توقيت القاهرة المحلي 00:03:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبناء الصمت

  مصر اليوم -

أبناء الصمت

بقلم : محمود خليل

القدرية فى التفكير أو الرضاء بالقضاء والقدر، كانت سمتاً أساسياً لـ«أدهم» بطل الحكاية الأولى من حكايات «أولاد حارتنا»، ويجد هذا الرضاء ترجمته فى «الطاعة والتسليم». كان «أدهم» أكثر الأبناء طاعة لأبيه «الجبلاوى»، ذلك الذى امتلك «الخلاء» وما يحيط به بقوته القاهرة، وهو جبار فى البيت الكبير كما هو جبار فى «الخلاء»، لذا فقد تعوَّد كل من فى البيت التسليم له. وعندما قرر فى لحظة أن يولى مهمة إدارة الوقف لولده «أدهم»، أطاعه الجميع، إلا إدريس أبَى، فكان مصيره الطرد من البيت الكبير إلى الأبد.. سمع «أدهم» وأطاع لأبيه، فقد كان أكثر إخوته حفظاً لتلك العبارة التى يرددها «الجبلاوى» فى مواجهة أى شخص يشعر فى خرائط وجهه أو أعماق شعوره بأى نوع من الامتعاض وهو يملى عليه أمراً: «هذه إرادتى.. وما عليك إلا السمع والطاعة».

الصمت والتسليم لأمر الله سمة أساسية من السمات التى تحدد تصور المصريين لأبى البشر، بل وللبشر جميعاً، خصوصاً إذا صدر الأمر عن صاحب قدرة، فالعصيان فى هذه الحالة يفضى إلى الندم. ولعلك سمعت المثل المصرى السائر الذى يقول: «لا تعاند من إذا قال فعل».. والمثل الآخر الذى يقول: «إذا جاءك الغصب خذه بالرضا». والواضح أن هذا الملمح من ملامح «أدهم المصرى» قديم، ويعود بجذوره إلى قرون مضت. فقد توقف «دى شابرول» أمام ملمح عجيب من الملامح التى تميز المصريين، والمتمثلة فى «الوجه الصامت». و«دى شابرول» -كما ذكرت لك بالأمس- أحد الباحثين (مهندس فى الأصل) الذين اختصوا بتحليل عادات وتقاليد المصريين ضمن مجلد «وصف مصر» الذى أبدعه علماء الحملة الفرنسية. يتحدث «شابرول» فى هذا السياق قائلاً: «لا يمكنك أن تكتشف ما يعتمل فى نفس المصريين عن طريق ملامحهم، فصورة الوجه ليست مرآة لأفكارهم، فشكلهم الخارجى فى كل ظروف حياتهم يكاد يكون هو نفسه، أى يحتفظون فى ملامحهم بنفس الحيدة وعدم التأثر، سواء حين تأكلهم الهموم أو يعضهم الندم أو كانوا فى نشوة أو سعادة عارمة». ويعزى «شابرول» ذلك إلى الطبيعة القدرية للإنسان المصرى.

وليس ثم من خلاف على أن التسليم بالقضاء والقدر شأن إيمانى. فلا حيلة للإنسان أمام قضاء الله، ولن تنفع شكوى أو يجدى صراخ فى مواجهة المقدور، لكن هذا أمر وإسناد كل فشل أو إخفاق فى الحياة للقضاء والقدر، أمر آخر. الجانب الثانى هو الذى يحتاج إلى علاج فى شخصية الإنسان المصرى. فأمام كل إخفاق لا بد أن نفتش عن الأسباب، وسوف تجدها شاخصة فى تلافيف النسيج الفردى أو الاجتماعى. فحظ الإنسان بين عينيه وليس طائراً يطير بجناحين فى السماء، هذا ما يجب أن يتعلمه «آدم المصرى». ومع ذلك فمن الإنصاف أن نشير فى الختام إلى أن الوجه الصامت الذى تحدث عنه «شابرول» ووصفه نجيب محفوظ فى «أولاد حارتنا»، كثيراً ما يقطع صمته ويصنع الأعاجيب. ولو أننا استرجعنا بعض المشاهد من حياة المصريين فى الفترة الفاصلة بين نكسة 1967 وانتصار أكتوبر 1973 المجيد، فسوف نجد أن الوجوه التى ظلت جامدة طيلة هذه السنوات الست كسرت صمتها وانتصرت على هزيمتها بمعرفة «أبناء الصمت».

المصدر :

الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبناء الصمت أبناء الصمت



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon