بقلم: د. محمود خليل
بعد الهدوء النسبى الذى شهدته الفترة الأولى من حكم «مبارك» (1981- 1987) انطلقت موجة عنف وإرهاب جديدة مع بداية فترة حكمه الثانية، بدأت بمحاولة اغتيال حسن أبوباشا وزير الداخلية الأسبق (1987)، ثم افتتحت حقبة التسعينات باغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب (1990)، ثم اغتيل فرج فودة على يد عناصر إرهابية (1992). وتعددت محاولات الاغتيال بعد ذلك فامتدت إلى الروائى العالمى نجيب محفوظ (1995)، كما تعرض الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد لمحاولة اغتيال، وتعرض حسنى مبارك نفسه لمحاولة اغتيال فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995، ثم كانت الحادثة الإرهابية المروعة التى شهدتها مدينة الأقصر عام 1997 التى راح ضحيتها 58 سائحاً وكان لها أثر بالغ الضرر على السياحة.
خريطة حمل السلاح ضد الدولة فى ذلك الوقت كانت تشتمل على العديد من الجماعات، يأتى على رأسها الجماعة الإسلامية التى تأسست أوائل السبعينات فى سياق المساحة التى وفرها الرئيس الراحل أنور السادات للتيارات الدينية لتعمل كأداة مواجهة للتيارات الناصرية واليسارية التى كانت تسيطر على الحركة الطلابية داخل الجامعات. وقد بدت هذه الجماعة سلفية التوجه فى بداياتها -شأنها شأن كل الحركات الطلابية فى الجامعات- ولكن بعد الإفراج عن عناصر جماعة الإخوان، وسيطرتهم على قطاع لا بأس به من عناصر الجماعات الدينية داخل الجامعات، استقل تيار الإسكندرية بالفكرة السلفية وتحلَّق حولها، أما تيار أسيوط فقد تحلَّق حول فكرة حمل السلاح والجهاد ضد الدولة. وينسب إلى هذه الجماعة العديد من العمليات الإرهابية التى شهدتها الأدهمية خلال هذه الفترة، وأبرزها حادثة معبد الدير البحرى، ومحاولة اغتيال حسنى مبارك. وقد شارك العديد من قيادات هذه الجماعة وعناصرها فى الجهاد ضد الإلحاد فى أفغانستان!.
انشق شوقى الشيخ فيما بعد عن الجماعة الإسلامية وأسس جماعة الشوقيين بالفيوم، وهى الجماعة التى ينسب إليها العديد من عمليات سرقة محلات الذهب. وشاركت جماعة «الناجون من النار» أيضاً فى الأحداث الإرهابية التى شهدتها تلك الفترة وهى جماعة تكفيرية تتبنى فكرة حمل السلاح وكانت متأثرة بدرجة كبيرة بأفكار «سيد قطب» وتوجهت أغلب عملياتها إلى وزراء الداخلية السابقين، مثل حسن أبوباشا والنبوى إسماعيل ممن اعتبروهم المسئولين الأساسيين عن تعذيبهم فى السجون. والمتأمل لخريطة العنف والإرهاب الذى شهدته الأدهمية خلال هذه الفترة يلاحظ أن الصعيد مثّل الحاضنة الأبرز لأغلب الجماعات التى تبنت فكرة حمل السلاح ضد الدولة.
عانى جنوب الأدهمية إهمالاً واضحاً من جانب الحكومات التى تعاقبت على مصر منذ أوائل الخمسينات، رغم أنه يحتضن ما يقرب من ثلث سكان الأدهمية. وخلال فترة حكم «مبارك» ارتفعت معدلات الفقر وتهالكت المرافق الأساسية وقلَّت الاستثمارات الموجهة إلى محافظات الصعيد.
ولم يتنبه النظام حينذاك إلى خطورة ذلك إلا عندما هبَّت رياح العنف عبر جماعات خرجت من رحم الصعيد، فحاول «مبارك» التعامل مع الموقف ووجَّه رجال الأعمال إلى الاستثمار فى الجنوب، لكن المحاولة لم تحقق النجاح المرجو. ولا يستطيع أحد أن يحدد على وجه الدقة الخطوط الفاصلة بين أدوار التطرف الدينى والفقر والتهميش فى تحريك عجلة العنف والإرهاب القادمة من الصعيد، لكن يبقى أن هذا الجزء النابض بالحياة والإبداع والوطنية من الجسد الأدهمى صبَّت عنده العديد من المآسى الإنسانية التى عاشتها الأدهمية خلال فترة حكم «مبارك».