بعد كشف النقاب عن وثيقة تتضمن نص المحادثة الهاتفية التى جرت يوم 25 يوليو بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، والتى اتهمه الديمقراطيون على إثرها بطلب تدخل دولة أجنبية فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى 2020، ازداد التراشق اليومى بين معسكر الديمقراطيين بقيادة رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى ورئيس لجنة الاستخبارات آدم شيف من ناحية، وبين الرئيس ترامب من ناحية أخرى. ومع بدء مجلس النواب تحقيقات للبحث فى عزل الرئيس، يتوقع على نطاق كبير أن يبدأ مجلس النواب الذى يسيطر عليه الديمقراطيون بأغلبية 235 عضوا ديمقراطيا مقابل 200 عضو جمهورى فى إجراءات العزل، ومن ثم تقديم طلب محاكمة الرئيس أمام مجلس الشيوخ صاحب القول الأخير والفاصل.
وبالفعل بدأت الإجراءات الرسمية لعزل الرئيس ترامب بتصويت مجلس النواب، الأسبوع الماضى، بأغلبية 232 صوتا مقابل 196 صوتا لإطلاق عملية العزل وفتح التحقيق رسميا.
ويتهم الديمقراطيون ترامب باستغلال نفوذه لأغراض شخصية فى الاتصال الذى طلب فيه من نظيره الأوكرانى إجراء تحقيقات حول المرشح المحتمل مواجهته فى الانتخابات الرئاسية المقبلة جو بايدن وابنه هانتر الذى كان عضو مجلس إدارة شركة غاز أوكرانية والتى تحوم حولها تهم فساد على نطاق واسع.
***
«لقد حان الوقت لوضع نهاية لهذه التحقيقات وأى تحقيقات أخرى تتعلق بهذه القضية، تحقيقات ووترجيت لا تستحق المزيد من الوقت» ــ كانت تلك كلمات الرئيس ريتشارد نيكسون قبل إعلانه الاستقالة ومغادرة البيت الأبيض قبل بدء التصويت على عزله. ودفع الكشف عن تسجيلات تتضمن أدلة دامغة سربها أحد المسئولين بالبيت الأبيض وتتضمن إدانة للرئيس نقطة فاصلة فى موقف الجمهوريين. وكان نيكسون قد خالف القانون بتوجيهه أمرا لمساعديه بضرورة التغطية وعرقلة جهود «إف بى آى» و«السى آى إيه» فى التحقيقات المتعلقة بتجسسه على الحزب الديمقراطى. عقب ذلك زار ثلاثة من كبار قادة الحزب الجمهورى البيت الأبيض، وهم النائب جون رودس والسيناتور هيو سكوت والسيناتور جولد ووتر، بهدف إخبار الرئيس نيكسون أن الأوضاع فى مجلسى الكونجرس غير جيدة على الإطلاق وتتجه للأسوأ.
وفهم الرئيس نيكسون أن الحزب الجمهورى سيتجه للتخلى عنه، وسيختار التصويت لإقالته، واضطر للاستقالة.
وتوفر تجربة الرئيس السابق بيل كلينتون موقفا مغايرا لتجربة نيكسون، فكلينتون صمم على القتال حتى النهاية. كلينتون اعترف بخطأ إقامة علاقة جنسية مع المتدربة مونيكا لوينسكى، لكنه رأى أن خطأه لا يعد جريمة تستوجب العزل. ومثلما يتلقى الرئيس ترامب دعما واسعا من قواعده الشعبية الجمهورية، وقفت الغالبية الديمقراطية مع كلينتون على الرغم من توجيه انتقادات له على سوء السلوك وعلى العار الذى ألحقه بسمعة ومكانة البيت الأبيض.
ويمثل فشل مجلس الشيوخ فى عزل كلينتون حافزا لترامب للتمسك بموقفه والاستمرار فى المعركة، والتى إن خرج منها منتصرا ستدعم حظوظه للفوز فى انتخابات 2020.
***
خلال الاتصال الهاتفى الذى يعد محور الأزمة الجارية، طلب ترامب من رئيس أوكرانيا التحقيق حول هنتر ابن جو بايدن المرشح الأبرز بين الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة القادمة فى ادعاءات بتورطه فى قضايا فساد داخل أوكرانيا. وتحدث ترامب كذلك عن المساعدات العسكرية التى تقدمها واشنطن لأوكرانيا. ويرى الديمقراطيون أن ترامب انتهك الدستور عبر السعى للحصول على مساعدة دولة أجنبية لإيذاء خصمه السياسى. ويحتاج الجمهوريون لدليل دامغ يدين الرئيس كى يصوتوا مع العزل. وحتى الآن لم يعبر أى من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين عن وجود دليل دامغ يدين الرئيس كما كان الحال مع الرئيس نيكسون الذى اختار الاستقالة قبل أن يتعرض للإهانة بتصويت مجلس الشيوخ لإقالته.
ويعتقد الجمهوريون أن المحادثة الهاتفية بين الرئيسين كانت عادية، وأن ورئيس أوكرانيا نفسه أكد عدم وجود أى ضغوط عليه.
إلا أن اعتراف جوردون سوندلاند سفير واشنطن فى الاتحاد الأوروبى قبل يومين أنه أبلغ مسئولا أوكرانيا بأن المساعدات العسكرية لبلاده تعتمد على قيام كييف بفتح تحقيق بشأن جو بايدن، قد يغير من موقف بعض أعضاء مجلس الشيوخ.
ولا يرى زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل أن المحادثة الهاتفية تتضمن ما يدعو للتحقيق لعزل الرئيس. ولم يعبر إلا عضوان جمهوريان هما ميت رومنى وبن سيس عن انزعاجهما فقط من محتوى المكالمة الهاتفية. ولا يقف أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب وحدهم وراء الرئيس ترامب، بل تتحد الآلة الإعلامية الضخمة للجمهوريين مثل محطة فوكس نيوز وتليفزيون أميركا وان، والكثير من محطات الراديو والصحف المحافظة.
***
تظهر استطلاعات الرأى المتعاقبة انقسام الشعب الأمريكى تجاه فكرة عزل الرئيس المنتخب. وتمثل شعبية ترامب الواسعة بين أوساط الناخبين الجمهوريين سيفا مسلطا على رقاب أعضاء الكونجرس الجمهوريين، يدخل فى حساباتهم عند اتخاذ مواقف معادية للرئيس. ويشهد نوفمبر 2020 انتخابات لكل أعضاء مجلس النواب، إضافة لـ 35 مقعدا داخل مجلس الشيوخ من بينهم 23 مقعدا يسيطر عليها حاليا أعضاء جمهوريون. ومع سيطرة الجمهوريين بأغلبية 53 عضوا مقابل 47 على مجلس الشيوخ، يحتاج الديمقراطيون لأصوات عشرين عضوا جمهوريا لعزل الرئيس.
ويشكك الكثير من الخبراء فى حدوث ذلك دون توافر دليل دامغ يكفى لإدانة الرئيس ترامب، كما كان الحال فى حالة الرئيس نيكسون.