أن هناك مسلمين يعيشون فى أوروبا وفى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن المؤمنين بالله ورسوله ينتشرون فى كل أصقاع الأرض ولم يكن أحد يمنعهم من دعوة غيرهم إلى اعتناق عقيدتهم، بل على العكس تماماً. عدد المسلمين فى غزوة بدر بلغ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، واليوم يقترب عدد المسلمين من المليارين، آمن أغلبهم بالإسلام دون ضربة سيف أو رشقة رمح أو قهر أو غلبة. فالإسلام كعقيدة قادر على مخاطبة العقل والنفس الإنسانية وسكناها. ولست أجد علة لهذا الدين اليوم سوى بعض من يزعمون الإيمان به، ويتورطون فى عنف يؤدى إلى صرف الناس عنه. لو أن سيد قطب دعا إلى نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وتبيان ماهيته كدين يدعو إلى السلام بين البشر لنفع نفسه ونفع دينه، لكنه انشغل بالسلطة وليس الشعوب. ومن المعلوم بالضرورة أن من ينشغل بالحكم يبحث عن أدوات القوة التى تمكنه من غلبة غيره، لذا يكون القتل مدار تفكيره، أما من ينشغل بالشعوب فأمره مختلف، حيث يصرف جهده إلى مخاطبة عقلها ووجدانها، ويكون مدار تفكيره القدوة الحسنة التى تغرى البشر بالاقتداء بها.

المصدر :

الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيمان لا يستقيم مع القهر الإيمان لا يستقيم مع القهر



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon