بقلم :خالد منتصر
احتفل «جوجل»، أقوى محرك بحث فى العالم، وأغلى مؤسسة عنكبوتية على وجه الأرض، بعيد ميلاد العبقرى ستيفن هوكينج، وأهدى إليه فى عيد ميلاده مشاركة متواضعة مع من يعتبرونه أيقونة التحدى، حيث تصفه الأوساط العلمية على مستوى العالم بأنه أذكى عالم فيزياء بعد أينشتاين، إنه ستيفن هوكينج الذى عندما احتفل بعيد ميلاده، لم يستطع إطفاء الشمع وغناء «هابى بيرث داى تو يو»، لأنه لا يستطيع تحريك شفتيه ويتنفّس من خلال شق فى القصبة الهوائية، لم يستطع أن يتحرّك إلى حيث المائدة التى عليها التورتة، إلا على كرسى متحرك، فهو لا يحرّك يديه ولا رجليه. من يريد أن يعرف معنى كلمة «أمل» لا بد أن يقرأ سيرة هذا العبقرى العظيم، من يريد أن يقهر اليأس ويعرف ما هى المعاناة بجد، وكيف بالإرادة والتصميم والعزيمة أن تستطيع بناء صرح نجاحك والتغلب على هذه المعاناة، لا بد له أن يقرأ كتاب «موجز تاريخ الزمن» لهذا الفيزيائى الذى جعل هذا العلم المعقّد عند أطراف أصابعنا.
أخبره الأطباء 1963 عندما اكتشفوا مرض التصلب العضلى الجانبى الذى يلتهم أعصابه ويشل عضلاته بالتدريج، وكأنه فأر يقرض حبلاً مهترئاً، أنه لن يعيش أكثر من بضعة أشهر وعلى أكثر تقدير متفائل سيعيش سنتين، لكنه بعزيمة حب الحياة المنتجة الفعّالة عاش نصف قرن بعدها، وكان ينتج ويضيف إلى العلم، وهو على هذه الحالة من الشلل والضمور، ويكتشف ويحلم من على هذا الكرسى المتحرك الضيق الصامت، لم يعش سوى 5 فى المائة ممن أصيبوا بنفس مرض «هوكينج»، لأكثر من عشرة أعوام، حصل «هوكينج» على 12 درجة فخرية، ووسام الفروسية برتبة قائد، وفى 2009 مُنح وسام الحرية الرئاسى، وهو أعلى جائزة تُمنح لمدنى فى الولايات المتحدة، وقد بدأت أعراض المرض تظهر على «هوكينج» قُبيل بلوغه الحادية والعشرين من عمره، وكانت بسيطة فى بادئ الأمر، لكن تفاقمت حالته بعد ذلك، وقد كان تشخيص إصابته بالمرض صدمة مروّعة، لكنه أصبح حافز نجاحه فى ما بعد.
يقول «هوكينج»: مع هالة الغموض التى اكتنفت مستقبلى، وجدت نفسى أستمتع بحياتى أكثر من ذى قبل. وكان ذلك شيئاً مفاجئاً لى. ويضيف: بدأت أحقق تقدماً فى أبحاثى، وارتبطت بفتاة تُدعى جين وايلد، بعدما قابلتها فى فترة تشخيص حالتى الصحية، وكان ذلك نقطة تحول فى حياتى، إذ منحتنى سبباً أحيا من أجله.
وحتى عام 1974 تمكن «هوكينج» وزوجته من التعامل مع مرضه دون الحاجة إلى مساعدة خارجية، وأنجب منها ثلاثة أطفال، وكان فى ذلك الوقت قادراً على تناول الطعام بنفسه، والذهاب إلى السرير والقيام منه بمفرده. لكن كان صعباً عليه التحرّك لمسافات كبيرة، ومع زيادة الصعوبات، بدأت عضلاته تخذله، وقرّر الزوجان أن يعيش معهما أحد الباحثين الذين يدرسون مع «هوكينج»، وكان الطلاب يُمنَحون سكناً مجانياً ورسوماً شخصية مقابل مساعدة «هوكينج» داخل المنزل، وعلى مدار الأعوام القليلة التالية، كان واضحاً أن العائلة فى حاجة إلى مساعدة ممرضين متخصّصين، وتبيّن أن «هوكينج» سيقضى ما تبقّى من حياته على مقعد متحرك.
فى عام 1985 أصيب «هوكينج» بالتهاب رئوى، مما ضاعف معاناته، وللتغلب على صعوبات التنفس أجريت له عملية جراحية ورُكّبت له أنبوبة فى القصبة الهوائية. نجحت العملية، لكنها أثرت على صوته، وأصبح يحتاج إلى رعاية على مدار الساعة من فريق متخصّص، وظل «هوكينج» لبعض الوقت لا يمكنه التواصل مع أحد إلا عن طريق ذكر الكلمات حرفاً تلو الآخر من خلال رفع حاجبيه عندما يشير أحد إلى الحرف الصحيح على بطاقة توجد عليها حروف الهجاء.
سمع وولت ولتوسز، خبير كمبيوتر فى كاليفورنيا، عن محنة «هوكينج»، فأرسل إليه برنامج كمبيوتر يطلق عليه إكواليزر Equalizer. وساعده البرنامج على اختيار الكلمات من قوائم تظهر على شاشة يتحكم فيها من خلال زر فى يده، قامت شركة إنتل للمعالجات والنظم الرقمية بتطوير نظام حاسوب خاص متصل بكرسيه يستطيع «هوكينج» به التحكم فى حركة كرسيه والتخاطب باستخدام صوت مولد إلكترونياً، وإصدار الأوامر عن طريق حركة عينيه ورأسه، وعن طريق حركة العينين، يقوم بإخراج بيانات مخزّنة مسبقاً فى الجهاز تمثل كلمات وأوامر، من خلال هذه الإشارات واللفتات، عاش «هوكينج» يبدع ويمنح العالم أملاً فى حياة أكثر بهجة وسعادة وتطوراً، والمصادفة الغريبة أنه رحل يوم عيد ميلاد أينشتاين.